الحوار البناء ودوره في توسيع آفاق الحضارة بين إيران والعالم العربي - محمود واعظی شكّل الحوار ركنًا أساسيًّا من أركان الطبيعة البشرية، واحتل مكانة وأهمية خاصة ارتبط ارتباطا وثيقا بعظمة الانسان، الذي خلقه الله تعالى وكرّمه عن بقية الكائنات الحيّة بالعقل والتفكير. الملخص: 
شكّل الحوار ركنًا أساسيًّا من أركان الطبيعة البشرية، واحتل مكانة وأهمية خاصة ارتبط ارتباطا وثيقا بعظمة الانسان، الذي خلقه الله تعالى وكرّمه عن بقية الكائنات الحيّة بالعقل والتفكير. لقد تطرق المفكرون والعلماء على مر التاريخ إلى مناقشة هذه القضية الهامة، من وجهات نظر مختلفة، إلا أن جميع هذه الدراسات اشتركت في نقطة واحدة وهي ضرورة الحوار بين افراد المجتمعات الانسانية والمؤسسات الطبقات الاجتماعية باختلاف طبيعتها وفي كل المجالات والقضايا ذات الاهتمام المشترك. إن القرآن الكريم ليس فقط تناول مكانة واهمية الحوار باشكاله واساليبه وموضوعاته المختلفة بل اكد على شكل ومضمون الحوار الهادف والبناء كأداة اساسية لتحقيق اهداف وغايات المجتمع الإسلامي، على مختلف المستويات، الفردية منها والجماعية. ونظرا الى ان كبار المفكرين يرون أن مستقبل البشرية قائم على اثنين من العناصر الاساسية التي حددها الإسلام يعني "القيم الروحية" و"المباديء الثقافية"، لهذا من الضروري أن تعبد إيران والعالم العربي مسار المجتمع المتحضر والمثقف، باتباع الاسلوب القرآني في الحوار الهادف والبناء، وذلك بالاتكال على قدرات وامكانيات مجتمعاتها الانسانية.
الكلمات الدليلية: إيران، الحضارة، العرب، الحوار، المجتمع الإسلامی، القیم الروحیة، المبادیء الثقافیة.  

المقدمة:
نحن نعيش في زمن يذكرنا اكثر ما يذكرنا بالحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله نقلا عن مصادر وكتب شيعية وسنية حيث قال (ص): " الإسلام بدأ غریبا وَسَيَعودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"(صحيح البخاري، كتاب الايمان ص 232). على الرغم من التشدق باسم الإسلام والمسلمن والشعائر الإسلامية، فإن الإسلام والمسلمين يعانون في ظل التحديات الراهنة من غربتهم اكثر من اي وقت مضى، حيث اصبحوا عرضة لمؤامرات الاعداء داخليا واجنبيا من اجل تقويضهم والقضاء عليهم. دون أدنى شك، اننا نشاهد اليوم واحدة من اكثر الاحداث مرارة عبر التأريخ، وهي اقتتال المسلمين فيما بينهم، حيث نرى اكثر الايام دموية نتیجة للصراعات بين المجتمعات الإسلامية وذلك بتخطيط صهيوني خبيث خُطط له قبل عشرة سنوات على الاقل كما اعلنت عنه احدى صحف الدول العربية. حيث حملت افتتاحية جريدة الوطن القطرية العنوان التالي: "مشروع تدمير الإسلام بالإسلام." إن أعداء الإسلام لا يألون جهدا في محاربة هذا الدين والقضاء عليه بكل وسيلة واباده اهل وفي هذا الاطار كتبت هذه الجريدة ان هذا المشروع قد خُطط له قبل اكثر من 10 سنوات وصوب سهامه الحاقدة لتدمير البنى التحتية للدول الإسلامية والمسلمين الاوفياء لدينهم، حيث يقوم السذج من المسلمين بقتل اشقائهم ظلما وعدوانا. مما لاشك فيه، ان تحليل مثل هذا الوضع في العالم الإسلامي يقودنا إلى عاملين أساسيين: اولا جهل وبساطة المسلمين في عالم معقد تحكمه علاقات رسمية وغير رسمية. وثانيا، وجود تخطيط صهيوني شامل ومفصل ودقيق وبعبارة اخرى اثارة إجواء معاداة الإسلام وسياسة الترهيب من الإسلام. ان الذي يدعونا للتامل اكثر من اي شيء اخر، هو كيفية الخروج من هذا الوضع الحالي وسبيل تحقيق حضارة إسلامية وانسانية كبيرة وشاملة بالاعتماد على القدرات الفكرية والخبرة فضلا عن الامكانيات الهائله للعالم الإسلامي؟
على الرغم من أن الاجابة على هذه الاسئلة قد تثار باشكال متعددة، لكن مما لاشك فيه ان واحدة من القضايا والردود الرئيسية لهذه الاسئلة هي حذف ومقاطعة الحوار تساهم عن قصد او غير قصد بتعطيل كل المبادرات الضرورة الانقاذية لحياة انسانية شريفة وإسلامية للاخراج الشعوب والحكومات من النفق المظلم الذي دخلت اليه في القرن الاخير. ان السموم الاعلامية وتضخيم مشاكل الجانب الاخر من قبل اعداء الإسلام، وتشديد وخلق حالة انعدام الثقة بين الشعوب وتجاهل جميع الارضيات المشتركة والتناغم والتقارب بسبب التجيز والتعصب والانانية، تعتبر من جملة القضايا التي تقضي على ارضية الحوار البناء، والتي تؤدي بالتالي الى تشديد العداء وخلق هوة بين وجهات النظر لاطراف الحوار. ان هذا المقال يهدف في الحقيقة الى تحليل وجهات النظر القيمة والبناءة واثارة الاراء المستقبلة للباحثين في مجال الحوار ولاستماع لرأي الآخرين وحسن الإنصات لهم واحترام رأيهم، فالحوار هو لغة التفاهم بين الشعوب والامم. كما يتناول هذا المقال مكانة ودور الحوار النموذجي البناء والهادف والمستمر كمكونة اساسية وحل ضروري لتحقيق إيران والعالم العربي حضارة ذهبية قيمة قائمة على القرآن الكريم.

الحوار فی اللغة و الاصطلاح
من حاور يحاور محاورة وقد ورد أن الحوار يعني تراجع الكلام    والمحاورة:  مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة. وقد وقد حاوره. والمَحُورَةُ: من المُحاوَرةِ والحوار والتحاور كما جاء في معاجم اللغة. وتعني مفهوم كلام أو تصريح وهو مختصر لكلمة قول وتمتد جذورها الى اللغة الفارسية القديمة حيث تمت اضافة صيغة المصدر الى الماضي لتشكيل المصدر الرئيسي لهذا الاصطلاح اللغوي. اما صاحب تفسير "أبو الفتوح" استعمل اصطلاح "الحوار" .. وهو اصطلاح مركب لمصدر الكلمة ويعني البحث والنقاش والمجادلة والكلام والاستماع. ويمكن ان تعادل هذه الكلمة لمصطلح "Conversation" في اللغة الانكليزية (الياده- ج 1، ص 80). وكلمة "ح و ر" مصدر "حاور" حيث ان الحوار هو، نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين ، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب او هو أن يتناول الحديث طرفان أو أكثر عن طريق السؤال والجواب، بشرط وحدة الموضوع أو الهدف، فيتبادلان النقاش حول أمر معين، وقد يصلان إلى نتيجة وقد لا يقنع أحدهما الآخر ولكن السامع يأخذ العبرة ويكوّن لنفسه موقفاً. ان هذه الكلمة لها ثلاثة جذور (لون وتناوب والرجوع) (ابن فارس ص 1404) حيث يبدو ان كلمة حوار ترجع الى حور، وتطلق كلمة الحوار اصطلاحاً: مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين مختلفي متكلم ومستمع. ولهذا السبب يقال ان الكلام يعني التصريح من غير الحصول على جواب (زبيدي، 1414). ويبدو ان كلمة الحوار تعني في الظاهر الاحتجاج والجدال والمناظرة والنقاش. وفي اللغة الانكليزية فان ان اصطلاح "dialogue" يقصد به التحاور ويمكن ان تستعمل للاشارة إلى كلمة الحوار ايضا وهو ما تناولته اكثر المعجم الايرانية. كما ان اصطلاح "chat" يقصد به نفس المفهوم ولكنه يشترط ان يكون هذا الحوار نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين ، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر. كما يمكن اطلاق مصطلح discuss يعادل كلمة الحوار وبالتاكيد ان هذا المصطلح يعني ان يكون النقاش والمجاوبة والمجادلة بشكل اكثر عمقا. وفي بعض الاحيان تستخدم كلمة communication للحوار ايضا وهو يعني حديث بين طرفين أو أكثر حول قضية معينة، وتبادل وجهات النطر الهدف منها الوصول إلى الحقيقة، بعيداً عن الخصومة والتعصب بل بطريقة علمية إقناعية، ولا يُشترط فيها الحصول على نتائج فورية. جدير بالذكر يبدو ان مصطلح "الحوار" وبغض النظر عن كل المعاني الجميلة الذي يحملها، لايمكن ان يوفر حقيقة هذه معنى الكلمة، والمناقشة ويوفر تأمين العناصر الاساسية لتبادل الاراء، لان تبادل الآراء ووجهات النظر لاتقتصر على مجرد الحوار، بل هو تبادل النقاش حول امر معين قد يصل التحاورون الى نتيجة معينة من خلال بيان وجهات النظر من جهة والاستماع من جهة ثانية، حيث ان اهمية الاستماع لاتقل عن الكلام في التوصل الى الهدف المنشود، لان الكلام والاستماع تمثل كل واحدة الركيزة الاساسية للمنطق وتبادل االافكار.

نبذة تاريخية لكملة الحوار
 ان مفهوم كلمة الحوار في معناها الواسع مرتبط ارتباطا وثيقا بخلقة الانسان. اما في تاريخ المناقشات العقلية في الغرب فقد اطلق اصطلاح "الحوارات" على اثر مكتوب في اطار مناقشة وحوار حول موضوع خاص. في حين ان تاريخ الاديان، الحوار يرتبط ارتباطا وثيقا بالقضايا العقائدية والمراسم الدينية والاخلاقية الرسمية فقط. واستخدم هذه الاصطلاح منذ بداية مواجهة التيارات العقائدية المتضادة ورغم ذلك، فقد اشتهر استخدام اصطلاح "حوار الاديان" في موضوع النقاش بين المذاهب المختلفة في النصف الثاني من القرن العشرين.
ان الحوارات التي جاءت في الكتب الدينية والمواضيع الفلسفية، لها تاريخ طويل. مما لاشك فيه ان أهم نماذج الحوارات الفلسفية الغربية لـ "فلاطون" وخاصة الطرق التدريسية لـ "سقراط" جاءت على شكل سؤال وجواب. 
ان الكثير من الاثار الدينية والمناقشات والمحادثات التي كانت بين الاساتذة والطلاب كانت كوسيلة لتعميق البصيرة والروحية، الا انه في جميع الحالات تقريبا كان الطلاب يستسلمون في مناظراتهم للاساتذة، الاساتذة التي اكتسبوا مهاراتهم في المناظرة والنقاش من اساتذتهم الذين تتلمذوا على ايديهم من قبل. ان هذا النوع من الحوارات واضحة بصورة جلية في تقاليد هندية معينة مثل الهندوسية والبوذيه وامثالهما، لذلك فان الطالب او المريد، في اغلب الاحيان وبعد طرحه سؤاله او استفساره باحترام، يتلقى التوصيات اللازمة من استاذه. في الواقع ان العديد من الاطروحات الهندوسية (Upanishads)كانت تعرض على شكل "حوار". وكذلك الامر بالنسبة الى كتاب البهاغافاد غيتا "Bhagavad Gita" الذي يعتبر الكتاب الهندوسي المقدس، وجزءا من كتاب اصول شرائع البوذية والتي يطلق عليها "شريعة بالي." كما ان الاثار اليهودية والمسيحية القديمة اوضحت الكثير من اوامرها ومبادئها على شكل "حوار". ان كتاب التوراة أو العهد القديم كان يُفسر من قبل الحاخامات شفويا وفقط لجمع من تلاميذهم، في حين ان تعليمات السيد المسيح "عليه السلام" كانت في الكثير من الاحيان على شكل محادثات او جلسات النصح والارشاد والتوجيه. من الصعب في هذه الحالات السابقة، العثور على نموذج للحوار جرى بين شخصين، لان الطالب او المُريد او المسلك، يبحث عن قيمه الروحية والارشادية من معلمه فقط في حين ان الطالب في الحوار السقراطي يلعب دورا اكثر فاعلية ونشاطا؛ اما حضور الاستاذ يتسبب في هداية الطالب وتوجيهه بشكل مطلوب ومؤثر. بالطبع ان الحوارات الخالية او الصورية المرتبطة بالمواضيع الدينية كان شائعا في القرون الوسطى وكانت تجري مع خصم وهمي حيث يتم انتقال مفاهيم خاطئه وانحرافات فكرية. تسارعت في القرنين الثامن والتاسع عشر وتيره الارتباط بين الاداب والسنن والقيم الدينية بسرعة، وتزامت معها الحوارات الواقعية ( مقابل الحوارات الوهمية) بين اتباع كل مذهب. ان الكثير من اتباع هذه المداهب الدينية كانوا يعتقدون ضرورة الحفاط على المحور المنطقي كعنوان مهم لمحور الحوارات. ويبدو ان هؤلاء لم يكونوا ملتزمين بهذا النوع من الحوار. خلال هذه الفترة كانت الدول العربية من ناحية تمتع بحاكمية من الناحية السياسية والاقتصادية خلال هذه الفترة، ومن ناحية اخرى فان الحركات التبشرية المسيحية تمكنت من تحقيق إنجازات هائلة في نفس تلك الفترة ، ولهذا كانت اغلب الحوارات مسيحية ونادرا ما كانت هذه الحوارات متكافئة وفي نفس المستوى. ان اثارة الصراعات بين بين المذاهب المختلفة كاصراع بين الهندوس والمسلمين في الهند، قد ساعد على ايجاد بعض الشكوك والظنون بين الطرفين بالتالي ادت الى ايجاد حائل على اجراء حوارات بناءة بين الجانبين.
في الوقت نفسه، فان الغرب يعمل على زيادة معرفته حول القضايا المتعلقة بسائر التقاليد الدينية، في حين ان الليبرالية تحاول اصلاح مفراداتها حول مذهبها الغربي عن عن طريق تعريفها

اصطلاحات جديدة. 
قبل الحرب العالمية الاولى كانت المفاهيم السائدة عبارة عن "حسن التفاهم (Fulfillment) ومفهوم حسن العمل (Sympathy) وعلى الرغم من هذه الادعاءات، فان الحوارات والمناظرات العديدة التي جرت خلال تلك الفترة لايمكن اطلاق كلمة "حوار" عليها ابدا. ان المناظرات والجدال والنقاشات التي جرت آواخر القرن التاسع عشر، كانت بمثابة محاولة جادة لجمع قادة العالم تحت مظلة السلام والصلح من خلال طرح النقاط المشتركة لهؤلاء القادة. وفي هذا الاطار عقد البرلمان العالمي للأديان جلسته الاولى في شيكاغو عام 1893. وكانت الحركة الاولى في هذا المجال من قبل مشجعي العالم والفيلسوف السويدي "سودنبورغ" (Swedenberg) للفترة من عام 1688-1772. ورغم ذلك فان الجميع اجتمعوا تحت راية لاهوت مشترك. 
هذا وتمكن البرلمان المذكور على الاقل ان يجلب ابرز الممثلين عن كل مجموعة دينية، وعلى الرغم من ان المذهب الارثوذكسي قد القلق الكثير من العقائد الاخرى (لاسيما بالنسبة للمسيحة الانجيلية) الا انه تمكن في نفس الوقت اقامة علاقات مهمة مع العقائد الدينية الاخرى. كما كانت بدابة لمرحلة جديدة، لبداية مهمة جديدة لاعلام حديث للهندوس في الغرب من قبل شخص يدعى سوآمي (Radhasoami) وناندا (Uka Nanda) والتي ادت الى ان يعمل «راما كريشنا‌”(Ramakrishna) بتعليم عقائده القاضية بمساواة جميع الاديان والمذاهب بصفتها طريقا الى الوصول الى الحقيقة. ولاقى هذا الرأي نظريا بدعم قوي من قبل منظمات امثال الجمعية الصوفية Theosophical Society) ( التي تاسست في عام 1875. وبعدها تم تشكيل "لجنة متابعة" في شيكاغو الا انه لم يتم تشكيل اي برلمان شامل وكامل. ومع ذلك، باشر برلمان شيكاغو فعالياته في المجلس الدولي للموحدين وغيرها من العلماء اليبراليين واستمر هذا البرلمان نشاطاته من عام 1901 الى 1913. وكان الهدف من تاسسيس هذا المجلس بيان معتقدات مختلف الاديان للتاكيد على عولمة جميع الاديان من اجل تعزيز الاخلاق في العالم. هذا وتسبب الحرب العالمية الاولى الى ايجاد وقفة في هذه المساعي، الا انه بعد انتهاء الحرب تم تقديم مفهوم جديد كدرع امام الصراع العالمي في المستقبل، حيث ظهرت حركات مختلفة عملت في مجال تبادل الافكار وتمخضت في النهاية الى إنشاء جمعية الصداقة العالمية للاديان (World Fellowship of Faiths)  وذلك في عام (1929). وبعد ثمان سنوات اسس رودولف اوتو (Rudolf Otto) الاتحاد بين المذاهب وكان يدعي بـ (Inter Religious League) بمتابعة نفس الاهداف السابقة (الحد من التوترات الدولية من خلال توحيد المؤمنين بالاديان) وحظيت هذه الاهدف الاخلاقية بتأييد ودعم الليبرالية المسيحية. واعلن عنها بصراحة في مؤتمر دولي لمجلس التبشيرية عقد في بيت المقدس (اورشليم) عام 1928. واعلن في عام 1932عن تنصيب اي.هوكينغ (W.E.Hocking) لاداء مهمة اعادة تقييم الفكر التبشيري (Re-thinking Missions). ومع ذلك وبشكل عام ابدا المسيحيون عن عدم اقناعهم بالتعاون والتنسيق بين جميع الاديان. فيما تعامل الهندوس باسلوب اسهل مع هذه القضية وذلك من خلال تعريفهم لشخص يدعى ساروبالي راداكريشنان (Saruepall I Radhakrishnan) كمتحدث عالمي واضح وقوي. واشار راداكريشنان الى ان دراسة الاديان يؤدي الى الحد من صراع الطوائف لانه يؤدي الى خلق قناعة بان نيه الاديان واحدة والمساعي واحدة والايمان واحد. وعملت المؤتمرات العالمية وجمعيات الصداقة العالمية للعقائد في فترة مابين الحربين العالميين الاولى والثانية، على استمرار جلساتهم واجتماعاتهم تحت شعارات شمولية مختلفة. في هذا المجال يمكن ذكر حركة مجموعة اكسفورد والتي اطلقت على نفسها فيما بعد اسم "اعادة تجهيز الاخلاقية (Moral Re-Armament)، وهي بالاصل كانت مجموعة مسيحية عملت بشكل اساسي في مجال القضايا الاخلاقية والايمان بوجود الله تعالى، وكانت ذروة ازدهار هذه المجموعة في اواخر العقد الثلاثين من القرن الماضي (1930). وتمكنت هذه المجموعة خلال هذه الفترة من جذب عددا كبيرا من غير المسيحيين للدين المسيحي.
من ناحية اخرى، نجح امثال كومار اسوامي  (Coomaraswamy)،و شون (Schuon) و كنون ( (Guenonمن خلال الاعلان عن الحكمة الخالدة (Philosophia Perennis) جذب الكثير من المؤيدين من اتباع المذاهب الاخرى سواء كانوا شرقيين ام غربيين الى جانبهم. وبطبيعة الحال، كانت نشاطاتهم وسيلة ليتمكنوا من خلالها تعدي الحدود المذهبية اكثر من ايجاد مكانة للطوائف الدينية. 
اما في مجال الفكر، على الرغم من دراسة الدين على اساس تعدد الثقافات، فلا شك ان ذلك ادى الى تعزيز الاحترام المتبادل والحوار بين الفرق، فيما ابدى عدد قليل من النخب الثقافية عن التصريح برايهم حول هذا الموضوع، باستثاء فريدريش هيلر     (Friedrich Heiler) الذي كان من اهالي ماربورغ. كانت جميع الاديان تدعوا للتسامح والشراكة الحقيقية من اجل تحقيق صالح البشرية، من اجل فتح عهد جديد امام البشرية. في الواقع ان المساعدة لتمهيد طريق لهذا العصر الجديد هي واحدة من اكبر الآمال لدراسة الاديان علميا. وبطبيعة الحال، فان مفكرين اخرين كانوا يعتقدون ان الهدف المنشود اقل علمية من هذا. 
ان البرلمان والمؤتمرات والمنتديات لازالت تعمل على جمع الشخصيات القيادية الدينية في اجواء من السلام والمثالية ووفقا لمباديء الاتحاد الدولي. ومع ذلك فان هناك شعور متزايد بوجود تهديد من قبل الانظمة الاوروبية التي تتطلع للسيادة والسيطرة وكذلك من قبل الانطمة التي تحرض على المادية، ولهذا السبب تم الاتصال بعدد من الزعماء الدينيين في العالم لتوحيد تطلعات الشعوب والاتحاد بوجه هذه الضغوط. وبالطبع ولان هؤلاء الزعماء الدينيين لم يتمكنوا من ضمان هذا الهدف، تم تغيير التكوين الديني للعالم. ان الظروف والاوضاع الاقليمية خلال فترة مابين الحربين العالميين الاولى والثانية، عملت على تذكية مخاوف المنطقة . لقد دخل مفهوم الحوار في مخاوف تداعيات الحرب العالمية الاولى وارتبط ارتباطا وثيقا بالفلسفة الوجودية. 
ان اول واكثر المؤلفات قراءة في هذا السياق هو كتاب لـ مارتين بوير (Martin Buber) بعنوان انا وانت (I and Thou) وكانت حوارية ووجودية ووفق مفهوم بوير عن علاقة الأنا - انت تلتقى الكائنات الانسانية وفقا لمفهوم الانسانية. ان بوير كان يهودي ولذلك كان له معرفة جيدة بالاظطهاد العنصري وكانت له معرفة جيدة بالاديان والامور الاقتصادية ايضا، ولكن مثل هذا الاشكال عن الظلم كان من الممكن ان في اي وقت وفي اي مكان ان يكون له اثار سلبية من قبل المجموعات الحاكمة ، وكان الحل الوحيد للتعرف على الانسانية المشتركة والخطاب الشحصي هو الحوار بصرف النظر عن ارائهم وعقائدهم. على الرغم من ان وجهات نظر "بوير" وسائر المؤيدين للوجودية لاحقت قبولا جيدا من قبل البعض، الا ان اطلق اصطلاح الحوار على العلاقة بين الطوائف الدينية كان شائعا بعد الحرب العالمية الثانية. 
كانت الامبريالية السياسية الغربية تتجهة بسرعة نحو الانهيار، وكانت المستعمرات السابقة تكتسب استقلالها يوميا تقريبا، وفي هذا الوقت، كانت الشكوك تثار يوميا وبصورة دائمة عن قيم الفترة الاستعمارية، وحتى ان القيم الدينية لم تكن مستثناة من هذه القاعدة ايضا، ولكن في ظل هذه الظروف كانت المسيحية عنصرا هاما في حياة الامم الجديدة ، ولكنها كانت تريد ان تلعب دورا جديدا ومستقلا عن دور القوى الحاكمة السابقة. ان الامم الحديثة الاستقلال كانت تعتنق المسيحية بنسبة قليلة. في هذا السياق تحولت الهند بعد الاستقلا وبصورة رسمية الى العلمانية (Secular) في حين ان الغالبية العظمى للشعب الهندي هم من الهندوس. اما باكستان تحولت بعد الاستقلال الى دولة إسلامية، لان الحوار بين الهندوس والمسلمين في شبه القارة فشلت بشكل واضح. وفي باقي اجزاء العالم، كانت الايديولوجية الرسمية مسلمة او بوذية او يهودية (في في اسرائيل) او علمانية، اما المسيحية فقد فرضت بالقوة على الشعوب المتبقية الاخرى في هذه القارة. في الدول الغربية نفسها فقد كان الاراء المسيحية تستقطب تدريجيا بين المحافظين والليبرالين، في حين ان الليبراليين كانوا يشعرون بالذنب والمعاناة، وذلك بعد فترة الاستعمار من جهة، ومن جهة اخرى عدم يقينهم بالقيم الدينية. في ظل هذه الاجواء، اصبح "الحوار" كمصطلح للتعبير عن طريقة تفكير عقلي لمجموعة معينة فقط. في الوقت نفسه يجب ان نتذكر ان هذا الاصطلاح اصبح مشهورا اكثر خلال تلك الفترة، يعني بين نصف العقد الستين ونصف العقد السسبعين، حصريا استخدم في الغرب اصطلاح الحوار، تقريبا من قبل الجناح الليبريالي المسيحي (الكاثوليكية والمسيحية) واستخدم اصطلاح الحوار ايضا من قبل المسيحيين الليبراليين ايضا في الدول النامية (العالم الثالث). ان المحافظين اعربوا عن عدم اعترافهم بهذا الاصطلاح لان عمومية هذا المفهوم يعكس تكافيء الطوائف الدينية، او على الاقل يمكن القول ان هذا الاصطلاح غير واضح عندما يراد تصديق ادعاءات المسيحية. اما في العالم غير الغربي، فقد كان يوجود من يعتقد بان على اجراء الحوار ليس اكثر من مشكلة كبيرة. وبعد هذه الخطوة بدأت مرحلة مهمة للمجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) بواسطة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بوجود وثائق كثيرة حول الحديث عن اجراء الحوارات والمناقشات والمناظرات. على سبيل المثال شجعت الكنيسة ابنائه، على الحوار والتعاون والتعامل مع اتباع سائر المذاهب الدينية الاخرى، من اجل تحديد وحفظ الاخلاق الحسنة والقيم الروحية الموجودة في هؤلاء الاشخاص، والعمل على رشد هذه المعنويات. وراى المجمع الفاتيكاني Nostra aetate ان الحواريين يمكنهم ان يتعلموا من خلال الحوار الصادق بان الله تعالى قد اودع لامم كنوزا قيمة في الارض. – من تصريح لمجمع الفاتيكاني الثاني تحت عنوان (To the Nations)، كجزء من اوامر الكنيسة المسيحية التبشرية-. في هذا المجال اوضح المجمع الفاتيكاني الثاني بان اتباع الكاثوليكية كان لهم تاثير على الحد من القيود السابقة على تعزيز اواصر الصداقة مع غير الكاثوليكيين والذي جاء في ادب الحوار بين المذاهب المسيحية (Dialogue littérature) ، ولكن يجب توخي الدقة ان جميع اجزاء هذه الادبيات لم تشهد انسجام طبيعة ووحدة اهداف المذاهب المسيحية. بالاضافة الى ذلك فان الجزء الاكبر من هذه الادبيات عانت من مشاكل، لانه في الحقيقة ان المناقشات والمناظرات بين الاديان لم تنبع من الاعتقادات الجذرية لهذه المذاهب، بل كانت على المستوى النظري فقط. 

اصطلاح "الحوار" في العصر الحديث واهدافه 
ان الحوارات الدينية القديمة كانت ذات صفة دفاعية او تعليمية، يعني ان الكاتب كان يحاول رد عقائد الطرف المقابل ويدافع عن صحة عقائده الدينية، أو ان الاساتذه كانوا يحاولون تعليم تلاميذهم او اتباعهم. ان خصائص جميع هذه الحوارات كانت عدم تكافيء جميع الاطراف. ووفقا لهذا التوجه كان المسيحيين في القرن الثامن والتاسع عشر ركزوا انشطتهم في مجال التبشير، الا ان الاحداث التي حدثت اوئل القرن الحاضر، لاسيما بعد الحرب العالمية الاولى ادى الى ان يعتمد المسيحيون واتباع الديانات الاخرى طريقة اخرى للبحث والمناقشة. وشعر المفكرين الدينيين ضرورة اعادة النظر في علاقاتهم مع سائر الديانات الاخرى للحد من التوترات الدولية، ولهذا قرروا الكف عن الصراعات والمجادلات الكلامية والسعي للتبليغ الدين من اجل كسب الاخرين، ولهذا عقدوا مجالس للسماح لاتباع الديانات المختلفة بالحديث بشكل متساوي، بهدف تقرب المؤمنين. من ناحية اخرى ان جميع الاديان السماوية كانت تشعر بمواجهة خطر مشترك وان هذه الهجمات كانت نابعة من جانب المدارس الالحادية وبالتالي اقتظت الضرروة ان توحد اتباع الاديان السماوية جهودهم من اجل التصدي لهذا العدو المشترك. 
ان رادها كريشنان (radha krishna) (الفليسوف الهندي) كان واحد من اوائل المفكرين الذين شددوا على ضرورة هذا العمل، والذي اشار الى ضرورة احتياج الاديان المختلفة الى تفاهم ومصالحة فيما بينهم. ان رادها كريشنان كان يعتقد بانه ينبغي على الاديان المختلفة التخلي عن الشعور بالافضلية، وان يعمدوا الى دراسة ومقارنة الاديان المختلفة وصولا الى الحقيقة التي تختفي في قلوب ومشاعر الجميع، وان يشددوا على كل حال، على بذل المساعي من اجل تعزيز التسامح والو حدة والتفاهم بين المتدينين، بالتالي تبديل المعنى السابق للحوار الى معناه الجديد واطلاق الحوار من اجل وصول اتباع دينين مختلفين الى وجهة نظر مشتركة وتفاهم مشترك وعدم محاولة اي طرف الاساءة الى عقائد الطرف الثاني او نشر معتقداته. في الحقيقة ان الهدف النهائي للحوار الديني هو الحفاظ على سلامة وطهارة الدين في المجتمع الديني والاعتصام بحبل الله والدفاع عن القيم والمباديء الروحية، ولايتحقق هذا من خلال مصادرة الاديان الاخرى بل يتحقق من خلال التفاهم والسعي المشترك والصداقة والسلام. وحسب قول المستشرق مونتجومري وات (Montgomery Watt) الهدف من الحوار هو وصول كل واحد من الطرفين الى فهم افضل للدين الاخر، وان التجربة اثبتت ان السعي هو السبيل الافضل لوصول الطرفين الى فهم اعمق لمعتقدات الجانب الاخر بالاضافة الى فهم افضل لمعتقداته ايضا. ان هذا المفهوم اكد عليه رادها كريشنان ايضا في مجال اهمية دراسة الاديان "دراسة الاديان الاخري تؤدي الى التقارب بين جميع المؤمنين وتساعد على فهم وادراك عقائد الاخرين. كما يمكن عن هذا الطريق تخطي سوء الفهم.. كما يؤدي الى فهم افضل لعقائد الاخرين، في الواقع اننا نقوم بتقوية معتقداتنا الدينية بهذا العمل". (پورجوادي، -،12/174). 

الحوار في الثقافة المعاصرة 
قد يبدو "الحوار" الديني بمعناه الذي استعمل في العقود الاخيرة، عملا بسيطا، ولكنه في الواقع عملا صعبا للغاية. ان التطرف الشديد وقصر النظر بين اتباع الاديان ادى منذ القدم الى خلق قيود امام اجراء الحوار ومحادثات ودية بشان عقائدهم الدينية. بالاضافة الى ان هذا التطرف وقصر النظر يؤدي الى التلاسن وترك ذكريات مريرة في الادهان قد تؤدي الى نشوب الحروب الداخلية. لايمكن للمسلمين والمسيحيين ان ينسوا بسهولة ذكريات الحروب الصليبية. ان هذه الحروب في الوقت الراهن موجوده فعلا بين اتباع بعض الاديان. لا يزال هناك لحد الان صراعات بين المسلمين والهندوس والبوذيين في الهند. وبدلا من ان يقف البعض مع البعض امام عدوهم المشترك، يوظفون قواهم للمجادلة والصراع. ولكن ورغم ذلك، اذا كان اتباع الديانات المختلفة يريدون الحفاظ على وجودهم في عالم اليوم، يجب عليهم عاجلا ام آجلا ان يجلسوا في اجواء هادئه سلمية وودية و"التحاور" بسلامة وصداقة. ان اعتقاد الطرف المقابل بهذا المفهوم يعزز من الاستفادة من تجاربه المعنوية السابقة للوصول الى اهداف مشتركة والتقرب الى الله تعالى والذي تعتبر من اهم اهداف الحوار. ينبغي على الطرفين احترام حقوق الطرف الثاني على قدم المساواة، كما يجب السعي على نقل افكاره وخبراته الى الجانب الاخر، والسعي لاستفادة الاخرين من افكاره ايضا. من الواضح ان احتكار القيم في جميع المعتقدات الاساسية والدينية هي في الحقيقة تؤدي الى اعتبار الاخرين من اتباع الديانات الاخرى هم من الضالين واهل النار بالتالي لايمكن التحاورمع الاخرين في ظل هذا التوجه والفهم المضلل.

ثورة جون هلاوود هيك
يعتبر البروفيسور جون هروود هيك John Harwood Hick من المسيحيين المنصفين والليبراليين وهو استاذ وثيولوجي وفيلسوف في الدين وقدم مساهمات في ايستمولوجيا الدين والتعددية الدينية، ويعتقد بان كل دين قائم على تعاليمة ومعتقداته الاصيلة والتي تم صياغتها من قبل المتكلمين على مر التاريخ بما تقتضيه احوال وظروف زمانه. في الواقع ان جوهر كل دين هو تلك التعاليم والمفاهيم التي جاء بها مؤسس ذلك الدين وعمل على نشر تعاليمه بين اتباعه. في البداية اكد جميع انبياء الدين اليهودي والمسيحي والدين الإسلامي، على عبودية الله الواحد والتشديد على الفطرة الانسانية النقية. وظهرت الى جانب هذه التعاليم والمفاهيم الدينية بالتدريج عقائد اخرى على مر التاريخ والذي ادت بالتالي الى تحديد الدين. ويعتقد " هيك" ضرورة ان تتخلى جيمع الاديان المختلفة عن الاختلافات والمطالب الجزئية وتعزيز ايمانهم بالله الواحد الاحد وعبادته وفق المباديء الاصيلة لدينه لخلق عالم حديث يخيم على اجوائه ارتباط واحد (Communicational unity) وايجاد عنصر فطري لا يتجزأ من اساس الدين والقرب من ال الاديان السماوية وخلق لاهوت عالمي (Global theology). ودعا الى التزام كل دين بمبادئه الخاصة به وان يبقى اتباع ذلك الدين اوفياء لقيم دينه، وصياغة مباديء دينه وفق التجارب الاصيلة لدينه وتنظيم كل هذه الامور في بودقة مشتركة واحدة. ويصف "هيك" ان نظرته بـ ثورة، ويعتقد انه كما قال العالم الفلكي "بطليموس" ان الارض كانت مركز الكون والافلاك تدور حوله، واعتبر "كبرنيك" في نظريته ان الشمس ساكنة وثابتة في مركز المنظومة الشمسية وتدور حولها، فيجب على كل دين ايضا ان يخرج من محوريته، وان يؤمن بالله تعالى وبالتوحيد وعبودية الانسان لله وان يحتل عبادة الله مركز معتقداته الدينية والكلامية التي اوجدت على مر التاريخ وان يرى الاديان الاخرى ككرات تدور مركز اللاهوت.
ان وجهات نظر هيك، هي حصيلة حواره وتبادل وجهات نظره مع المسلمين، اولا ان لقد بدأ من داخل المسيحية وبجرأة رفض تقاليد الكثير من الكنائس في حين اعترف بتصريحات المجمع الفاتيكاني الثاني بوجوب الاحترام المتقابل للمسلمين كعقيدة معترف بها – هيك ص 121-.

ثقافة الحوار البناء وفق المنظور القرآني 
يرى القرآن الكريم الحوار من الصفات الذاتية والفطرية للانسان، وجاء فيه "و كان الانسان اكثر شي جدلا"(كهف / 54). اي ان الانسان يواجه في حياته اليومية بالعديد من الظاهر والاراء العقلية ولايمكنه ان يهدا بدون فهم اجوبة هذه القضايا، لذلك نلاحظ وجود رغبته في استكشاف سبب الامور التي تجري حوله، و يدخل في حوار مع الاخرين بشان مفهومي الحق والباطل ليحدد موقفه. وقد يعاني الانسان في بداية مسيرته من الشك والترديد الا انه يخطو خطواته المباركة وصولا الى البصيرة ومعرفة الحقيقة.
إنَّ النّاس في طبيعة العلاقة فيما بينهم، وفي ظل سيرهم التكاملي، يحتاجون إلى أن يتحاور بعضهم مع بعض في كلِّ الأمور؛ والّتي يكون لكلّ واحد منهم فيها وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر الآخر، وهكذا عندما ندخل إلى المجتمع في علاقاته الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، باعتبار أنّ النَّاس يختلفون في وجهات نظرهم في الأمور الّتي تمسُّ حياتهم وعلاقاتهم مع بعضهم البعض، ويجب عليه ولاجل تحقيق الفوز ان يذوق طعم الهزيمة والفشل.- (العلامة فضل‌الله، 1417،ص 56)-.
لقد جاء في القرآن الكريم كلمة الحوار والمجادلة في العديد من مناسبات مختلفة. فقد جاءت كلمة الحوار في سورة الكهف لاكثر من مرة كما وردت مرة واحدة في سورة المجادلة: 
* 1- فقال لصاحبه وهو يحاوره انا اكثر منك مالاً و اعزّ نفراً. (كهف/34) .
*2- قال له صاحبه و هو يحاوره اكفرت بالّذي خلقك من تراب من نطفه ثمّ سوّيك رجلاً (الكهف /37).
*3- قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي الي الله و الله يسمع تحاوركما انّ الله سميع بصير. (المجادله/1). 
كما ورد في القران الكريم كلمة الجدل في 27 موضع ومنها في ( سورة هود/32، وسورة غافر/5، وسورة النساء/107، وسورة العنكبوت/46، وسورة الحج اية،8). 
واحيانا يصف القرأن الكريم الجدل طبيعة فطرية للانسان حيث يقول الله تبارك وتعالى:
-وكان الانسان اكثر شي جدلا (الكهف/54) .
- ان القاء نطرة عامة على هذه الايات الشريفة تكشف عدم وجود قيود على استعمال هذا الاصطلاح سواء في المسائل الخاصة او العامة وفي مواضيع دينية واجتماعية متعددة.
- يبدو ان استعمال القرآن الكريم لهذه الكلمة يعكس مواجهة الإسلام لقضايا متعددة ولمواقف عصرية مختلفة. 
*ان الإسلام الحنيف واجه نوعين من التحديات: 
*1- تحديات الافكار والمفاهيم غير المنطقية التي كانت تعشعش في اعماق اذهان الناس. وعمل الإسلام في حركة اصلاحية على ايجاد تحول في الاسس الايديولجية للانسان وكذلك اخراجهم من سباتهم الى انوار الهداية والتوحيد.
*2- تحديات كانت تهدد الانسان في محيطه الخارجي في المجالات السياسية والدينية والاجتماعية. 
لقد سعى الإسلام الحنيف الى الوقوف والصمود امام جيمع هذه التحديات من خلال تعزيز النهج الصحيح واتباع الحق وكذلك، الدعوة الى التفكير والقيم الانسانية السامية. ووفقا لذلك تحدى الإسلام الحنيف المنحرفين الى المناظرة والحوار المباشر وبيان الافكار والقيم، ووضع علامة استفهام حول الاراء غير المنطقية ودعوة الاخرين الى الالتزام بثقافة التحقيق والتفكير بشان القضايا العقائدية.( العلامة فضل الله، 1417 ص 49-52 -.)

انواع الحوار من وجهة نظر المخاطب 
ان الحوار هو مصطلح عام ويمكن ان بين شخصين او اطراف متعددة. في الثقافة القرآنية يمكن ان يكون طرف الحوار الانسان نفسه وثانيا ان يكون الاخرين. ونتطرق الى هاذين المفهومين باختصار:

الحوار مع النفس: 
ربما امكن القول ان اول ما يختطب به الانسان هو نفسه، لان اسلوب ادراكه وفهمه وما يتبادر الى ذهنه وكذلك تحليل ومعالجة المعلومات وربطعها ببعضها، في ذهنه وفي عقله وادركه لماهية الامور لاجل الوصول الى النتائج والمطلوب، و بتعبير آخر أدق هو ( حركة العقل بين المعلوم و المجهول) قد نظم بحيث يعتبر الانسان نفسه هو اول المخاطبين، بحيث يقضى اوقات كثيرة في مخاطبة نفسه. 
من وجهة نظر للعقيدة الدينية، فان الايمان هو حصيلة حوار الانسان مع نفسه، بمعنى ان لايمكن ان يتحقق ايمان الانسان بدون حوار افتراضي ومناقشة عقلية داخلية في ذهن وتفكر الانسان. بحيث ان الإسلام كله هو حركة وعملية حوار وتحدث الانسان في ذهنه وعقله. وتشكل الحركة الجدلية لفاهيم الانسان بشان امر محتمل الحصلية النهائية لموقف واعتقاد الانسان. في الواقع ان شخصية وهوية الانسان مرتبطة بالحوارات الافتراضية في ذهنه والتي تحدد بالتالي عواطفه واحساساته ومواقفه للواقع الذي يحيطه، ان رد فعل الذهن البشري للامور يحدد نقطة ضعف وقوة مواقفه. وبشكل مختصر، ان الحوار قادر على ان يوصل الانسان الى القناعة والاستقلال الروحي، والتخلص من التناقضات الفكرية وعدم تششت ذهنه وعاطفته واحاسيسه، لان غيات القناعة في نفس الانسان توقعه في حالة من الضياع والمعاناة وتسلب منه امنه الروحي (العلامة فضل الله،1417،ص52).
وبحسب ما قيل، فانه تم كشف حقيقة دينية اصيلة وه ان الايمان حركة عقلية بحته.وحتى في الامور الغيبيه، فانه لاسبيل الى تاييدها بعيدا عن تفكر وعقل الانسان، اذن وحسب العقل فان انطلاق الحركة الطوعية لاكتشاف المجول يبدأ من العقل، الذي يحدد عقلانية الامر، وحتى اذا كان العقل غير قادر على تقييم الكلمات والمفاهيم التي تقع في خارج ادراكه، الا ان قوة العقل يمكنها بوضوح ان تدرك وجود الله تعالى على الرغم من عدم وجود امكانية لاستكشاف الذات الالهية. وكذلك الامر في في مجال المنطق والبرهان الديني، حيث اننا ندرك حقيقة وجود الامور الغيبية عن طريق العقل، على الرغم من اننا لاندرك سر وطبيعة وجوده المقدس كما ان علم الفلسفة لايمكنه معرفة حقيقة الذات الالهية ولكن يمكن الاشارة اليه فقط. اذن فان الانسان يمؤمن بالامور التي يعقلها وحسب ذلك، يجب الاعتماد على التجربة والفهم للوصول الى اليقين.
في هذا الاطار، يعتقد بعض الفقهاء ان الشخص يشك في وجود الله تعالى او رسوله (ص) او رسالته فهو كافر،اما الإمام الصادق (ع) قال وضح الامر حين قال: من شك في وجود الله فهو كافر (مجلسي، 1403،ج 66 ص129).
اما بشان الشخص الذي يشك في رسول الله (ص) فقال انه انه كافر مضيفا، انه كما ان الذي ينكره فهو كافر(كليني، 1365،ج2، ص 399). وفقا لذلك لايمكن اطلاق تسمية الكافر على بمجرد وجود شك في نفسه ولكنه يسعى للوصول الى مرحلة اليقين والايمان، بل هو باحث حقيقي. وتوجد رواية اخرى عن الامام الصادق (ع) تأييد هذا الامر حيث قال:”لو انّ العباد اذا جَهلوا وقفوا ولم يَجحدوا لم يكفروا”. كليني ج3، ص 117 و محاسن /1/216). فان الانسان اذا كان جاهلا ولكنه لم ينكر وجود الله فانه ليس بكافر.
اذن يمكن القول ان الناس على صنفين: مؤمنون، ومتشككين وليس هناك وجود في عالم الالحاد. 
ان بعض الآيات القرانية، تدعو الناس الى الكلام والحوار مع النفس الانسانية والتفكر في الايات الكونية بحرية وصولا الى نتائج يقينة.(آل عمران/191، والاحقاف/3 وسورة العنكبوت آيه/20).
يلاحظ ان هذه الايات القرانية ونظائرها، تحث اللانسان على ضرورة التفكير في الظاهر الكونية واسرار وجود الانسان. بحيث ان الانسان يصل من خلال البحث في تعقيد واسرار النظام الكوني، وفق قانون السببية والعلاقة بين العلة والمعلول وارتباطهما، الى القناعة والايمان. ان المطلوب من هذا البيان هوو اثارة وتحفيز القدرة الفكرية للانسان في البحث في الايات الكونية وفي النفس الانسانية ليحس في داخل نفسه بوجود آيات ودلائل وبراهين على وجوند خالق قدير حكيم قد اتقن كل شيء خلقة. 

الحوار مع الاخرين:
ان الدين الإسلام الحنيف حث الانسان على التفكير والحوار مع نفسه واعتبرها حركة فكرية طبيعية وفق اسس عقلية للوصول الى الايمان، فانه اكد ايضا على التحاور مع الاخرين الذين لهم عقائد ووجهات نظر وافكار مخالفة، لانه يجسد حركة الفكر في شكل صوتي. ان هذا الموقف يُعتبر الاسسس الرئيسية للحوار الفردي والجماعي والذي دعا اليه جميع الانبياء من اجل الحديث مع الافراد، والدخول في نقاش حقيقي من خلال بيان ارائهم العقائدية والايمانية اصلاح الاعتقادات الخاطئه لهؤلاء الاشخاص، على الرغم من ان رد فعل الافراد المخاطبين لم يكن كذلك. ان دراسة ومطالعة قصص الانبياء في القرآن الكريم يكشف لنا ان المخاطبين كانوا من اهل السخرية والاستهزاء وانهم لم يستسلموا للمنطق والبراهين الساطعة ولم يبدوا اي استعداد لسماع بيان الانبياء. ان هذا يظهر ان فقضيّة الجدال ، هي أمر طبيعيّ في حياة الإنسان، من أجل التّفاهم مع الآخر، أو من أجل تأكيد فكرته لدى الآخر، عندما يكون هناك نوع من أنواع الاختلاف في الرّأي بل ان ظهور الدين بدأ من الحوار والنقاش. (العلامة فضل الله 1417،ص70).

ان دائرة المعارف الدينية تناولت كلمة الحوار(dialogue  (وبين وانواع المحاورات في العقود الماضية كما يلي:
*1- الحوار غير المنظم (كان يعرف في السابق "المناظرة" او "المباحثه" هو يعني اجتماع شخص او مجموعة من الاشخاص، والاستماع والنقاش عن طريق السؤال والجواب، بشرط وحدة الموضوع أو الهدف، فيتبادل الاطراف النقاش حول أمر معين. وهكذا فان هذا الشكل من الحوار لم يكن جديدا جدا، ولم يكن في نفس الوقت بارزا جدا ايضا، على الرغم انه كان دائما ظاهرة غير عادية نسبيا. ولكنه بصفته عملا عقلانيا، كان السبيل الوحيد بين الافراد الذين كانوا بمستوى واحد من الاستعداد، وغالبا ما كان هذا الشكل من الحوار مفيدا، لان الطرفين يقومان بطرح مطالبهم واستماع احدهم لراي الاخر. 
*2- الحوار الانساني، وهو الحوار القائم على الاساس الوجودي وهو نقاش بسيط جدا حيث يقوم كل جانب في لقائهما ببيان رأيه وعقائده للجانب الاخر. ان من سلبيات هذا الشكل من الحوار هو انه حوار فردي. وعلى الرغم من ان يحظى بقبول المثقفين شبه العلمانيين في الغرب، الا انه لم يراعي فيها قيم الافراد، وبالتالي ان تجاهل وجهات نظر المجتمع في هذا الحوار في اغلب الاحيان امر غير ممكن ومستحيل، وقد يعتبر هذا الشكل من الحوار يتصف بنهج ذات قيم عاليةن الا انه قد لا يتناول موضوعا بشكل عملي ويبقى في مستواه النظري فقط. 
*3- الحوار العلماني: يؤكد الحوار العلماني ضرورة اجراء الحوار عند وجود مهام في العالم يجب تنفيضها، وان الجهات الدينية المختلفة تستطيع المشاركة في الحوار وفق برنامج مشترك بعيدا عن ايمانهم اعتقاتهم الدينية. ويظهر ان المناقشات والحوارات التي جرت في العقدين الستين والسبعين من القرن الماضي جرت وفق هذه النظرة. ان هذا النوع من الحوار تتجاوز بسهولة، عن قضية العقيدة الدينية لصالح مباديء الاصول العملية . ان الوقائع التاريخية غالبا ما تكون في خدمة اهداف المناظرة والحوار، وانها اكثر قبولا من الشؤون الدينية وفق هذا الشكل من الحوار. 
*4- الحوار الروحي: غالبا ما يكون الحوار الروحي يجري من قبل اولئك الذين تربوا على اساس الدين، وتعلوا ان الروحانيين سواء كانوا شرقيين ام غيرهم لهم منزلة عالية وفي نفس الوقت، وفي نفس الوقت تلتزم هذه الحوارات بالتوجهات الروحانية. ان هذه الشكل من الحوار لا يتناول البحث والمناظرة بل غالبا ما ينحصر في التفكر والدعاء، وقد تم اجراء هذا النوع من الحوار اخيرا وبشكل ملفت للنظر في معبد الهندوس  (ashram)وفي مراكز التفكر والتعمق في الامور الالهية في الشرق والغرب. 
من الناحية النظرية ان الذين يعتقدون بوحدة الاهوت monastic theology والذين يماثلون في نواحي كثيرة لمكتب فيدانتا Vedanta ( وهو مصطلح كان في الاصل تستخدم في الفلسفة الهندوسية لذلك الجزء من نصوص فيدا المعروفة ايضا باسم الاوبانيشاد) من الناحية العملية لهذا النوع من التفكير، والتي ترى الافضلية للروحانين الشرقيين على الروحانيين الغربيين، وانهم على استعداد للاستفادة من الكتاب المقدي والطقوس الدينية للكنائس بالاضافة الى الامور الخاصة بالمسيحية، الى جانب اعتقاداتهم. ان هذه النطرة تؤكد في الغالب على الشعور باهمية "theologia negative" القاضي بانكار سيادة المنطق والمعرفة العقلية على الخبرة. ان هذا التفكر كان حصيلة افكار العقد الستين الميلادي. فمنذ حوالي منتصف السبعينات من القرن الماضي تضاءل درجة استخدام هذا النوع من الحوار بسبب تغيير في الاستجابة للضغوط الاقتصادية والاجتماعية في ذلك العصر.ورغم ان هذا المفهوم كان مقبولا لدى الكثير من المسيحيين، الذين ادركوا اهمية الحوار والتفاهم الجاد بين المذاهب الا انهم لم يتمكنوا تعزيز انتباه اغلب المذاهب الاخرى الى مستويات اعلى، ولهذا يمكن القول ان هذا الحوار بقية على المستوى النظري فقط. وعلى اي حال فان التعامل الحقيقي بين المعتقدين بالدين سيبقى كما هو. ومما لاشك فيه ان هذه الصراعات لم تكن متوقعة وفي بعض الاحيان كان عنيفة وكانت دائما تخضع للظروف المحلية.- دائرة المعارف الدينية-.
امتيازات المحادثات البناءة في الإسلام: 
ان الدين الإسلامي الحنيف وضمن تاكيده على مبدأ الحوار، والحوار الديناميكي والبناء،حدد بعض الخصائص والامتيازات لمثل هذا الحوار:
*1- محورية العقل: ان الإسلام اعتبر العقل الاساس والمحور في حياة العامة المجتمع وقد اعتبر العقل ايضا ملاك وميزان تحديد الامور الصالحة من غيرها، وصحة المواقف من القضايا السائدة.
 *2- ان الإسلام الحنيف وصف العقل بانه الرسول الداخلي لكل انسان (اي انه الوازع النفسي عند البشر وهو الحي اليقظ المنانع الزاجر الذي يمنع النفس من ارتكاب سلوك معين بعيدا عن الانسانية والدين) وان العقل هو اساس الحوار عند الانسان-(العلامة فضل الله، 1417، ص61)- ليؤدي دوره البناء في العلاقات الاجتماعية وصولا للسعادة والحق. ان الإسلام كدين يعتمد اكثر من اي دين اخر على العقلانية ويعير اهمية بالغة لمكانة العقل في العلاقات الانسانية -(الكليني،1365،ج1، ص20)- وان نحو خُمس من عدد الايات القرآنية تتناول مخاطبة العقل وضرورة التأمل والتفكر والتدبر في خلق الله تعالى، ويلوم الانسان على تقليده الاعمى وعدم تفكره وابتعاده عن البصيرة ومشابه ذلك، لذا يؤكد على موضوع الحوار البناء والهادف اصرار كثيرا(سيد مرتضى العسكري، 1386،ج1، ص15). 
*2- القيود غير المقبولة للحوار: ان الدين الإسلامي بين في القرآن الكريم ان مواضيع الحوار غير محدودة وغير مقيدة، وحتى سمح واتاح الحوار والمناقشة في مواضيع حساسة مثل وجود الخالق وشخصية الرسول الاعظم (ص) وكذلك مواضيع التكذيب واتهامات المنكرين.
على سبيل المثال، ان ان الرسول مجنون ام عاقل؟ ام هو ساحر ام نبي صادق او كذاب؟ هل ان القرآن الكريم نتاج بشري ام الالهي؟ فقال الله تعالى في كتابه الكريم:” و لقد نعلم انّهم يقولون انّما يعلّمه بشر” (النحل / 103) اشار انه تعالى يعلم قولهم عند مخاطبتهم: ”واذا قيل لهم ماذا انزل ربكم قالوا اساطير الاولين” (النحل/ 24).
ولعل القران تناول خلال طرح هذه المواضيع ان يعكس تحدياته الكبيرة للمشركين. ان القرآن الكريم يقول: "قل انّما اعظكم بواحده ان تقوموا لله مثني و فرادي ثمّ تتفكّروا ما بصاحبكم من جنّه ان هوالانذيرلكم بين يدي عذاب شديد". (سورة سبأ / 46).
ان الإسلام لم يضع قيودا او حدودا للحوار البناء والمفيد وان الهدف من بيانه لبعض الاتهامات هي بيان خلود القرآن وتحدية للبشرية، ودعوة الناس للحوار والمناظرة للوصول الى الهدف المظلوب. من جانب اخر لم يستثني القرآن المجيد المواضيع العقائدية المرتبطة بالايمان والكفر بل وضعها على طاولة النقاش والحوار، وان الايات 72 و 79 من سورة يس المباركة خير دليل على صحة هذا الادعاء.
*3- عدم تحديد اطراف الحوار: وكما ان الإسلام لم يضع قيودا على مواضيع الحوار فانه لم يحدد اطراف الحوار ولم يضع حدودا على مشاركتهم في النقاش. ان الانسان المسلم يمكنه ان يتحدث ويناقش وتحاور مع اي شخص وفي اي مركز كان إلا في حالات خاصة اذا كان للحوار مفهوم اخر، او من الممكن المساس بقضايا هامة. ان القاعدة والمبدأ الاساس هو ان كل شخص يمكنه الحوار مع اي فرد يحمل افكارا وعقائد مخالفة سياسية كانت ام اجتماعية . وهو كما حاور الله تعالى ابليس لعنه الله في سورة الاعراف (آية 11-18) من جهة اخرى سمح للملائكة للحوار بشأن خلق (آدم عليه السلام) حيث قال تبارك وتعالى في كتابه الكريم:" وَاِذ قال ربّكَ لِلمَلائكه اِنّي جاعِلٌ فِي الارضِ خليفهً قالوا اَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَ يَسفِكُ الدماءَ و نحن نسبّح بحمدك و نقدّس لك"... ( سورة البقرة /30). وثم ان الله تعالى لم يوبخهم ولم يلقي اللوم عليهم بل قال تعالى: ”انّي اَعلمُ ما لا تعلمون” وحسب ذلك فان الإسلام لم يرى ان مكانة اي الشخص يقف حائلا امام حقه في الحوار ولم يسمح لاي انسان ان يقول بان مكانته ارفع من ان يناقش الطرف الاخر. 
ان المعرفة،حق طبيعي للناس، والوصول الى معرفة ظروف لنقاش. وان الاشخاص الذين يمتلكون معرفة وفهم خاص ينبغي عليهم وضعها تحت تصرف الاخرين من اجل مساعدتهم للوصول الى اليقين. كما يجب عليهم متابعة المحطات الغامضة من خلال السؤال عن الامور الكلية او الجزئية عن طريق المباديء الثابته والحجج القاطعة والبراهين الساطعة. ان القرآن الكريم قد هدد الاشخاص الذين يحتكرون المفاهيم ويكتمون البينات الالهية، ولعنهم لعنا وبيلا، لانهم سيبقون فقراء للمعارف الالهية – (العلامة فضل الله، 1417، ص 60). 
جدير بالذكر، ان المواضيع والقضايا التي لاقيود على مناقشتها والحوار بشانها هي المواضيع المعينة بالمباحثة والنقاش، واما النقطة المهمة هي ان الحوار المطلوب في الإسلام هو الحوار الذي يؤدي الى كشف الحقيقة والوصول الى افضل المعارف والمفاهيم.
*4- حرية الفكر: أكد الإسلام على الحوار الذي يتمخض عن الوصول إلى الحقيقة عن طريق علمي. لذلك فان حرية الأطراف المتضادة في الحوار تنحصر في الاصرار على الوصول على الهدف النهائي. وحتى اذا كان الفكر المخالف يخالف افكار الراي العام لانه لايحق لاحد الاحتجاج عليه او الاساءة اليه او ترويج الاشاعات ضده بغية الوصول الى اهداف غير جديرة. ولايمكن وصفه بالكافر والضال او بالزنديق وخارج عن الدين واتهامه بكلمات امثالها. 
ان الرسول الاكرم (ص) قال في مواجتة لبعض الاعداء الجهلة: "وَ رَسُول‌ اللهِ لایَغتَنمُ جَهلَکُم و لا یُکَلِّفُکُمُ التسلیمَ بغَیرِ الحُجَّه". (مجلسي، 1403، ج 9 ،ص313) وكذلك سيرة حياة الإمام الصادق عليه اللام يكشف هذه الحققية بشكل اكثر وضوحا.
يذكر في كتب السيرة ان الإمام الصادق (ع) كان يجلس في بعض الاحبان في المسجد الحرام من الحوار والمناظرة مع بعض الجماعات مثل الزناقة والمشككين امثال ابن المقفع وابن ابي العرجا في مجال المسائل الكلامية والفلسفية. وكانت هذه الحوارات والمناظرات تصل في بعض الاحيان الى مرحلة تحديات غير معقولة وسخيفة، وكان ذلك لا يقود عليه السلام الى انتهاج سلوكا عنيفا. فقد قال احد الاشخاص يوما اليه: الى متى تطوف حول هذه الاحجار؟ فتحمل الإمام عليه السلام بهدوء سؤال الرجل وحاورة في قضايا فلسفية عن اسرار الحج وفوائدها. (الكليني، 1365، ج1، ص77).
وفقا لذلك، فان هذه الحوارات تقوم في الإسلام على اسس حرية الفكر. ان الا نسان الذي يطرح سؤاله بحرية، لايستحق الاعتراض عليه او نقده على سؤاله، وبعكسه لايمكن الاقتراب منه وارشاده للحقيقة.
*5- الامتناع عن الأنانية: ان الحوار البناء في الإسلام ميزة أخرى مثيرة للانتباه. ويجب في الحوار ان تتقابل الافكار في جوء هاديء وان يبتعد عن تاييد ارائه الشخصية وان يغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصبنو يتحمل صحة كلام الاخرين بسعة صدر، لان الاسلوب المشهور في العالم هو:" اعتقد ان رأي هو الصحيح وهناك احتمال وجود الخطأ، اما وجهة نظر الاخرين فهو خطأ، واحتمال ان يكون رايهم صحيحا". كما ان القرآن الكريم اعلن معارضته عن الموقف المتعصب ايضا فقد قال تعالى على لسان النبي الكريم: ”و انّا او ايّاكم لَعلَي هُديً اَو في ضَلالِ مُبينِ” (سورة سبأ /24). في مدرسة الإسلام لايمكن للانسان ان يدخل الحوار مع افتراض صحية راية مقدما بل ان ارائه التي تتوافق مع مطالبه اما ان تكون صحيحة او خاطئة. وقد اشار القران الكريم الى عدم وجود مكانا للعواطف في المناظرات او الحوارات والافكار الديناميكية، بل ان هدف هذه الحوارات هي الوصول الى الحقيقة. 
ان النقطة المهمة الاخرى في خصائص الحوار في الإسلام وفي موضوع الابتعاد عن الانانية هي ان التشكيك في صحة الاراء يشمل طرفي الحوار، وهذا يحد ذاته يدفعها الى اعادة النظر واعادة تقييم ارائهما وبعيدا عن الحكم المسبق للامور. الجانب الاخر لهذه الميزة الثانية لهذه الطريقة هي ان الافكار المقبولة لايقف حائلا امام قبول اراء الاخرين، بل انها تعتبر ارضية مناسبة للاستماع والتحليل وقبول افكار واراء الاخرين. ان هذا الامر الجديد قد يصلح في بعض الاحيان اراء الانسان وتتحق بوصلة القرآن"اهدى سبيلا".  
ويبدو ان التعصب والانانية يقف سدا امام بيان قيمة الحوار البناء ويبعد افكار الانسان عن الحقيقة وان الصراع والمجادلة لاتسمح لافكار الانسان بالانفتاح عن الحقيقة. وبالطبع ان هذه الطريقة تتوقف على مكانة الايمان وصحة الاعتقادات والتي يدعو الاخرين للتحدي كما يهيئه نفسه لقبول المطالب الجديدة. ولذا قال القرآن الكريم: ” قَل فَأتُوا بِكِتابٍ مِن عندِاللِه هُوَاَهدي مِنهُما اَتّبعهُ اِن كُنتُم صادِقينَ” القصص /49. 

الحوار.. حجر زاوية لبناء مجتمع متحضر ومتقدم 
الحضارة هي كلمة مشتقة من حضر، ويقال الحضارة هي تشيد القرى والارياف ولمنازل في المدن والعيش فيها كالمجمعات والتحلي بالاخلاق والاداب المدنية وكذلك تعاون افراد المجتمع الواحد في الامور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية (معين 1375). كما تعني الحضارة خروج المجتمع من المرحلة البدائية والوحشية الى مرحلة الاناقة في العمل والتعامل والتربية وتطبيق نظاما متقدما حول توسع المجتمع (الدكتور ولايتي 1384،ص19). اما "الفيلسوف "ويل ديورانت" فيعتبر التمدن نظام اجتماعي ويتحلى بالابداع الثقافي ، وظهوره بتوقف على استتاب الامن والاستقرار ووضع نهاية للفوضى.
ويرى ان عوامل مختلفة في مجالات الجغرافية والعرقية والاقتصادية والسياسية والاخلاقية والفكرية والروحية، تتعاون لتشكيل اية حضارة. وحدد اربع ركائز لاقامة اية حضارة وهي: 
*1- التبصر والحذر في المسائل الاقتصادية.
*2- منظمة سياسية.
*3- تقاليد اخلاقة. 
*4- السعي في طريق المعرفة وتطور الفن. (دورانت ،1367،ص19). 
في حين كتب "أرنولد توينبي" في كتابه "دراسة تاريخ الحضارة" والذي نشر في اثني عشرمجلدا، انا اعرف الحضارة وفق المعايير الاخلاقية..ويمكن تعريف تعريف الحضارة ايضا بانها وليدة مساعي لخلق المجتمع، حيث ان كل افراد البشرية يمكنهم الحياة جنبا الى جنب كاعضاء عائلة واحدة كاملة. اعتقد ان الغرض من كل الحضارات التي عرفانها لحد الان، ان لم نكن بوعي، فانها بطبيعة الحال تنطبق عليها هذا التعريف. (توین بی، 1393، ص 48).
الحضارة، هو كيان ثقافي (Cultural Entity).. ان الحضارة يمكن ان يعرف ايضا من خلال النظر الى عناصره الموضوعية المشتركة مثل اللغة والتاريخ والدين والمؤسسات، ويعتمد على اعتماد الانتماءات البشرية الذاتية.(هنتنغتون، ص 47).
وحسب التعاريف المذكور اعلاه فانه دون ادنى شك ان حجر الزاوية في الحضارة الانسانية ليست سوى الجانب الثقافي، ان الثقافة هي نفسها نتاج معتقدات وتقاليد المجتمع وليس نتاج فرد معين او مجموعة واحدة، ولذلك فان المجتمع هو عنوانا حقيقا بذاته (العلامة مطهري، 1385، ص 20). 
ان المجتمع يشكل على اساس المصالح والاهداف والتفاعل المشترك، ولذا يمكن القول ان البنى التحتية للحضارة والثقافة البشرية، وان نسيج المجتمع البشري قائم على محور الحوار لان الحوار يبدأ من داخل الانسان نفسه ويستمر الى مستويات أعلى( العلامة فضل الله، 1417، ص 27). 
وبناء على ذلك فان القران الكريم اعتبر اساس الانسان والمجتمع قائم على اسس الحوار. والان من الضروري ان نلقي نظرة على قضية بناء المجتمع والحضارة المتشركة إلى مستقبل نموذج العولمة .
النموذج المستقبلي للعولمة: 
اطلق المفكر آلفين توفلر (Alvin Toffler) في كتابه "الموجة الثالثة" ناتجة على اساس التحاليل التاريخية واشار الى ان كُلُّ موجة تدفع نحو تكوين نمط مُعيَّن من المجتمعات والثقافات، وعندما تحدث الموجة تزيح الثقافة القديمة جانباً. وقال (إنّ الموجة الأولى كانت تلك التي جاءت بالمجتمع الزراعي بعد ذلك جاءت «الموجة الثانية» وجاءت بالمجتمع الذي أنتجته الثورة الصناعية من أواخر القرن السابع عشر إلى منتصف القرن العشرين. وقال توفلر إنّ المكونات الرئيسية للمجتمع في الموجة الثانية هي الأسرة البيولوجية( الفين 1980، ص 113-139).
في حين كتب الدكتور سهيل عنايت الله وهو من مشاهير الباحثين والرائد عالميا، في مقالته "لقد تغير الزمن"Times have changed" في الآونة الاخيرة نشرت " Westpac Bank" نشرت نهجا جديدا في مجال المعايير التقليدية والمساءلة. انهم يقسمون الان تقدمهم وفق ثلاثة معايير: الازدهار والعدالة الاجتماعية والبيئة. بنك www.westpac.com.au نشر تقريرا طالب فيه اخلاقيات العمل والشفافية وأثار حقوق الانسان والاهتمامات البيئية كما وابدى اهتمامه بموضوع " triple bottom line" بالموجات الثلاث.
ان المنظمات تعتقد ان لديها التزامات اخرى غير مسالة الربح وهي عبارة عن: الحاجة الى العدالة الاجتماعية والمبادرات الاجتماعية ويعتقدون ان لديهم مسؤولية تجاه التنمية المستديمة وقضايا البيئة ايضا، كما لهم دورا حاسما في نجاح المنظمة.واضاف ان العاملين في هذه المؤسسات يرغبون عن ابدائهم الفخر بشان بيئة عملهم، من ناحية اخرى ان المنظمات والمؤسسات تعتقد فضلا عن الشؤون المؤسسية ان يقيموا قضايا اخرى مثل حقوق الانسان ومحو الامية وتاثيرها (المؤسسة) على البيئة والاجيال القادمة، وان المدراء هم جزء من تغيير القيم هذه. التوتر الداخلي والنوبات القلبية والسرطان والامراض الاخرى المتنوعة، ونظر الموظفين للخارج من النوافذ ووجود مساحات مفتوحة لورش العمل والتوترات العصبية هي جزء من هذا التغيير. 
وعلى حد تعبير جون رنش "John Renesh" يجب على القادة والمؤسسات الاستقراء بصورة واعية –( www.number10.gov.uk/su/is/paper.pdf-( وضرورة الحركة نحو تحسين مستوى التعليم للافراد في هذه المنظمات. اننا نشاهد في كل مرحلة انخفاض النظرة الميكانيكية وزيادة المتابعة الحية الواعية للامور في المنظمة. ان الموارد البشرية والذاكرة الجماعية وكذلك خطط المستقبلة المشتركة لتحسين اوضاع العاملين تحولت الى موضوع اساسي للمؤسسات. ان هذا النظرة تتابع الان في العديد من البلدان. فمثلا شركة بوتان طرحت مؤشرا اجماليا للسعادة وتنمية المشاريع ايضا. ان بريطانيا تتابع موضوع مؤشر السعادة بصورة جادة، ونظم مكتب مجلس الوزراء مؤتمرا حول مستوى السعادة في الحياة ، حيث ان السياسات المقترحة يمكن ان تؤدي الى تعزيز سعادة الشعب  ( www.number10.gov.uk/su/is/paper.pdf). ان هذه السياسات تعتبر معايير مناسبة لتحديد نوعية الحياة التي تعتبر تعتمد على قضايا مثل السلامة والتعليم، التي تعتبر بديلا عن الناتج المحلي الاجمالي في مجال الاداء السليم للبلد، ان مستوى السعادة والرفاه يعكس في الحقيقة مستوى التعليم وحقوق الانسان-نفس المصدر السابق-. 
وتزامنا مع تحرك الدول نحو الاقتصاد الحديث فان هناك قضايا اخرى تحظى باهمية كبيرة ايضا. ان واحدة من هذه القضايا هي القضايا الروحية، والتي لا تتعلق بالامور الروحية والدينية بل ترتبط بمعنى الحياة والسعادة الكاملة او السعادة التي تتخطى الشعور بالالم او بالذة. 
ويرى الدكتور عنايت الله، ان هناك اربعة عوامل مرتبطة تتعلق بالروحية وهي.
*1- الارتباط بالله تعالی وهو امر فطري وسامي.
*2- الاعمال الدينية وانواع المناسك مثل الصلاة والدعاء، والتي يجب استمرار اداء هذه الاعمال والمناسك.
*3- القيام بنشاطات رياضية مثل اليوغا تشي تشي كونغ او سائر الانشطة الرياضية الاخرى.
*4- وجود علاقة وارتباط اجتماعي محلي أو عالمي، والاهتمام بشؤون الاخرين. 
ثم يتساءل هل ان هذه النقاط الاربعة للروحية يمكن ان تكون اساسا للموجة الرابعة؟ ويشير في الاجابة على تساؤله الى نقطتين مهمتين للغاية:
اولا- يجب الاجابة على هذا السؤال وهو هل يمكن قياس امرا غير قابل للقياس؟ ويجيب قائلا، اني اتذكر جيدا مصطلح الاستاذ الروحي بي.آر. سركار P.R.Sarhur حول الذات الالهي المقدس. انه لايمكن التعبير هم هذا الاصطلاح بالسان اي لايمكن قياسها.(عنايت الله، 2002،ص35). 
من الطبيعي ان مناقشة موضوع القياس، سيدخلنا في متاهات وامور معقدة، ونحن نعلم ان جميع المساعي والمحاولات في هذا الحقل محكوم عليها بالفشل الذريع. ان كل مجموعة تسعى وراء قائد يدعو الى الله تعالى وتدعو ان رحمته تشمل حالهم. وهنا يمكن استخدام كل المفاهيم لاسيما المفاهيم الروحية العميقة. ولاجل حل هذه المشكلة، يرى ان طريقة التحليل الطبقي هو انسب الطرق لفهم وحل هذه القضية، وبالتالي يجب العناية بالمجتمع ورعاية المجموعات وكذلك الاستفادة من التجارب المشتركة او النظام الروحي. ان فهم ومتابعة القضايا الاخلاقية والتأمل في الظواهر الكونية والعبادة تعتبر من الطرق المتشعبة لمعرفة الله تعالى، وبالتالي يمكن القول انه كما كانت القضايا الكيمياوية اوالعرفانية اعمق كلما كان اكثر صعوبة للقياس.
ثانيا- 
وتساءل ايضا هل ان قضايا الروحية محببة للنفس؟ ثم يجيب ويقوله ان هناك ادلة على هذه القضية. على سبيل التجربة الشخصية، كان لي العديد من ورش العمل في كرواتيا وماليزيا واستراليا وتايلاند وألمانيا وتايوان ونيوزيلندا وهاوي، ولكني تيقنت بان القضايا الروحية شي اخر لان فيها الكثير من الجمال والتاثير. 
لمزيد من المعلومات عليكم بمطالعة كتاب (www.metafuture.org) حول الملامح العامة لهذا المستقبل تحت اشراق الدكتور عنايت الله وهي الملامح عبارة عن: 
*1- الايمان والروحية الفردية. 
*2- المشاركة العامة.
*3- المجتمعات البيئية المستدامة.
*4- التقنية المحلية التي ليست من نوع التكنولوجيا الدافعة.
*5- البدائل الاقتصادية للافكار الراسمالية.
*6- السيادة العالمية.
ويمكن مطالعة هذه النقاط بصورة موسعة في مقال للدكتور والباحث "سهيل عنايت الله" تحت عنوان " Spirituality as the forth bottom)). 
ان النقطة الجديرة بالذكر، هي ان آفاق القضايا الروحية نالت تاييد وقناعة كل من الباحث الفرنسي جان بول ري (Paul Ray) و شري اندرسون (Sherry Anderson). وقاموا بتوثيق ظاهرة جديدة وهي زيادة عدد المبدعين الثقافيين. انهما يعتقدان ان هؤلاء الاشخاص سوف يحلون المشاكل اليومية المجتمع من خلال ايجاد اساليب مبتكرة تحديا للنظرة التقليدية. ان هناك معلومات تؤكد ان الماديات لاتؤدي الى السعادة البشرية ابدا. ان الدراسات التي اجريت من قبل الدكتور تيم كسر (Tim Kasser) في جامعة ناكس (Knox college) تظهر بان الافراد الذين هم في منتصف العمر والذين يركزون على المال والسمعة، يعانون اكثر من الكآبة ولا يشعرون بحماس للحياة، ويعانون اكثر من غيرهم من المشاكل الجسمية مثل الصداع والتهاب الحلق. (2002،ص43). 
ان تحليل ودراسة اراء اندرسون، تكشف الى اشارته الى نقطة مهمة، وهي جزء من التحديات المستقبلية و ضرورة تغيير نمط الحياة. ان النمط او النموذج الذي يحتذى به هو عبارة عن: الميلاد والدراسة وثم العمل والتقاعد وثم الوفاة. اما النموذج الهندي فيشمل على: الدراسة والتدبير المنزلي وخدمة المجتمع والرهبانية. اما في النموذج الروحي فان الامور الروحية موجودة في جميع هذه المراحل.كما مرحلة طلب العلم والتلمذ مستمرة ولا تنتهي ابدا، والتعليم مستمر ما دام حياة الافراد مستمرة، فضلا عن استمرار العمل. كما ان خدمة المجتمع موجودة يوميا ودائما. وفي كل يوم توجد وسيلة لخدمة الاخرين، لذا فان الالتزام بالامور الروحية بصفة الموجة الرابعة، يمكن اعتبارها تغييرا في نمط البنية التحتية لحياتنا. النقطة الاخرى هي ان الاشخاص الذين يدرسون التاريخ الكلي لتغيير نمط الحياة فان هذا الامر ليس عجيبا، الا ان هذا التجدد والتقدم والتقنيات المذهلة تجذب ظاهريا الازدهار والحضارة، والشيء المثير هنا هو ان القضايا الروية بصفتها عنصرا من عناصر الحضارة العاطفية والانسانية لا محل لها في هذا الشكل من الحضارة. محذرا من ان الموجة الجديدة لاتعني بالضرورة خلق المدينة الفاضلة، اي اذا لم يتم السيطرة على الخصائص والمكونات الرئيسية وغياب التخطيط ، واذا لم يتم السيطرة على التعصب الاعمى والصرامة وكذلك التمييز العنصري فان ذلك يعني الرجوع الى القرون الوسطى. ان هذا هو رسالة المهممة للتاريخ، ولاحاجة للرجوع الى عصر الكهوف والمغارات. 
النقطة الاخيرة المهمة جدا في هذا المجال، هو يجب ان يؤخذ تحذير الدكتور آشيس ناندي (Ashis Nandy) على محمل الجد، والذي يقول ان النقطة الاساسية هي ان هناك حلولا للهروب من آفاقنا المستقبلية، حيث ان هناك وجهات نظر متناقضة حول هذا الموضوع، وفي هذا المجال فاننا نحتاج الى وجهات نظر وآراء منافسينا حول القضايا الروحية خشية من ان تتحول قضايا الروحية الى مجرد طقوس لاحياة فيها. (ناندي 1987،ص40).
لذلك ، فان مؤشر مستقبل الحضارة العالمية يقوم على على اساس القيم الروحية وليس على القيم المادية، والمهم هو لاينبغي صرف النظر عن منافسينا والسماح لهم ان يقدموا للبشرية نموذجا روحيا قد اُفرغ من محتواه الغني بالكامل واصبح غير مؤثر. والان، من المناسب ان نعتمد على إمكاناتنا وقدراتنا اكثر من اي وقت مضى.
ان رسول الانسانية الامين محمد المصطفى قدم من جانب الله تعالى للبشرية اكبر راسمال بشري للبشرية جمعاء، وبدون استثناء حين ساوى بين الجميع ، حيث يعتبر العرب والعجم والجنس الاصفر والابيض والانسان الشرقي والغرب والجميع هم من المستفيدين الذين ينهلون من هذا المعين النبوي الصافي(خطبة حجة الوداع وصحيح مسلم والبخاري والذين نقلوا بعبارات مختلفة الرواية المعروفة: (لافَضلَ لِعَرَبیٍ عَلی اَعجَمیٍ وَ لالِعَجَمیٍ عَلی عَربیٍ). 
الحقيقة هي ان منزلة وقيمة الانسان لاتقوم الا على روح النقي والفكر الانساني الخلاق الاخلاق السامية. ان الإسلام الحنيف قد اوجد وركز على مجموعة من المعتقدات والمفاهيم والقيم الدينية بدلا من التركيز على الطقوس والممارسات العبادية، ودعا الى الاخلاق الرفيعة والعقلانية وصفاء الروح الانسانية. وكما وصف القرآن الكريم هذا النبي والانسان الكامل حيث ذكر الله تعالى فيه:"وَ اِنَّکَ لَعلَی خُلُقٍ عَظیمٍ" (القلم/29). وكما بين صلى الله عليه وآله عظمة الرسالة الإسلامية حيث قال:"الإسلام حُسنُ الخُلقِ" (الهندی،1364 ق، حدیث 5225) حيث ان الإسلام قام على السيرة والاخلاق الحسن والمريد للخير والداعي على المحبة والصدق والنقاء والاخوة والمساواة.
ان إيران والعرب لهم نصيب وافر وكبير في اقامة الحضارة الإسلامية في القرون الاولى من الدعوة الإسلامية المباركة. ان العلماء من نيشابور حتى بخارى وخراسان الكبيرة وبيهق وطبرستان وكذلك من اوروبا والاندلس سعوا الى جانب علماء العالم الإسلامي من بغداد حتى البصرة ومن الشام حتى الدار البيضاء ومكة المكرمة والمدينة المنورة وقدم كل واحد نصيبه في ايجاد الحضارة الإسلامية الكبيرة.
وكما نعتقد بما لايقبل الشك، انه في العصر الحالي فان ايران والعرب يمكنهم ايضا من خلال افشال وتجاوز الدسائس والمؤامرات الصيهونية والطامعين الدوليين، والاعتماد على راس المال المحلي والدولي، وفوق كل هذا الاعتماد على الثروة الالهية الخالدة والتخطيط والتصميم والاستفادة القصوى من الفرص ونقاط القوة، استقبال الموجة الرابعة والاحداثيات المستقبلية للعالم، واداء دورهم الكبير والمؤثر في تنمية القيم الروحية والثقافية. وكما كان في عصر جاهلية القرن السابع الميلادي، حيث كانوا من اتباع احسن القول وكلهم آذان صاغية للرسول الامين (ص)، فانهم اليوم في حاجة اكثر من خلال الحوار البناء والتدبر والبصيرة وايجاد حلولا مشتركة، ليتجلى فيهم مفهوم الامة المثالية الوسط والاسوة المناسبة للحضارة الانسانية، وان يتألقوا العلم في العالم من خلال الالتزام بالمبادديء والقيم السامية للإسلام المحمدي الاصيل، ذلك لان القران الكريم قال:"وَ کَذلِکَ جَعَلناکُم اُمهً وَسَطًا لتِکوُنوا شُهداءَ علَی النّاسِ"( سورة البقرة: 143)
ولهذا السبب قال الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله ما من امة الا وتمنت يوم القيامة ان تكون منا. وقال السيد القطب في تفسير الاية الشريفة اعلاه: وَ إنَّها لِلأمّةِ الوَسَطِ بِكُلِّ مَعاني الوَسَطِ سَواءٌ مِنَ الوِساطة بمَعنى الحَسن و الفَضل، أو مِنَ الوَسَطِ بِمَعنَى الاعتدالِ وَ القَصدِ، أو مِنَ الوَسطِ بِمعناهُ الماديّ الحِسّي.. الوَسَطُ فی التّصَورِ وَ الاعتقادِ ...فی التّفکیرِ وَ الشِعورِ ...اُمَّهً وَسَطاً فی التّنظیمِ وَ التَّنسیقِ ... اُمَّهً وَسَطاً فی العلاقاتِ و الارتباطاتِ ... اُمهً وَسَطاً فی المَکانِ.... اُمَّهً وَسَطاً فی الزّمان... (السید قطب، 1412، ج 1، ص 132).
النتيجة: 
ان الحوار والثقافة ورغم تعدد التعاريف فانهما ولا شك أن هاتين  العبارتین تشكلان ركنا اساسيا من اركان العقلانية. والمحاورة من المصطلحات التي ولدت مع خلق الانسان والتي تؤكد على عدم وجود أية قيود وحدود مناسبة في مجال مناقشة الموضوع . ان الدين الإسلامي الحنيف يؤكد من بين جيمع الاديان اكثرها، على الحوار البناء والهادف والفعال، ويأمن من خلال توظيف خصائص ومميزات الحوار الإسلامي في جميع مجالات الحياة و الفئات الاجتماعية المختلفة وفي مجالات السلام والصلح وتوفير الانجازات الكبيرة والقيمة.ان التنبؤات العلمية المستقبلة العالمية ترى ان الموجة الرابعة في العالم هي موجة الاتجاهات الروحية والثقافية. ان المجتمع الإسلامي اليوم في حاجة الى الالتزام بمدأ العلاقية والحوار البناء والهادف اكثر من اي وقت مضى، ان ايران والعالم العربي مدعوان اليوم الى بناء مجتمع إسلامي سعيد ومثالي موحد ومتحضر ومزدهر، وذلك في ظل الحكمة والعقل والاعتماد القدرات والامكانيات الفعالة في العالم الإسلامي. 

المصادر:
- القرآن الكريم. 
- توفلر، الفين لويس، اوراق المستقبل ترجمة منشورات نيك كهر عام 1364.
- هيمو، الموجة الثالثة ترجمة شهيندخت خوارزمي لنشر العلوم/ الطبعة الثالثة عشر طهران/1378. 
- توينبي، أرنولد جوزيف، تاريخ الحضارة، ترجمة: محمد حسين، آريا لرستاني/ انتشارات امير كبير، تهران /1393. 
-بور جوادي، نصر الله ،انقلاب كيرنيكي در كلام- منشورات دانش.
- خاشعي، رضا – سفر به آينده ، مفاهيم ،مباديء وطرق ، فن وسائل الاعلام/ 1391 
- زبيدي، سيد محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس،تحقيق علي شيري، دار الفكر، بيروت
- سيد مرتضى العسكري، عقائد الإسلام في القرآن الكريم ترجمة محمد جواد كرمي ، نشر مركز فرهنكي( المركز الثقافي) انتشارات منير، تهران، 1386. 
- قرباني سعيد، مقال اينده انديشي از منظر إسلام،
 http://iranasef.org/pdf/Articles/39.pdf
طباطبائي محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن ، مكتب انتشارات إسلامي ،الطبعة الخامسة. 
كليني، ثقة الإسلام ابي جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق، اصول الكافي،منشورات ثقافة اهل البيت (فرهنك اهل البيت) طهران، بي تا.  
طبرسي، فضل بن حسن،مجمع البيان في تفسير القرآن، انتشارات ناصر خسرو، طهرن 1372 هـ ش الطبعة الثالثة
ابن فارس، أحمد بن فارس‏، معجم مقاييس اللغة، محقق / مصحح: هارون، عبدالسلام محمد، مكتب الاعلام الإسلامي‏، قم‏،1404 ق‏، چاپ اول
طريحي،فخر الدين بن محمد مجمع البحرين تحقيق حسيني اشكوري، احمد مرتضوي طهران، 1375 هـ. ش الطبعة الثالثة
کورنیش، ادوارد، آینده‌ پژوهی پیشرفته، ترجمه سیاوش ملکی فر و فرخنده ملکی فر 
جروم سي كلن و جي كوردون، تئودور. وضعيت آينده 2002، دانشگاه ملل متحد، ترجمه: شركت متن، ويرايش علمي فارسي 
بهرامي، 1384 شابن شعبه حرانى، حسن بن على‏، تحف العقول‏، محقق / مصحح: غفارى، علی‌اکبر، جامعه مدرسين‏، قم‏،1404 ق . 
ابن فارس، أحمد بن فارس‏، معجم مقاييس اللغة، محقق / مصحح: هارون، عبدالسلام محمد، مكتب الاعلام الإسلامي‏، قم‏،1404 ق‏، الطبعة الاولى . 
ابن كثير، دمشقى اسماعيل بن عمرو، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمدعلى بيضون، بيروت،1419 ق، الطبعة الاولى.
ابن كثير، دمشقى اسماعيل بن عمرو، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمدعلى بيضون، بيروت،1419 ق، الطبعة الاولى 
فضل‌الله، سید محمد حسین، الحوار فی القران، دارالملاك، بیروت، الطبعة الخامسة 1996م 
قطب، سید، فی ظلال القران، دارالشروق، بیروت، الطبعة السابعة عشر 1412
هندی، علی المتقی ابن حسام الدین، کنزالعمال، دائرة المعارف العثمانیة بعاصمة حیدر آباد، 1364 ق.
مجلسی، محمد باقر، بحارالانوار الجامعه لدرر اخبار الائمه الاطهار، داراحياء التراث‌ العربي‌، بيروت‌، 1403.
معين، محمد، فرهنگ معين، نشر سپهر، تهران، الطبعة التاسعة/ 1375.
مطهري، مرتضي، جامعه و تاريخ، نشر صدرا، تهران، 1385.
ملکي فر و همکاران، عقیل، الفبای آینده‌پژوهی، نشر كرانه علم، تهران، 1385.
ملکی فر و همکاران، عقیل، الفبای آینده‌پژوهی، نشر كرانه علم، تهران، 1385.
تسخیری، شیخ محمد علی، الحوار مع الذات و الاخر، انتشارات مجمع جهانی تقریب مذاهب إسلامی، تهران، 2011.
دورانت، ويليام جيمز، تاريخ تمدن، ترجمه احمد آرام و ديگران، سازمان انتشارات و آموزش انقلاب إسلامي، تهران، 1367.
هانتینگتون و منتقدانش، ساموئل، نظریه برخورد تمدن ها، ترجمه و ویراسته مجتبی امیری تهران.
منبع: دبیرخانه مجمع اندیشمندان ایران و جهان عرب
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت |
Guest (PortalGuest)


Powered By : Sigma ITID