ثمرات التعاون العربي - ألأيراني في التأريخ الإسلامي - د.نضال جميل غضب - جامعة الكوفة/ كلية اللغات إن أي حدث تـاريخي لكي يسمى تاريخي فلابد أن يكون نتاج تضافر عدة عوامل وليس عامل واحد فقط. ولقد تغنينا كثيرا بالحضارة العربية الإسلامية وتأثر الغرب والشرق فيها وكيف كانت البدايات بترجمة كتاب المسلمين المقدس القرآن الكريم إلى ترجمة تفصيلية لأغلب العلوم والمعارف التي تطرق إليها المسلمون آنذاك ... الملخص
إن أي حدث تـاريخي لكي يسمى تاريخي فلابد أن يكون نتاج تضافر عدة عوامل وليس عامل واحد فقط. ولقد تغنينا كثيرا بالحضارة العربية الإسلامية وتأثر الغرب والشرق فيها وكيف كانت البدايات بترجمة كتاب المسلمين المقدس القرآن الكريم إلى ترجمة تفصيلية لأغلب العلوم والمعارف التي تطرق إليها المسلمون آنذاك ولكي نقول كلمة الحق ونصحح التعبير، علينا بالقول إن هذه الحضارة العظيمة التي أنتجها الإسلام كانت في داخلها نتاج التفاعل الحضاري وتحت ظل ولواء الإسلام العظيم عبر دويلاته بهوياتها القومية المتنوعة. وما الإسلام إلا الصيرورة التاريخية لتفاعل هذه الهويات وتقديم نتائج طيبة، كثيرا ما وصف ويوصف بأنه أصيل وبعيد كل البعد عن التقليد وهو حضور إبداعي وإنساني متقنٍ في كل حقول المعرفة. فالرازي وابن سينا والخوارزمي وغيرهم الكثير من إخواننا الإيرانيين أو من بقية هويات الدول الإسلامية في المنطقة حتى كلهم مثلوا هذا النتاج وكتبوا مؤلفاتهم باللغة العربية لغة القرآن والتسامح الديني الذي يمثل جزء مهم مكمل ومتفاعل معها.
تحظى العلاقات بين الشعوب أهمية كبرى للشعبين لما لها من مجالات تسهم في تقريب وجهات النظر على الخلافات التي تنشأ عن طريق مجالات عدة، هذه العلاقات سرعان ما تزدهر اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، يتربص بها طرف آخر يسوق الكلام والمال وتأويل الكلام هنا وهناك ويشتري الإعلام المرئي وغير المرئي حتى يرضي ذاته بإيقاع أكثر قدر ممكن من الأذى بالآخرين بالاتكاء على دول كبرى ولو كانت من خارج إطار العالم الإسلامي، سلطنا الضوء على ثمرات كانت أساساً لتأسيس انبثاق ثقافي متين للحضارتين مازال شاهداً يقرأه الجميع ويستأنس به.
الكلمات الدلیلة : ثمرات، التكفير، العالم الإسلامي، الاعتدال، الحضارة الفارسية

المقدمة: 
اخترت هذه التسمية لما لها من دلالة واضحة للمتلقي لكون دلالتها واضحة للعيان عن طريق زرع أصلها وجني ما تنتجه من لون ومذاق آخاذ  باعتراف القاصي والداني من أمم الشرق والغرب، قطعت الحضارة العربية والفارسية أشواطا كبيرة منذ القدم على مستوى الصراع بين الكّر والفر، وابان السلم تكونت مصالح خدمت الحضارتين على المستوى السياسي والعسكري في مرحلة فتح بلاد فارس،" لم يقلد الفرس العرب حضارياً إذا كان الظاهر هو إن المغلوب يقتدي بالغالب لكن الذي حدث إن الغالب اقتدى بالمغلوب.
هذا هوسبب بحد ذاته يقنع العرب بمكانة الفرس التاريخية  والتخلي عن تأصيل فكرة التكفير تجاه أمة كانت ولا تزال ترفض الوصايا الدولية والإقليمية وذلك مدعاة للفخر كبشر ننتمي للأمة الإسلامية وإيران هي واحدة من كبرى هذه الدول، من جانب آخر لا يُنكر دور العداء العربي ضد الفرس خلال الأربعة قرون المنصرمة إبّان الفترة الصفوية التي حشدت الشارع الإيراني آنذاك باسم الطائفة والقومية ضد الخلافة العثمانية، ذلك قد ترك أثراً على الساحة الإسلامية وما زال ذلك يقلل من شأن العلاقات ما بين دول الجوار المعنية بالامر. المؤلم إن التاريخ العربي الإسلامي يُبرز الشخصية الفارسية بأدوار سلبية، تمزق الصف العربي والإسلامي، بينما لا يذكر المساهمات الإيجابية في البناء المعرفي والعلمي التي تمتعت به هذه الأمة حتى باتت تنافس الدول الكبرى في صناعاتها، ساعد هذا في ترسيخ الصورة السلبية للفرس ودورهم  في الحضارة الإسلامية". 
تضمن هذا البحث على ثلاث مباحث رئيسية.  خاض المبحث الأول في بدايات العلائق  بين الحضارتين إبان الفترة ما قبل وبعد الفتوحات الإسلامية، والمبحث الثاني بدأ بحصد ثمارات التعاون بين الحضارتين تحت عناوين متعددة؛ أثرت المكتبة الإسلامية من أفكار وتراجم وحكم ....  ، أما المبحث الثالث والأخير عكف على تحليل هذه التجربة محاولا دفعها إلى الأمام مبينا الإخفاقات في توضيح وتقريب وجهات النظر لكن الطريق ليس معبّداً على طول الزمن لأن الزمن يتحكم به قوى وفصائل مدعومة من أجل إرساء مخطط متوافق عليه وتطبيقه في بقعة معينة لكن الارادة والايمان بالقضية جعلت الكثير يدرك أنه لا مفر من حلحلة الخلافات تحت لواء التفاهم واستنادا إلى القرآن الكريم.

المبحث الأول:
زاوية تاريخية عن العلاقات بين الحضارتين 

 التقارب السياسي والاجتماعي
 " في هذا الإطار تندرج المرحلة الأولى من علاقة الإمبراطورية الساسانية بمملكة المناذرة العربية  التي حكمت العراق 266-633م بعد أن احتل الملك الحبشي اليمن قصد رجل من أسلافها يدعى سيف بن ذي يزن كسرى الفرس 531-579م بعد أن قدمه النعمان بن المنذر لكسرى ، استجاب ملك الفرس لطلب ابن ذي يزن وأرسل معه جيشاً لتحرير بلاده.
أما المناذرة فأنشئت مملكتهم في كنف الإمبراطورية الساسانية وكان للفرس مصلحة في استقرار ملوك الحيرة ليقوموا بدورهم حماية حدودهم وقوافلهم التجارية من اعتداءات الروم واتباعهم من الغساسنة. لم يمنع ذلك التعاون المنفعي من قيام علاقات ثقافية،  إنسانية كما دونتها كتب التاريخ.
كانت هناك اواصر اجتماعية بين الساسة العرب والفرس قبل العصر الساساني 226م وأشارت الشاهنامة إلى ذلك. تمثلت هذه الأواصر إلى قيام علاقات نسب وتزاوج بين ملوك الفرس القدماء وجيرانهم من ملوك العرب وأمرائهم، إن تلك الأواصر تدخل في باب الاساطير، احتوت على ملامح صلات روحية ونفسية شدت الشعبين العربي والفارسي أحدهما إلى الآخر وساهمت في تقريب وجهات النظر إلى العديد من مسائل واشكالات الحياة آنذاك .
مثال ذلك تأسيس إمارة الحيرة العربية حيث كان أهلها يقدمون الطاعة لملك بلاد فارس أو يحمونهم من كل غازٍ من جهتهم، و لقاء ذلك كان الملك الفارسي يولي عليهم أميرا منهم ويعفيهم من دفع الجزية، فضلا عن ذلك العلاقة بين اليمن وبلاد فارس حيث أنقذهم الجيش الفارسي من سيطرة الأحباش مرتين وقد بقى أثر ذلك الجيش حتى هذا اليوم ".
كانت الإمبراطورية الفارسية آنذاك مشهودا لها اسوة بالإمبراطورية الرومانية فكان لزاما ومن دواعي تدعيم حدودها وايجاد حلفاء لها لتأمين مصالحها وعقد علاقات معهم مبنية على حسن الجوار خلّف ذلك نسيجا مهما من اقتراب الحضارتين، على مستوى الشعر والأدب والتبادل التجاري.

التقارب والتحول قبل الإسلام
ارتبط تاريخ إيران بتاريخ الدول العربية منذ القدم أيام دولة المناذرة والحيرة ودولة الغساسنة عندما كانت هناك إمبراطوريتان هما الفارسية والرومانية حيث الصراع ما بين الإمبراطوريتين، ولأن بلاد فارس تجاورعدداً من البلدان العربية آنذاك، وبعد شروق شمس الإسلام دخلت الحضارتين تحت راية الإسلام، كان العراق الأقرب إلى الدولة الساسانية، حيث كان عاصمة للدولة الساسانية، التي فتحها المسلمون، ثم أصبحت ايران جزء من القسم الشرقي من الدولة الإسلامية في العصر الاموي، فخضعت إلى إدارة والي المسلمين في العراق.
ازدادت صلة ايران بالعراق في العصر العباسي حيث كانت بغداد "عاصمة العراق" عاصمة للدولة الإسلامية ومقراً للخليفة العباسي أكثر من خمسة قرون من الزمان تشع علماء وحضارة ونفوذا على أرجاء المعمورة، امتزجت في أثنائها دماء الإيرانيين بدماء العرب، بعد أن آخى الإسلام بينهم جميعا فنعموا بما في هذا الدين القويم من إخوة ومساواة وعدالة تمحو اختلاف الاجناس والالوان والالسنة، لأن الله خلق الناس جميعا من نفس واحدة كما قال سبحانه في أول سورة النساء:(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء . واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ، أن الله كان عليكم رقيبا)  .
فقد جعل الإسلام المفاضلة بين الناس على أساس تقوى الله (يا ايها الناس أنا خلقناكم من ذكر واتثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم) .ابلى الايرانيون بلاء حسناً في الفتوحات الإسلامية حتى نالوا إعجاب الخليفة العباسي  في عام 432 للهجرة، لقد وصل السلاجقة بلاد آسيا الصغرى في عام 463 للهجرة ثم دخلوا بلاد الشام في عام 468 للهجرة ثم امتد نفوذهم من حدود الهند والصين شرقاً إلى البحر الابيض غربا ومن البحر الاسود شمالا إلى الخليج جنوباً. توالت بعدهم الكثير من الدويلات وخدمت الامة الإسلامية وفقا لمتطلباتها آنذاك ولا ننسى الإسهامات الأدبية بكل أقسامها من ترجمة ولغة وفقه وشعر حتى برز كبار الشعراء والأدباء حيث قراءة القرآن الكريم أضافت لهم مَلَكَة الإبداع.

المبحث الثاني:
بذور التواصل الإبداعي 

  "لما كانت العربية لغة القرآن الكريم ولذلك أهل الدين الجديد الذي اعتنقوه، أقبلوا على تعلمها وإتقانها كأهلها، وقد تضافرت وتسارعت الرغبة والحاجة الملحة في خدمة لواء الإسلام، فصار الكثير يتطلع إلى إتقان لغة التخاطب وهضمها حتى أخذوا ينقلون ثمرة اللغة العربية إلى معارفهم القديمة وبالعكس من لغتهم الأصلية في إطار التاريخ، والفن، والكيمياء، والفلك، والحساب، والأدب، شاركهم في ذلك العديد من علماء العرب والبلدان الأخرى التي دخلها الإسلام ". 
إحدى هذه الثمرات التي خَلّفت علوماً كثيرة في مختلف المجالات، هي المضمون المشترك بين الحضارتين الذي أبدع به الإيرانيون في استلهامهم للقرآن الكريم، وأضاف إلى أدبهم حلّة مزجت أدبا لحضارتين تركت أثراً إيجابياً على الساحة الأدبية، على صعيد الترجمة بمختلف المجالات الأدبية والطبية والفلكية والقصص الدينية. 
أحد أسباب توسع اللغة العربية بين الإيرانيين نفوذ الإيرانيين إلى سلك الجيش والداخلية من أجل نيل مناصب حكومية ووزارية، لأن الإيرانيين لهم سابقة في فنون الأدب وتأليف الكتب فضلا عن تمتعهم بإرث أدبي كبير نتيجة لاندماج وتصاهر اللغتين اتتهم بثمرة الفصاحة وبلاغة اللغتين.
والسبب الثاني هو ترجمة الكتب الأدبية والتاريخية والقصص الإيرانية والأمثال والحكم ودروس الاخلاق والتصوف إلى اللغة العربية على يد أكبر كتّاب ومترجمي العصر هو عبدالله بن المقفع، استمر ذلك حتى بعد المقفع منذ  بداية القرن الثالث الهجري شرق وشمال شرق إيران؛ فعلى وجه الخصوص أثناء حكم ( آل بويه) لاقى الأدب العربي رواجاً من قبل الأمراء والحكام وبرز منهم ( محمد بن زكريا الرازي) ( وأبو نصر الفارابي) كتبوا كتبهم العلمية باللغتين كان لنفوذ العلوم والمعارف الإسلامية تأليف الكثير من الكتب إلى اللغة العربية منها كتاب الفهرست لابن النديم عُرف هؤلاء بصبغتهم الحضارية الممزوجة بالثقافة الإسلامية.

الصلات الفكرية
لم يكن العرب وحدهم مصدرا للفكر العربي الصرف بعد انتقال عاصمة الخلافة إلى بغداد ثم مجموعة من العوامل عملت منذ الانقلاب العباسي على أن يتم التناقح الفكري والثقافي بين العرب بصورة مثيرة للدهشة أبرز ما في ذلك دخول اللغة إلى قلوب الفُرس وفُتحت لهم أبواب الحياة السياسية والاجتماعية والدينية والفكرية على مصراعيها في العالم الجديد الذي دخلوا إليه، حيث كان لهؤلاء القوم أياد بيضاء على الفكر والثقافة في الدولة العباسية .
حيث فُتحت المعاهد والكتاتيب لتعليم مباديء القراءة والكتابة والقرآن الكريم، فضلا عن الكثير من حلقات العلم والدين في المساجد لتعليم أبناء الخاصة، وإقامة المناظرات واختبار الكُفء من المتقدمين والملمين بثقافات الأمم، وتعليم مباديء الترجمة وتأسيس المكتبات ."
كانت اللغة العربية آنذاك بمثابة لغة العلم والأدب والذي يمتهنها يكون قد كسب لسانين، ووظف ذلك لخدمة دار الخلافة أو المؤسسات المتعددة التي حضى بها القائمون على الأدب والمعرفة فضلا عن ذلك أن اللغة العربية كانت لغة الدوايين والمخاطبات والمراسلات والبحوث لذا عكف عليها الفرس بعد انضوائهم إلى تحت لواء الإسلام.
أثرى الأدب العربي بعلم العروض الذي ابتكره "ألخليل بن احمد الفراهيدي" ليكون شاهدا ومؤكدا أن الحوار الذي يحتفي به العالم اليوم ليس وليد اليوم بالنسبة للعرب بل هو متجذر في عمق التاريخ بين الحضارتين، وإن العرب عبر العصور قاموا بدور كبير في تعميق الحوار الفكري الناضج بين مختلف الثقافات على اعتبار أن العروض هو علم اكتشف في زمن العرب، أصبح جسرا من جسور التواصل، وجدت الكثير من البصمات الثقافية العربية داخل الثقافة الفارسية نتيجة تواصلها وتزودها من البحر الواسع للثقافة العربية.

انعكاس الثقافة الايرانية على العرب في القرن 20
كانت العلاقات والأواصر الثقافية بكل فروعها حاضرة حتى وقتنا الحاضر من الأدباء الذين تأثروا بذلك وديع البستاني 1888-1954 وضع رباعيات الخيام بقالب عربي سباعي عام 1911. وشبلي الملاط الملقب بشاعر الإرز الذي ترجم رباعيات الخيام فضلاً عن عدة قصص إيرانية إلى العربية من جملتها ( سيف بن ذي يزن) وشيرين الفارسية و 86 بيتا من أشعار الفردوسي شاعر الملحمة الفارسية. والشاعر اللبناني المغترب في امريكا 1899 -1987 قصيدته المشهورة (الطلاسم) المتأثرة برباعيات الخيام ."
أثر هذه الثقافة كبيرا وهذا الذي ذُكر جزءاً يسيرا، فيوجد العديد ممن كتبوا أو ترجموا من الفارسية إلى العربية مثل الدكتورة ماجدة العناني ترجمة كتاب "جلال آل احمد" (نون والقلم)، وأحمد الصافي النجفي لأفضل ترجمة لرباعيات الخيام، ودل ذلك على شيء فهو مصباح ينير ازقة وروافد العلاقات العربية الإيرانية.
"ورث الإيرانيون تقاليد أدبية تمتد إلى أكثر من ألف سنة، كانت هذه التقاليد غنية بتنوعها وتأثيرها المتين، من حركات علمية وفلسفية ودينية وهي نشاطات جاءت كدلائل على العمق الحضاري لهذه البلاد فكان الطراز المميز للسرد، يصب في إطار الاشكال والصيف في التاريخ.
إن تاريخ المخطوطات في الف ليلة وليلة يوضح تداول واندماج النثر الفارسي في تقاليد السرد الكبرى في الشرق، إن الظروف التي مر بها الإيرانيون من هزائم في القوقاز وأفغانستان ألزمت الإيراني على فتح عينيه بشأن التأخر الذي طال البلاد. أدرك ميرزا حاكم تبريز بوقت مبكر إدخال الطباعة وإرسال الطلبة إلى أوروبا، استعادت الأسرة القاجارية (1796-1925) في عهد ناصر الدين شاه (1845-1896) فكتب ( يوميات رحلة إلى أوروبا)،  من هنا بدأت الصحوة الثقافية شملت الترجمة والرواية والقصة والتغلب على الظروف الاجتماعية القاسية حيث تم التطرق إليها في كتابات الأدباء حيث ظهرت ظاهرة الالتفاف نحو القومية وعدم إبعاد النظر عن الثقافة الإسلامية ذات الكم الهائل من المعلومات".
 " تعتبر سيرة الملوك في الأدب الفارسي هوية الشعب الإيراني فهي عنوان خالد لتمجيد تاريخه الذي ما زال يتغنى بتلك الحوادث، لقد قرأها الكثير من المستشرقين وأشادوا بها حتى أثبتت حضورها في الأدب العربي المعاصر لو حصرنا الأعمال العربية التي تناولت ذلك لخرجنا ببعضٍ منها:
1-الشاعر اللبناني، الاخطل الصغير قصيدة بعنوان ( الفردوسي ) في ديوانه عام 1351ش ،1972م.
2-الشاعر عبد القادر المقدم، قصيدة بعنوان ( الشاعر الكبير الفردوسي) أو الشهيد الكبير عام 1358ش، 1978م. 
3- الشاعر العراقي الكبير جميل صدقي الزهاوي، الذي أنشد شعرا بمناسبة الذكرى الألفية للفردوسي تحت عنوان( بعد الف عام) 1351ش، 1972م.
إن التداخلات بين هذه العلائق إنتجت ثمار هنا وهناك حتى باتت من الصعب نسيانها لكونها تجلت على ألسن شعراء لهم الشأن والمساحة الكبيرة في المنطقة.
تلك شواهد إنسانية تناقض مبدأ العنف والتكفير هدفها إنساني تقاربي تفاهمي نابع من الحرص على إذابة الجليد ومد يد التعاون بتذليل الصعاب فضح مروجي الفرقة والتكفير لأن الرسالة التي يسير على ضوءها الباحث هي رسالة محبة وسلام وطمأنينة تبغي التقارب والتفاهم لنشر الوعي وتجارب الأخر لاطلاع أكبر عدد ممكن بنوايا الآخر من سلم ومحبة.

المبحث الثالث:
تنوير الأفكار بنبذ التكفير واتباع الوسطية

 يميز المطهري في أطروحته بين العرب والإسلام بشكل واضح، ويميز بين العرب الأمويين الذين أرادوا استعادة الروح الجاهلية العنصرية على حساب روح الإسلام، في مقابل أهل البيت النبوي الذين أكدوا أصول العدل والمساواة بين الشعوب في الإسلام فهو يرى القضل للإسلام باعتباره ديناً إلهيا وليس لقومية دون الأخرى ويقر بدور الفرس الحضاري قبل الإسلام، فهو يرى أن الإسلام انتشر بفضلهم.
ظهر كُتاب وشعراء ونقاد  إيرانيون مخضرمون هدفهم هو الظهور بأبهى صورة إلى الساحة الثقافية مستمدة العزم من التاريخ والحضارة التي ورثوها، لكن طرأت الحاجة الماسة لفهم المقابل للوصول إلى نقطة الخلاف والتوقف عليها من أجل مناقشتها وإيجاد حلول لها، لأن الكثير يأكل ويشرب ويظهر لك المحاباة لكن في باطن ذلك الآخر ندبة سوداء جعلتنا نتساءل كثيرا عن مدى الثقة بيننا على الرغم من العلاقات الثقافية والسياسية والصناعية والزراعية التي تسود بين الأطراف المعنية، سارعنا في البحث على مسببات ذلك فعقدت المؤتمرات والندوات ولكن ما زالت الاشكاليات والكلام المبني على الاتهام والتهميش والتقليل من الشأن والتسقيط حتى وصلنا إلى مرحلة التكفير والغاء الآخر بماضيه وثقافته التي ورثها من الأجداد، وتأثير ذلك على المنطقة وعلى الحضارات المتعاقبة مُقرا بتاثرهِ وتأثيره من تاريخ حضارات الجوار، لكن إلغاء الآخر بات مسئلة خطيرة في منطقتنا جذورها أحقاد تاريخية  ذا صبغة طائفية  تتجدد في كل حالة غير مستقرة في المنطقة، بالاستعانة بالغطاء العسكرى الدولي وبأموال دول الجوار وفتاوى لتكفير الآخر وسفك دمه بما يتطابق مع عقائدهم والانكى من ذلك تحليل أكل لحمه والتمثيل بجسده واستباحة الارض والعِرض لذا لجأت الحاجة الماسة لصرخة مدوية للاستنجاد بالحوار والوسطية واستقطاب الخصم والصديق لعرض الخلافات على طاولة في ظل جو نقاشي يرتقي لمنطق الحكمة العقلية.      
عقدت الكثير من المؤتمرات لرأب الصدع في العلاقات الإسلامية لنبذ الطائفية والسير باللحاق بركب التسوية وأرساء الندية في التعامل، بات ذلك دون جدوى يرجع سبب ذلك إلى سيطرة قوة المال والعطاء السياسي واستغفال الشعوب الفرق التي تدعم بعض الفصائل التي لديها الأيادي الضاربة والطولى في اتخاذ القرارات غير مدروسة بعناية أو البعض ممن يدعمهم في سُدة الحكم، ساهم ذلك في تشتيت الإسلام والمسلمين وقلل من فرص التوصل إلى حلول فهل هذه النهاية؟ طبعا لا، لو وضعنا حلولا لذووا الشان لعلها تخرج بنتيجة طموحة: تفعيل دور الأمانة العامة للدول الإسلامية، تفعيل الرأي العالمي بصورة مُلحة، تفعيل منظمات المجتمع المدني والإعلام الإسلامي المعتدل، تحمل دول عدم الانحياز دورها، والدور الاساسي هو دور علماء المسلمين المعتدلين في بلورة رؤى وحلول لحلحلة الاشكالات بين الإخوة المختلفين .

 الوسطية والاعتدال وحقيقة الثورة الإيرانية 
يُشاع زوراً حول ما تضمره هذه الثورة التي جاءت نتيجة مخاض عسير من عداء للعرب من منطلق قومي ومذهبي، فثم عدد كبير من وسائل الإعلام المرئية وغير المرئية والمقرؤة تتهجم على إيران واصفة إياها بالمهيمن على المنطقة.
 منذ البداية دعت هذه الثورة إلى وحدة العالم الإسلامي بكل ألوانه فجاء تشكيل مجموعة التقريب بين المذاهب الإسلامية كبادرة بنّاءة  تنمُ عن حسن نية، تدخل في صُلب موضوع اشكاليات المنطقة الحاصلة بين الطوائف الإسلامية يضم هذا المجلس كبار المذاهب الإسلامية الذين يجتمعون سنوياً في طهران للتباحث وتقريب وجهات النظر ورص الصف الإسلامي في مواجهة التحديات الابرز. حرصت إيران على نبذ الفرقة والاعتراف بأخّوة كافة الطوائف وضرورة تلاحمهم إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى، إيران تحتضن الملايين من مواطنيها من كافة الطوائف يعيشون جنبا إلى جنب إخوة متساوين في الحقوق والواجبات، تعاطفت مع الشعوب التي وقع عليها الحيف، إيران علاقتها مع العالم الإسلامي ومع الخليج بشكل خاص، أكدت أنها ليست الخطر الذي يخشاه سكان الجانب الآخر من الشاطيء بل هي الجار والأخ والصديق المسلم المسالم لكل دول المنطقة، حريصة على الدفاع على سلامة أراضيها ومياهها.
     كان المشروع الإيراني سباقاً للحوار وتفاهم الثقافات وطرَح الوسطية كعامل مساعد في تقليل المشاكل المفتعلة من هنا وهناك، فضلا عن التأكيد على تعايش الأديان ودعواتها المتكررة للحوار أساس لحل وفصل النزاعات واستئصالها من جذورها.
      التكفير حالة قائمة بين أتباع المذاهب في العديد من الديانات ومن أتباع الدين الإسلامي فلا تكاد تخلو فترة من الزمان لا نجد فيها حالات تكفيرية للآخر الذي يتم الاختلاف معه خصوصاً مع اعتماد أكثر أو كل المذاهب الإسلامية لفكرة (الفرقة الناجية) والفرق بين زمن وآخر هو مدى جدية استعمال هذه الحالة ففي اوقات نجد أن النفوس مضمرة على هذا أثرها شبه معدوم في الواقع المعيشي، مرات أخرى نجد بأنها مهيمنة على الواقع التعايشي بين الفرقاء المختلفين وأصل الموضوع لا يختص لوقوعه على طائفة معينة دون غيرها بل هو ما حصل بين أتباع المذاهب الأخرى أيضا .
يجد التكفيري نفسه هو الشخص المؤثر في الساحة، أي الساحة التي تحده من المسلمين بما يلقاه من دعم مادي ودولي لتهميش الآخر ومن ثم تسقيطه وهذه حالة تكاد تكون جديدة في مجتمع منطقتنا، أما الشخص المقابل جّدَ في عمله واستثمر القرآن خير استثمار وحببه بين أهله ومجتمعه وقطف ثمار ذلك من قوى اقتصادية وتلاحم اجتماعي وتسلسل دولي ومكانة إسلامية باعتراف اغلب الأطراف الإسلامية لكننا ما زلنا نرى التهميش للمقابل الذي جهد وما زال يجهد نفسه طبقا لما يتوجب عليه عمله كدولة إسلامية من ناحية وكدولة قطعت شوطا كبيرا في الصناعات التكنولوجية والزراعة وما زالت تساهم في عقد الندوات والمؤتمرات بما يتطلبه الموقف في المنطقة ودولة لها شأن كبير في المنطقة، تعلن للملأ وجهة نظرها تجاه أمن بلادها وأمن المنطقة وتفند الآراء المغرضة تجاهها.
اتخاذ مبدأ الوسطية من كل شيء، لا إفراط ولا تفريط في الكلام، النظر بموضوعية في الأفعال والسلوك، إنهم يضعون أنفسهم في الوسط أي كالميزان في التعامل في السلوك مع الآخرين، لإنجاز موقف منظم في الوسطية، لأن التوسط من كل شيء هو شيء حسن.

نوايا حسنة لدرء تحديات المستقبل
” تدعو إيران إلى المؤاخاة بين المؤمنين وكذلك تدعو الشعوب الإسلامية إلى الوحدة ونبذ العنصرية التي تعدها إيران مخالفة لتعاليم الإسلام كما تدعو إلى مد يد العون والأخوة إلى إخوانهم في الإيمان في أي بلد كانوا ومن أي عرق كانوا فإن الإسلام يعد الجميع إخوة ولو أن هذه الوحدة تحققت يوماً، وبما يهم الحكومات وشعوبها وبتأييد من الله عز وجل فسيظهر للعيان كيف أن المسلمين  يشكلون أكبر قوة في العالم وتكوين إتحاد حقيقي فيما بينهم " .
فعلى العالم الإسلامي أن يستجمع قواه ويفكر بصورة جدية في مصيره ليؤسس خططه وجهوده وثقافته على مواقف القوة في ذلك الاتحاد الممثلة في عظمة الامة الإسلامية حسب قول السيد(علي الخامنئي) (ألتي يجب أن تكون اليوم في العالم كالمشعل الوضّاء الذي ينير طريق البشرية بفضل الإسلام) .”
الزمن لا ينتظر أحدا؛ نشهد كل يوم العالم يتسارع في نشاطاته وتكتلاته على مستوى الاديان والاقاليم لتكوين إتحاداته يسودها الأمن والأمان ووحدة الكلمة لدفع الأخطار المستقبلية الناجمة عن تعاظم تلك القوى، أسفا لما نمر به في هذه المنطقة من العالم الإسلامي التي تكاد أن تكون يد واحدة ، ومقومات نجاح ذلك في عالمنا الإسلامي ليس بالأمر الصعب لما يجمعنا من كتاب وتقاليد متقاربة، لذلك كثيرا ما أصرت الجمهورية الإسلامية على الوسطية والاعتدال في التعاملات الدبلوماسية والثقافية حتى بان ذلك في تعاملات الجمهورية الإسلامية في إنتاج النووى للأغراض السلمية، نعم بالامكان طي صفحة الماضي إن شمل بعض الاشكالات، لأن العقل البشري برحابته قادر على نبذ الخلافات في إطار مواصلة الاعتدال للحفاظ على أمن أمتنا.
الخاتمة
سَلطنا الضوء على المراحل التاريخية للحضارتين الفارسية والعربية بنحوٍ مختصر، وما واجهها من تجارب حُسن الجوار والحفاظ على المصالح، في إطار ثقافي زاخرٍ بالعديد من النتاجات الاجتماعية والاقتصادية، جاءتنا برموز أدبية مَلئت مكتبات الحضارتين فضلا عن تخطيط ودراسة جداول لعقد مؤتمرات لتذليل الصعوبات التي حالت دون استمرارية العلاقة البناءة بين الحضارتين، عَكَفت الشخصيات والوجهاء لمليء الفراغ بين هاتين الحضارتين لكن المال والفساد وسوء النية وتسقيط الاخر، ونُكران الجميل الذي هو بمثابة دين في الأعناق، وُضع عمدا حجرٍ في الدواليب لعرقلة استمرارية تحكيم الثقة المتبادلة، خلصنا إلى المزيد من العمل الجاد، لكبح جماح داعمي التكفير، والعمل كأمة إسلامية واحدة ذات رسالة إنسانية يُشاد بها، ولا يتأتى ذلك إلا ببذل جهود وتفعيل التواصل المستمر عن طريق تفعيل مؤسسات العمل المدني، وتفعيل مناقشة ذلك عن طريق المؤتمرات الإسلامية والعمل على ذلك بجدية، باحترام العقائد والقوميات الأخرى تحت لواء الإسلام .

المصادر:
التداخل الثقافي العربي الفارسي من القرن1-10 هجري ، دوحة ، قطر ، رشيد يلوح، ص57-60،105،106 ، ط1 ، 2014
ايران والعراق في العصر السلجوقي د عبد النعيم محمد حسنين، دار الراية البيضاء،بغداد ص 5،6 ،9  ، 1982 سبب رواج اللغة العربية بين الايرانين
اسطوره متن بينافرهنگى، بهمن نامور مطلق(گروهى از مؤلفان) ، نص مترجم، ص14-15
السياسة الخارجية الايرانية تجاه التغييرات ص 87-89، مركز العراق للدراسات ،عدد 69 ، مركز العراق للدراسات ،ط1، 2014م
تاثير الحكم الفارسية في الادب العربي في العصر العباسي الاول د. عيسى العاكوب ط1، ص17-18 ، 28،30 ، 1950 م
دستور تطبيقي (نص مترجم) دكتر عباس على وفائى ، انتشارات سخن ،
 تهران ط1، ص 49-50 ، 1391
7- دور الجمهورية الإسلامية الايرانية في استنهاض المسلمين في العالم (العراق انموذجا) د. حازم محمد علي ، محمد صاحب شايع، مركز العراق للدراسات، عدد 7 ، ص 55 ، ط1 ، 2015م
بقية المصادر من مجلات دورية ومواقع الكترونية:
8- diae.net 1225
مجموعة خلاصة مقالات همايش بين المللى ادبيات تطبيقى فارسى وعربى / دكتر ، احسان قبول ، ناشر، رايزنى فرهنگى ج اسلامى در لبنان ،(نص مترجم)،ص50 ، ص10، عام 2010م  
مجله فصلية  ايران والعرب ، عدد 19-20 ، ص164-165،159،160،2007م
مجلة الدراسات الادبية الجامعة اللبنانية،عدد 82-84 ، ش ، ص 9-11  ، 2013 م ، 1392 هج ش
مجلة المأمون ص42،44 ، بغداد السنة العاشرة  ، عدد4 
 
منبع: دبیرخانه مجمع اندیشمندان ایران و جهان عرب
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت |
Guest (PortalGuest)


Powered By : Sigma ITID