ثقافة الاختلاف من منظور الإسلام وعلاقتها بالحوار - عبدالرضا بني علي إن التعرف على منهج الإسلام في معالجة الاختلاف بين الناس في المجالات المختلفة من الفكرية والعقائدية والسياسية و....، وعلاقة هذا المنهج بالحوار، يساعد الأمة الإسلامية على حل اختلافاتها بأسلوب سلمي وبعيدا عن النزاع والصراع. ملخص:
إن التعرف على منهج الإسلام في معالجة الاختلاف بين الناس في المجالات المختلفة من الفكرية والعقائدية والسياسية و....، وعلاقة هذا المنهج بالحوار، يساعد الأمة الإسلامية على حل اختلافاتها بأسلوب سلمي وبعيدا عن النزاع والصراع. ولكن بغية التعرف على هذه الثقافة علينا البحث في النصوص الإسلامية، لأنّ ثقافة الاختلاف في الإسلام تندرج ضمن مسار التعرّف على حقيقة الآيات والنصوص الإسلامية وسيرة السلف الصالح، الأمر الذي يوجد نظاماً معرفياً تنتظم تحت ظلّه تعدّدية الأفكار والإجتهادات. وبالتالي يصبح التمايز الحاصل بين علماء المسلمين ومثقّفيهم حالة إثراء وغنىً بدل أن يكون مَدعاة لإثارة الخلاف والشقاق والفتنة. وأشير في هذه المقالة إلى أن الحوار الهادئ والهادف والبناء هو المنهج الذي يعرضه الإسلام لمعالجة الاختلافات الفكرية والعقائدية والسياسية وغير ذلك. وبلا شك أن النخب الفكرية والثقافية والآكاديمية يلعبون دورا هاما في هذا المجال، لأن لديهم الأرضية الممهدة للدخول إلى الحوار مع الآخر المختلف والذي يؤدي عادة إلى فهم افضل من جانب طرفي الاختلاف لبعضهم البعض ويهيئ الأرضية المناسبة للتفاعل والتعامل بينهما. 

ملخص:
إن التعرف على منهج الإسلام في معالجة الاختلاف بين الناس في المجالات المختلفة من الفكرية والعقائدية والسياسية و....، وعلاقة هذا المنهج بالحوار، يساعد الأمة الإسلامية على حل اختلافاتها بأسلوب سلمي وبعيدا عن النزاع والصراع. ولكن بغية التعرف على هذه الثقافة علينا البحث في النصوص الإسلامية، لأنّ ثقافة الاختلاف في الإسلام تندرج ضمن مسار التعرّف على حقيقة الآيات والنصوص الإسلامية وسيرة السلف الصالح، الأمر الذي يوجد نظاماً معرفياً تنتظم تحت ظلّه تعدّدية الأفكار والإجتهادات. وبالتالي يصبح التمايز الحاصل بين علماء المسلمين ومثقّفيهم حالة إثراء وغنىً بدل أن يكون مَدعاة لإثارة الخلاف والشقاق والفتنة. وأشير في هذه المقالة إلى أن الحوار الهادئ والهادف والبناء هو المنهج الذي يعرضه الإسلام لمعالجة الاختلافات الفكرية والعقائدية والسياسية وغير ذلك. وبلا شك أن النخب الفكرية والثقافية والآكاديمية يلعبون دورا هاما في هذا المجال، لأن لديهم الأرضية الممهدة للدخول إلى الحوار مع الآخر المختلف والذي يؤدي عادة إلى فهم افضل من جانب طرفي الاختلاف لبعضهم البعض ويهيئ الأرضية المناسبة للتفاعل والتعامل بينهما. 

مقدمة:
إنّ الاختلاف بين البشر في المجالات المختلفة هو ظاهرة معاشة، لاسيّما في المجالات الاعتقادية. والتعدّد والاختلاف بين الناس كان قائماً منذ وجود البشر في الأرض، وسيبقى إلى يوم القيامة.
 وطوال التاريخ كانت تبرز الجماعات أو الفئات التي ينتمي أتباعها إلى الأديان المختلفة، والذين كانوا ولايزالون يمارسون العنف ضدّ من يختلف معهم في الاعتقاد أو الدين أو المذهب. 
لاشك أنّ النزاع والعنف، في أيّ شكلٍ من الأشكال، يستند إلى الخلاف والاختلاف بين طرفين. عليه يمكن القول إنّ السبب الرئيسي للنزاع أوالعنف الديني هو الاختلاف، أي الاختلاف في العقيدة والرأي، وفي سُبل مواجهة الاختلاف. وعلينا كالمسلمين البحث عن ثقافة معالجة الاختلاف من منظور الإسلام، لأن المعرفة الصحيحة لهذه الثقافة تساعدنا في معالجة الاختلافات التي نواجهها في حياتنا اليومية من الفكرية والعقائدية والسياسية وغير ذلك.
ذهبت بعض الجماعات والتيارات الإسلامية إلى معالجة الاختلاف عن طريق الاعتراف بشرعية الاختلاف واحترام الآخر المخالف واعتماد الحوار لحلّ الاختلاف استنادا بالنصوص الإسلامية؛ وفي المقابل، تعامل آخرون مع الاختلاف عن طريق إسكات المخالف بالشدّة والقوّة، أو بإلغائه من المجتمع بأيّة طريقة كانت، حتى ولو بالعنف و تستشهد هذه الفئة أيضا في وجهة نظرها إلى الآيات والروايات الإسلامية. من هنا كانت الاستنباطات المجتزأة من النصوص الإسلامية من جانب بعض المنتسبين إلى الإسلام خلال القرون الماضية سبباً كي يؤسس بعض الخلفاء والملوك المسلمين الدول الدكتاتورية باسم الإسلام.
يقول الشيخ حسن الصفار في هذا الصدد: "إن عصور التخلّف المظلمة التي مرّت على أمّتنا أعطت الإسلام صورة سلبية، بأنه يدعو إلى الدكتاتورية والاستبداد، ويسمح بممارسة القمع والارهاب. كما أن بعض الجهات والطروحات في الساحة الإسلامية لاتزال إلى اليوم تصرّ على التفرّد بالساحة والاستبداد بالرأي ولاتحترم الموقف المغاير! وبالطبع، فإنّ تلك الصور السلبية من الماضي والمواقف المتعصبة من الحاضر تحدث خوفاً وقلقاً عند الناس تجاه الإسلام، وتصبح مستمسكاً ومبرّراً لدى المخالفين لتطبيق الإسلام" . نحن في هذه المقالة نتطرق بداية إلى ثقافة معالجة الاختلاف من منظور الإسلام ومن ثم نتناول علاقة الحوار بهذه الثقافة. ونبين تأثير الحوار الثقاقي والعلمي في تعزيز العلاقات بين إيران والعرب.
الكلمات الدليلية: الثقافة، الإسلام، الاختلاف، الحوار

ثقافة الاختلاف في الإسلام 
مفهوم الثقافة في الإسلام 

لاتُوجَد مفردة (ثقافة) في النصوص الإسلامية الأوّلية كما هي بمفهومها المعاصر. وعندما نرجع إلى القرآن الكريم، كأقدم نصّ إسلامي احتلّ مكانة مميّزة في ترشيد مسار الفكر الإسلامي، وشكّل قسماً كبيراً من ثقافة المسلمين، نرى أنّ مادة (ث ق ف) ومشتقّاتها قد جاءت في ستّ آيات، ولكن لاتدلّنا معانيها على المفهوم الواسع الذي نستخدمه اليوم. وتالياً نشير إلى بعض هذه الآيات.
﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾(البقرة: 191).
يقول القرطبي في تحليل (ثقفتموهم): يقال: ثقُف، يثقُفُ، ثقفاً، ورجل ثِقف لِقف: إذا كان محكماً لما يتناوله من الأمور.  
ويقول الطبري: معنى (الثَّقفة) بالأمر: الحذق به والبصر، يقال: "إنّه لثقفٌ لقفٌ إذا كان جيّد الحذر في القتال بصيراً بمواقع القتال. وأما (التثقيف) فمعنى غير ذلك ، وهو التقويم ، فمعنى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ في أيّ مكان تمكنتم من قتلهم، وأبصرتم مقاتلهم. 
والمفسّر الآخر الذي نذكر رأيه هنا هو الشيخ الطبرسي، حيث تطرّق في تفسير هذه الآية إلى تحليل مُفردة (ثقافة) بقوله: " ثقفته أثقفه ثقافة أي وجدته، ومنه قولهم: رجل ثقف، أي يجد ما يطلبه. وثقف الرجل ثقافة فهو ثقف، وثقف ثقفاً بالتحريك، فهو ثقف إذا كان سريع التعلّم، والثقّاف حديدة يقوّم بها الرماح المعوّجة، والتثقيف التقويم. 
﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أينَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّـهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ﴾(آل عمران: 112). 
وفي تفسير هذه الآية أيضاً تشير معظم التفاسير، ومن ضمنها تفسير الطبري، إلى أنّ كلمة (أينَمَا ثُقِفُوا) تعني أينما وُجدوا أو لُقوا .
والأمر كذلك بالنسبة إلى سائر الآيات القرآنية التي وردت فيها هذه المادة( ث ق ف). واحترازاً عن التطويل لا نذكر سائر الآيات. إذاً، لا يُوجَد في القرآن الكريم مفهوم الثقافة بهذا المفهوم الواسع الذي نتناوله اليوم.

 (الثقافة) في معاجم اللغة العربية
 يرد في معاجم اللغة العربية جذر هذه الكلمة بمعنى: العلوم والمعارف والفنون التي يُطلب الحذق فيها. ومعظم هذه المعاجم تُعرّف مادة الثقافة بأنّها تُستخدَم للشخص الحاذق، سريع التعلّم، أو الإحاطة بالعلوم والفنون.
"ثقافة: 1-مصدر ثقف وثقف.2-حذق، مهارة 3-إحاطة بالعلوم والفنون والآداب وبشؤون الحياة والناس".  وفي المعجم الوسيط وردت هذه الكلمة بمعنى العلوم والمعارف والفنون التي يُطلب الحذق فيها.  وفي سائر معاجم اللغة العربية نرى تقريباً نفس المعنى، "ثقف يثقُف، ثقافة، فهو ثقف: ثقف الشخص صار حاذقاً فطناً: انكبّ على المطالعة حتى ثقُف".  "ثقُف: ثقف يثقف، ثقفاً وثقفا وثقافة.ثقف: صار حاذقاً ماهرا. ثقف الخل: صار شديد الحموضة. ثقف: ثقف – يثقف، ثقفاً وثقافة وثقوفة –ثقف الشيء: تعلّمه سريعاً". 
ويعرّف معجم اللغة العربية المعاصرة هذه الكلمة بأنّها "مجموعة ما توصَّلت إليه أمَّة أو بلد في الحقول المختلفة، من أدب وفكر وصناعة وعلم وفن، ونحوها، بهدف استنارة الذهن وتهذيب الذوق وتنمية مَلَكة النقد والحكم لدى الفرد أو في المجتمع".  
وجاء في لسان العرب لابن منظور: " ثقف: ثقف الشيء ثقفاً وثقافاً وثقوفةً: حذقه. ويُنقل عن قول ابن سكيت: رجل ثقفٌ لقف: إذا كان ضابطاً لما يحويه قائماً به، ويُقال ثِقفَ الشيء وهو سرعة التعلّم.
وثقف أيضاً ثقفاً تعب تعباً ، أي صار حاذقاً فطناً، فهو ثقفٌ وثِقف مثل حذُرٍ وحذرٍ وندسٍ وندُس. ففي حديث الهجرة: وهو غلام لَقِنٌ ثَقِفٌ أي ذو فطنة وذكاء، والمراد أنّه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه. 
ويمكن أن نستنتج من هذه المعاني التي ذُكرِت في معاجم اللغة العربية، أنّه يُوجَد نوعٌ من العلاقة بين بعض المعاني المذكورة ومفهوم الثقافة بالمعنى الواسع الحالي لها، لأنّ معنى شخص مثقّف حالياً هو الشخص الذي يعرف العادات والتقاليد والأعراف والقِيم الإجتماعية والآثار الفكرية والأساليب الفنية والادبية وأنماط السلوك في المجتمع؛ وتعبير المثقّف في التعاريف القديمة كان يُطلَق على الشخص الذي كان سريع التعلّم وحاذقاً وثابت التعلّم بما يحتاج إليه. وفي كلا التعريفين نرى أنّ مادة العلم قد لُوحظَت؛ وتُوجَد إشارة في كليهما إلى أنّ المثقّف يعني الشخص العالِم والخبير في الأمور بوجهٍ ما. فاللفظ العربي يعتبر الإنسان مثقّفاً طالما هو ثابت المعرفة بما يحتاج إليه في زمانه وعهده ومجتمعه.

 مفهوم الثقافة من منظور المفكّرين الإسلاميين
تعدّدت التعاريف والتفاسير حول مفهوم الثقافة بين المفكّرين الإسلاميين، كما كان تعريفه متعدّداً بين الغربيين، لأنّه من الصعب جداً أن نجد تعريفاً جامعاً لهذه الكلمة، لما فيها من الحدود المشتركة مع العلم والحضارة ولشمولها مجموعة من المواضيع في داخلها.
ولعلّ صعوبة تعريف مفهوم الثقافة تعود إلى أنّ هذا المفهوم يدلّ على عدّة قِيم تجتمع في شخص أو في جماعة، وتنتقل من جيلٍ إلى جيلٍ آخر. لذلك، في القرون الأخيرة، بحث علماء العلوم الاجتماعية عن كلمةٍ جامعة تحتوي على كلّ جوانب هذا المفهوم، واختاروا كلمة الثقافة للدلالة على المعنى المقصود.
وتالياً نشير إلى بعض التعريفات التي صدرت عن بعض المفكّرين الإسلاميين:
إنّ الثقافة تعني: "مجموعة من الصفات الخلقيّة والقِيم الإجتماعية التي يتلقّاها الفرد منذ ولادته كرأس مال أوّلي في الوسط الذي ولِد فيه. والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكّل فيه الفرد طباعه وشخصيته، بما أنّها تمثّل الرَّحم التي يتخلّق فيها جنين الحضارة، خاصةً وأنها الشيء الذي يكيّف الإنسان الذي يصنع التاريخ".  
ويعرّف الدكتور علي شريعتي (من المفكّرين الإسلاميين المعاصرين) مفهوم الثقافة بقوله: "الثقافة تعني مجموعة من الآداب والرسوم والتقاليد والتعامل الجماعي، والتي تتجلّى في المعنويات من: الفن والتاريخ والأدب والدين والتعامل مع الآخرين". 
ويقول الشيخ مصباح اليزدي في تعريف الثقافة: "ذكر علماء الإجتماع ما يقرب من خمسمائة تعريف لمفهوم "الثقافة". ومن الصعوبة بمكان التطرّق لها على انفراد وتدارس نقاط القوّة والضعف لكلٍ من هذه المعاني ومقارنتها إلى الدين. ونحن هنا نطرح ثلاثة تعاريف، كلٌّ منها يشتمل على عدد كبير من التعاريف، ثمّ نتطرّق بالبحث لعلاقة كلٍّ منها بالدين.
تعرَّف الثقافة في بعض التعاريف على أنها شاملة للعقائد والقِيم والأخلاق وألوان السلوك المتأثرة بهذه العناصر الثلاثة، وكذلك الآداب والتقاليد والأعراف الخاصة بمجتمع معيّن. وفي النمط الآخر من التعاريف تُعتبر الآداب والتقاليد اللبنة الأساسية للثقافة، وتعرّف الظواهر المجرّدة للسلوكيات دون الأخذ بعين الاعتبار مرتكزاتها العقائدية على أنها ثقافة المجتمع. وأخيراً تعرَّف الثقافة في طائفة أخرى من التعاريف بأنها العنصر الذي يمنح حياة الانسان المعنى والاتجاه". 
وبناءً على ما أسلفناه يمكن القول إن الثقافة من منظور المفكّرين الإسلاميين تعني مجموعة العادات والتقاليد وأنماط التفكير والقِيم والسلوك الإجتماعي، التي تُستنبط من الآيات القرآنية والنصوص الإسلامية وسيرة السلف الصالح. 
وعليه، لا مناص من الرجوع إلى كتاب الله والنصوص التي تروي لنا السيرة والسنّة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين، لكي نتعرّف على ثقافة الإسلام كثقافةٍ تقدر أن تساعدنا في حياتنا الفردية والجماعية، وتمهّد لنا الطريق لتجاوز الأزمات في المجالات المختلفة، لاسيّما الإجتماعية والمذهبية منها. ولكن كشف هذه الثقافة يحتاج إلى الحركة المعرفية في العلوم الإسلامية لكي نُشرِف عليها، لاسيّما علم تفسيرالقرآن. والوصول إلى معرفة صحيحة وكاملة في الآيات والروايات ليس أمراً سهلاً وبسيطاً؛ فهو بحاجة إلى جهد مستمر في تعلّم اللغة العربية والتاريخ الإسلامي وعلوم الحديث، من الرجال والدراية، وعدّة علوم أخرى، لكي يستطيع الفرد المسلم أن يصل إلى مرحلة المعرفة والعلم بثقافة الإسلام في المجالات المختلفة، الفردية والإجتماعية. 

دور الثقافة في المجتمعات الدينية
الثقافة بمعناها الواسع لها دور كبير في المجتمعات. وهي من الأمور المهمة التي تؤثّر في جوانب الحياة الفردية والجماعية، بحيث تُفضي إلى رفع مستوى المجتمع وتجعله من المجتمعات الراقية والمتطوّرة، أو تؤدّي إلى سقوط هذا المجتمع وتفكّكه، وأحياناً تَحُول دون حصول أيّ تطوّر أوتقدّم فيه. إنّ ثقافة التعايش السلمي وثقافة معالجة الاختلافات في شتّى المجالات، لاسيّما الاختلافات الدينية والمذهبية، عبر الحوار الهادىء والهادف في مجتمعاتنا، هي حاجة ماسّة في عصرنا الراهن.
مفهوم الإسلام 
نجد في القواميس والمعاجم اللغوية تعريفاً موسّعاً وعاماً لكلمة الإسلام: أَسلَمَ، يُسلِمُ، إسلاماً، فهو مُسلِم، يعني مجرّد تسليم الفرد مقابل شخص أو أمر ما. وبعبارة أخرى، معناه مجرّد الخضوع والتسليم.
فقد ذكر الكثير من المعاجم اللغويّة أن معنى الإسلام هو الاستسلام والانقياد. ففي معجم مقاييس اللغة: "الإسلام هو الانقياد" ، وفي لسان العرب: "الإسلام والاستسلام: الانقياد". وكذلك ورد فيه معنىً آخر هو الإخلاص لله في العبادة" . ويعرّف بعض المعاجم "الإسلام" بأنّه الشريعة المحمّدية التي أُنزِلت على النبي محمد (ص)، كما يلي: "الدِّين السَّماويّ الذي بعث اللهُ به محمدًا صلَّى الله عليه وآله وسلّم: الإسلام باللِّسان والإيمان بالقلب ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ (المائدة:3) الشَّريعة الإسلاميَّة"  وفي معجم معاني الأسماء "(الإسلام) إسم علم مذكّر ومؤنّث، يُسمّى به من كان على دين الإسلام. والإسلام هو إظهار الخضوع والقبول لِما أتى به النبي محمد(ص) من عند الله. وهو الإخلاص لله والتسليم لأوامره". 
ويمكن القول إن مفردة الإسلام كانت تعني قبل ظهور الدين الإسلامي مجرّد التسليم والانقياد. ولكن بعد بعثة النبي محمد(ص) في جزيرة العرب، وإظهار دعوته إلى الشريعة الجديدة التي جاء بها، صارت هذه المفردة إسماً علماً للشريعة المحمّدية. ولذلك يُسمّون أتباع هذا الدين بالمسلمين، أي يؤمنون بدين الإسلام. وتُستخدم في مقابل مفردة "إسلام" كلمة "كُفر"، ويُسمّون الآخرين الذين لا يؤمنون بالدين الإسلامي بالكافرين.
 وقد ذهب بعض المفسّرين والمفكّرين الإسلاميين إلى أنه من المنظور القرآني، فإنّ للإسلام معنى عام، وهو الإستسلام المطلق أمام الله، والذي يشمل الأديان جميعها. ومن هنا، فإن الإسلام لايختصّ بأمّة الإسلام، بل يشمل أتباع الأديان الأخرى أيضاً. كما أنّ إبراهيم(ع) طلب الإسلام لأمّته وذرّيته. ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة:128).
يقول الدكتور عبدالكريم سروش في هذا الصدد: "لو راجعتم تفسير الميزان للراحل العلاّمة الطباطبائي، ستجدون بأنّه يعتبر الإسلام بمعنى (الإسلام الحقيقي) الذي قلناه بالضبط. ويقول إنّ القصد من ورائه هو حقيقة الإستسلام بين يدي الله".  
وفي التعريف الاصطلاحي، إنّ الإسلام هو آخر دين من الأديان الإبراهيمية أو السماوية، وقد نزل على النبي محمد(ص)، وهو يتكوّن من العقيدة والشريعة. أما العقيدة، فهي مجموعة المبادئ التي على المسلم أن يؤمن بها، وهي ثابتة لا تختلف باختلاف الأنبياء. أما الشريعة، فهي مجموعة القوانين المفروضة في القرآن والسيرة النبوية والخلفاء الراشدين - أو أهل البيت عند الشيعة - واجتهادات علماء الدين الإسلامي، والتي تحدّد علاقة الإنسان بالله وبالناس وبالمجتمع والكون، وتحدّد ما يجوز فعله وما لا يجوز.

الاختلاف و الخلاف في اللغة
"اختلاف: [خ ل ف]، (مصدر اِختَلَفَ)؛ حصل اختلاف في الرأي بينهم يعني تضارب في الرأي، إنعدام الإتفاق. وحينما يُقال: يتمتع المواطنون بحقّ المواطنة على اختلاف مذاهبهم وأحزابهم، يعني على تنوّعها؛ وُجد في السوق فواكه كثيرة على اختلاف أنواعها، يعني على تنوّعها".  "اختلاف: [خ ل ف]، (مصدر اِختَلَفَ)؛ اختلفت الأذواق، تغايرت، تفاوتت وتناقضت. وعندما يقال: لم تتّفق المذاهب الدينية، يعني اختلفت المذاهب وتغايرت.
وحينما نقول: اختلف الصديقان في الرأي يعني تغايرا، وذهب كلٌّ منهما إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر، ولم يتّفقا".  وورد في لسان العرب أن الاختلاف يعني المغايرة، أي تغايرت آراؤهم فلم تتّفق. 
وهناك معنىً آخر للاختلاف، وهو بمعنى: التعاقُب، وهو مجيء شيء عقب الآخر وبعده  . ومنه قوله تعالى ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاختلاف اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (آل عمران: 190)، بمعنى تعاقبهما ومجيء أحدهما بعد الآخر.
ويختلف معنى خلاف في معاجم اللغة قليلاً عن معنى اختلاف: "خلاف: [خ ل ف]، (مصدر خالف )، بينهما خلاف: نزاع، خصومة؛ سوّى الخلاف بينهما. إنّه خلافٌ عابر. بخلاف ما كنت أعتقد: بعكس، على خلاف ذلك، خلافاً لأوامره" . "خلاف: مصدر خالف/ خالف عن. نزاع يجري بين متعارضَيْن لتحقيق حق أو إبطال باطل. خلافاً لكذا: على عكسه / على خلاف ذلك: على النقيض منه". 
لكن يوجد فرق جزئي بين الخلاف والاختلاف، لأنّ الخلاف أخِذ في تعريفه "النزاع والخصومة"، يعني عادةً يُستخدم الخلاف للتغاير والتعارض الذي ينتهي إلى نزاع وخصومة. ولكن الاختلاف ربّما يكون بمعنى التنوّع، كما ذُكر في بعض المعاجم مثل المعجم الغني.     
وهناك فرق بسيط بين (الاختلاف) و(الخلاف). بمعنى أنّ الاختلاف يشير إلى التباين في الرأي والمغايرة في الطرح، وفيه شكلٌ من مرونة، ولاتسيطر عليه روح الغلظة والشدّة. أمّا (الخلاف)، فهو مصدر من خالف إذا عارضه، وفيه نوع من الشدّة والخصومة. لذلك، قد يكون من الأفضل أن نعتمد في حواراتنا على استخدام مفهوم الاختلاف وليس الخلاف، فهو أقرب للتفاهم والتكامل. 
مفهوم الاختلاف في المعنى المعاصر
يطرح بعض العلماء والمفكّرين في عصرنا الحاضر تعريفاً جديداً للاختلاف، ويقولون: "اختلاف" يعني "تنوُّع"، وهذا التنوّع موجودٌ في كلّ العالم وفي جميع الكائنات. أما التنوّع بين أبناء البشر، فينقسم إلى عدّة أقسام حسب متعلّقه؛ فهناك التنوّع الثقافي والديني والمذهبي والعِرقي والفكري. إذاً، التنوّع في المجتمع ليس أمراً سيئاً بل هو سبب للتقدّم والتطوّر.
 يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين  في هذا السياق: "إن التنوّع يُعتبر ظاهرة كونية. وهذا التنوع في عالم الطبيعة بشتّى تجلّياتها لم يحدث صدفةً، كما لم يحدث بطبيعة الحال خارج الإرادة الإلهية المقدّسة. بل دلّ الكتاب العزيز والسنّة المطهّرة على أن هذا التنوّع من مظاهر الخلق الكبرى، ومن مظاهر الإعجاز في الخلق، ومظاهر الإبداع في الخلق. وتُلاحظ الآيات المباركة التي تنصّ على هذه الحقيقة في عالم الممكنات؛ فهي تدّل على أن الله سبحانه وتعالى هو أحسن الخالقين وأبدع الخالقين، لا بمجرّد إيجاد الأشياء من العدم، بل بإيجادها على هذه الصورة البديعة في تنوّعها واختلافها، وهي التي تعطي نكهةً وطعماً للعالم فتجعله عالماً جميلاً وفاتناً".     
إن هذا التنوّع في الحياة في كافة مجالاتها، خاصةً في المجالات الفكرية، ينبّهنا إلى أن الاختلاف في العالم ليس إلاّ نوعاً من التغاير بين الكائنات. وهذا التغاير الذي نعبّر عنه بالتنوّع في الحياة له المعنى الإيجابي ولايحمل المعنى السلبي. ولذلك من الأهمية بمكان أن نستفيد من تنوّع الحياة لتطويرها، لاسيّما في المجالات الفكرية. 
ويضيف الشيخ شمس الدين: "إنّ نظرةً بسيطةً إلى ما حولنا في الكون المادّي الطبيعي، وانتباهاً إلى ما يحيط بعالمنا ومحيطنا الخاص، على مساحة الكرة الأرضية، والتفاتةً بسيطةً إلى آفاق السماء وأعماق الأرض، وإلى الأكوان الأخرى في المجرّات الأخرى، تجعل الإنسان يلتقي فوراً إحدى أكبر الحقائق الموضوعية التي تطبع عالَم الشهادة القريب والبعيد، وتطبع الأكوان كلّها؛ وهي التنوّع الهائل المدهش الذي تتّسِم به كلّ العوالم: عالم المادّة الجامدة بشتّى تجلّياتها، من الذرّة وما تستبطنه من عوالم إلى المجرّات الكبرى، وعالم النبات بكلّ تنوّعاته المدهشة والرائعة والعجيبة، من البذرة الصغيرة المتناهية في الصغر، إلى الأشجار العملاقة مثل أشجار السيكويا العملاقة، وعالم الحيوان بكلّ تنوّعاته الرائعة من النملة الصغيرة إلى الكائنات الكبيرة". 
وهذا التنوّع كما يشير إليه الشيخ شمس الدين، ليس سِمة عالم الدنيا فحسب، بل هو سِمة عالم الآخرة أيضاً، لأن الآيات القرآنية المباركة تدلّ على اختلاف الدرجات بين الفائزين. وهكذا الأمر بخصوص الخاسرين.
إن التنوّع في عالم الموجودات المادّية يدفع الشخص الواعي كي ينتقل بفكره إلى التنوّع الموجود في الغرائز والميول البشرية، وليكتشف سبب اختلاف الناس في اعتقاداتهم ونزعاتهم الفكرية والسياسية، وغير ذلك من الاختلافات الموجودة بين أبناء البشر.
يقول الشيخ شمس الدين بخصوص ظاهرة التنوّع الفكري والاعتقادي بين الناس: "إذا قارنّا هذه الظاهرة في تنوّع البشر الاعتقادي، مع ظاهرة التنوّع والتعدّد الشاملة لكلّ مظاهر الخلق المادّي في جميع الأكوان، فينبغي أن نراها ظاهرةً طبيعيةً تنسجم مع أهداف الخلق، وأهداف الوجود في هذا العالم". 

نظرة الإسلام إلى الاختلاف 
إنّ معنى الاختلاف في المفهوم الإسلامي ليس غير المعنى المصطلح في اللغة والعُرف. ولكن من وجهة النظر الإسلامية، الاختلاف في الخلق هو سنّة كونية كما يشير آية الله التسخيري  إلى هذا المعنى حيث يقول: الاختلاف سنّة كونية، أعطت للحياة ألواناً مختلفةً من التفكير والسلوك " ، والاختلاف في أفكار وآراء الناس هو مُعطى من معطيات وجود الإنسان. وينبغي ألا يعزب عنّا أنّ منشأ الاختلاف واستمراره في العالم إنّما هو مشيئة الله، كما تشير إلى هذا المعنى الآية ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود 118:)، وفي تلك الآية إشارتان؛ الأولى: أنّ الله لم يرد أن يكون الناس أمّة واحدة، أو انّه أراد اختلافهم في الأفكار والآراء كما أراد الاختلاف في خلقهم. الثانية: فيها إشارة إلى أنّ هذا الاختلاف باقٍ إلى يوم القيامة. 
وفي هذا السياق، يقول الشيخ يوسف القرضاوي إن الاختلاف ينشأ من الفطرة الإنسانية، التي لا يمكن مخالفتها: "إنّ من العبث، كلّ العبث، أن يراد صبّ الناس كلّهم في قالب واحدٍ في كلّ شيء، وجعلهم نسخاً مكرّرة، ومحو كلّ الاختلاف بينهم. فهذا غير ممكن، لأنّه يخالف فطرة الله التي فطر عليها الناس؛ وغير نافعٍ لو أمكن، لأنّه لانفع في مخالفة الفطرة. بل من خالف الفطرة عاقبته عقاباً معجّلاً. ثمّ إنّ هذا الاختلاف إنّما هو اختلاف تنوّع، لا اختلاف تضاد. والتنوّع دائماً مصدر إثراء وخصوبة، وهو آية من آيات الله الدالّة على عظيم قدرته وبديع حكمته. والاختلاف في صفات البشر، وفي اتجاهاتهم النفسية، يترتب عليه -لامحالة- اختلافهم في الحكم على الأشياء، والمواقف والأعمال. ويظهر ذلك في مجال الفقه، وفي مجال السياسة، وفي مجالات والسلوك اليومي والعادي للناس". 
ويمكننا القول إن الاختلاف في العالم من منظور القرآن أمرٌ واقعي لامجال فيه للمناقشة، وهو لا يحتاج إلى مزيد من البيان والإيضاح، لأنّ هذا الاختلاف واضح وبديهي بالنسبة لكلّ الناس، سواء كان الاختلاف في الظواهر أو في الأفكار وآراء البشر". ولابّد أن يختلفوا، فإنّ هذا من لوازم الطبع البشري. لا يمكن أن يكون بنو آدم إلاّ كذلك"  ؛ لأنّ مساحة الاختلاف بين البشر هي جزء من الناموس وقانون الوجود الإنساني. وهي مساحة فتحها الله أمام الإنسان في حياته لكي يستطيع أن يرتقي في المجالات العلمية والفكرية، وبالتالي يفتتح في كلّ عصر آفاقاً جديدة في ميادين المعرفة والحياة. والإسلام اعتبر الاختلافات الفكرية بين الناس أمراً معقولاً، ونتيجة طبيعية لحرّية الفكر والمعتقد. ولهذا، فإن الله لم يخلق الناس أمّة واحدة تتقاسم نفس الأفكار من ناحية الإيمان والعمل، على الرغم من قدرته المطلقة على ذلك. وكان يمكن لله تعالى أن يجعل الناس جميعاً شعباً واحداً و متمتّعين برأي واحد. ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾(هود: 118). وإلى جانب مطالبته عامّة الناس بالتمسك بالتوحيد والإستقامة ، فإنه وفّر لهم فرصة الاختلاف. وسوف نوضح رؤية الإسلام بخصوص تأثير الاختلاف والأمور التي ترتبط به ودوره في المجتمعات الدينية.
يشير الشيخ التسخيري إلى هذا المعنى حيث يقول: "إن الإسلام دين الفطرة، أي أنه دين واقعي لايتعامل مع الخيال، وإنما يتعامل مع الواقع، سواء كان على صعيد الوجود كلّه، أو على صعيد التاريخ الإنساني، أو على صعيد الفطرة الإنسانية، وهي السرّ الوحيد لتميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات.
ومن عجائب الفطرة هذا الانسجام التكويني الرائع بين القناعة الفكرية، والميول العاطفية والسلوك العملي في الإنسان. كما أن من عجائبها هذا التنوّع في دراسة الأشياء ومعرفتها وتطبيق البديهيات العقلية عليها. وربّما كان من عجائبها أيضاً اختلاف وجهات النظر والاجتهادات في تحليل القضية الواحدة". 
ويشيرالعلاّمة الطباطبائي إلى بعض الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّـهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ (البقرة:213)، و﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ (هود:119)، وأيضاً قوله تعالى ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ ليقول: وهذا الاختلاف كما عرفت ضروريّ الوقوع بين أفراد المجتمعات الإنسانية، لاختلاف الخلقة باختلاف المواد، وإن كان الجميع إنساناً بحسب الصورة الإنسانية الواحدة، والوحدة في الصورة تقتضي الوحدة من حيث الأفكار والأفعال بوجه، واختلاف المواد يؤدّي إلى اختلاف الإحساسات والإدراكات والأحوال في عين أنها متّحدة بنحو. واختلافها يؤدّي إلى اختلاف الأغراض والمقاصد والآمال، واختلافها يؤدّي إلى اختلاف الأفعال، وهو المؤدّي إلى إختلال نظام الاجتماع. وظهور هذا الاختلاف هو الذي استدعى التشريع، وهو جعل القوانين كلّية يوجب العمل بها ارتفاع الاختلاف، ونيل كلّ ذي حق حقّه، وتحميلها الناس". 
بناءً على ما ذُكِر، يمكن القول بأن الاختلاف بين البشر هو صفة بشرية وطبيعية جِبلية فيما بينهم. وذلك عائدٌ إلى الاختلاف الملحوظ فيما بين فئات البشر واختلاف بيئاتهم، واختلاف مناهج التفكير وأنماط المعيشة لديهم، وتفاوت قدراتهم، وتباين اتجاهاتهم، وتعدّد أمزجتهم، وتداخل أهدافهم وتضارب غاياتهم، إلى غير ذلك ممّا هو سِمة لكلّ الناس مودَعة في كلّ واحدٍ منهم.
 أهميّة الاختلاف الفكري
 إن الاختلاف ينقسم إلى قسمين: الاختلاف البيولوجي(التكويني) والاختلاف الفكري، وأنّ الإسلام يعترف بالاختلاف بشقّيه، وينظر إلى الاختلاف الفكري كعامل أساسي للترقّي وللوصول إلى الكمال الإنساني؛ وبالتالي ارتقاء وكمال المجتمع. وتشير إلى هذا المعنى الآية القرآنية ﴿يَا أَيُّهَا الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عليمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13). 
فالاختلاف التكويني الذي يعني خلق الإنسان من ذكر وأنثى وإنشاء شعوب وقبائل، إنّما هو الأرضيّة التكوينية التي جعلها الله سبباً لتعارف الناس وتفاعلهم مع بعضهم البعض في المجتمع.
وفي هذا السياق يمكن أن نستشهد بآية أخرى أكثر وضوحاً فيما يتعلق بأهمية وقِيمة الاختلاف في الإسلام: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (المائدة:48). ونلاحظ في هذه الآية أنّ الله سبحانه وتعالى ينسب وجود اختلاف الشرائع والمناهج بين الناس إلى ذاته، ونرى بوضوح أنّه ينفي إرادة (جعل الناس أمّة واحدة) عن نفسه، وهو يربط بين أمرين في هذه الآية؛ يعني جَعَلَ مناهج وشرائع مختلفة من ناحية، والإبتلاء واختبار الناس من ناحية أخرى، لكي يظهر أيّ إنسان، ومن أيّ دين، فيستبق الخيرات. 
يقول العلاّمة الطباطبائي في هذا الصدد: "إنّ القرآن يقول: لو شاء الله لكان بإمكانه أن يخلق مواهب الناس وأرضيّاتهم متساوية ومنتظمة، ليكونوا من البداية إلى النهاية قابلين وصالحين لقبول شريعة واحدة. وفي هذه الفرضية، ما كان ليجري الحديث عن تكثّر الأديان وتكاملها. لكنّ الله لم يفعل ذلك، ووفّر أرضيّة يسير الإنسان فيها نحو النموّ والتكامل؛ و هذا الأمر لا يتحقق إلاّ من خلال الاختلاف في المناطق الجغرافية أو اللغوية والعنصرية. والسبيل إلى ذلك هو الاختلاف حسب مرور الزمان ونضج مواهب الإنسان في قبول الشريعة الكاملة، لكي يدخل الإنسان خلال ذلك ساحة الاختبار الإلهي الكبير".  
 وبناءً على الآيات القرآنية التي ذكرناها، فإنّ الاختلاف أمرٌ جوهري في الحياة الإنسانية. ولولا الاختلاف لم تكن أرضيّة جاهزة لبلورة الاستعدادات الإنسانية في الحياة، ولا يمكن أن يسير الإنسان نحو العلوّ والتكامل، ولم تتبيّن القِيم الإنسانية التي تظهر عادةً في مواجهة المواضيع التي ترتبط بالاختلاف، مثل احترام رأي الآخر المختلف والتساهل والتسامح وقبول حرّية الرأي والاعتقاد. ولكن ينبغي الالتفات هنا إلى أسباب الاختلاف التي تنقسم إلى قسمين: إيجابي وسلبي.
 الاختلاف الإيجابي والاختلاف السلبي 
"إنّ الاختلاف في حدّ ذاته لايقتضي شيئاً لا سلباً ولا ايجاباً، ويؤدّي اختلاف الأفكار والإرادات والأعمال إلى تكامل وتعاون أحياناً وإلى تناقض وتصارع أحياناً أخرى".  ولكنه يفضي إلى الخير إذا اعترف أطراف الاختلاف بشرعية الاختلاف وبحرّية الرأي والتعبير وحقّ الآخر المخالف في استعراض رأيه، وقاموا بمعالجة الاختلاف من خلال الحوار الهادئ والموضوعي، كما يعلّمنا القرآن الكريم ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (سبأ:24). ونتيجة الاختلاف ستكون خيراً؛ وهذا الاختلاف سيوصف بالإيجابي، كما نرى في المناقشات الفكرية والعلمية في الجامعات أو في بعض الحوزات العلمية، حيث يتّصف نقاش طرفي الاختلاف بالشدّة والحدّة فيما يتعلق بمسألة علمية أو فقهية أو عقائدية، ولكن بالنهاية سيبقى الطرفان، بغضّ النظر عن نتيجة الاختلاف، متحابّين. "إن اختلاف الرأي لايفسد في الودّ قضية، بل يبارك الحبّ والتقدير، إذ الهدف الوصول إلى الحقائق عن طريق قويم، لا عن طريق الشقاق والمعاداة".  أمّا إذا سار مسار الاختلاف إلى عدم قبول شرعية الاختلاف وبالتالي عدم قبول حرّية الرأي والاعتقاد، وحقّ الآخر المخالف في إظهار رأيه، وأراد كلّ طرف أن يفرض رأيه على الآخر ولو بالشدّة والقسوة، ستصل الأمور إلى النزاع والصراع والعنف الذي يؤدّي إلى الدمار والخراب والقتل. وهذا الاختلاف السلبي يجب الابتعاد عنه، وقد نهى الله عنه في كتابه الكريم حيث يقول ﴿ولاتَنَازَعوا فتفْشَلوا وتَذْهَبَ ريحُكم﴾(الأنفال: 46)، كما هو حال كثير من الاختلافات القائمة بين المسلمين في العالم.
إن "الاختلاف في حدوده الطبيعية و الإنسانية ليس أمراً سيئاً ..الأمر السيّء والخطير في هذه المسألة هو عدم الاعتراف بشرعية الاختلاف وحقّ صاحبه في أن يكون مختلفاً". 
وهنا يمكن أن يُطرَح سؤال: لماذا تذمّ بعض الآيات القرآنية الاختلاف وتَعِد أطراف الاختلاف بالعذاب؟ مثل:
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (آل عمران:105). 
﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (مريم:37).
﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (البقرة:213).
جاء في تفسير الطبري في تفسير الآية الأولى: "يقول جلّ ثناؤه: فلا تتفرّقوا يا معشر المؤمنين، في دينكم تفرُّق هؤلاء في دينهم، ولا تفعلوا فِعلهم، وتستنّوا في دينكم بسنّتهم، فيكون لكم من عذاب الله العظيم مثل الذي لهم.
ويورد الطبري في الحديث رقم (7598) من تفسيره: حدّثني المثني قال، حدّثنا إسحاق قال، حدّثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات﴾، قال: هم أهل الكتاب، نهى الله أهل الإسلام أن يتفرّقوا ويختلفوا، كما تفرّق واختلف أهل الكتاب، قال الله عزّ وجلّ: "وأولئك لهم عذابٌ عظيم".
وفي الحديث رقم (7599) من تفسير الطبري جاء: حدّثني المثني قال، حدّثنا عبد الله بن صالح قال، حدّثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا﴾، ونحو هذا في القرآن، أمر الله جلّ ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنّما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله". 
ويُستفاد من هذه الآيات أن الذين ثبتوا على الحقّ لاينالهم العذاب، بل ينال الذين كفروا وظلموا وضلّوا. ويؤكد هذا المعنى قوله سبحانه ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ الناس أمةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾ (هود:118).
وهذا يعني أن الاختلاف المذموم هو مخالفة الحقّ والركون إلى الباطل بشتّى صوره. وليس معنى الذمّ في تلك الآيات أن الله سبحانه وتعالى يعذّب أطراف الاختلاف. وحينئذٍ فالاستمساك بالحقّ، عبر دعوة القرآن الكريم والسبيل القويم، للوقاية من عذاب الله سبحانه وتعالى.
وعلى هذا الأساس يمكننا القول إنّ الاختلاف بين علماء الدين والمفكّرين، في الأفكار والآراء و العقائد والنظريات الدينية أو سائر الأمور، ليس في حدّ ذاته أمراً سيئاً، لأنّه كما أشرنا سابقاً ينبثق من قوّة الفكر والاختيار لدى الإنسان، وهما من مميّزات الإنسان بما هو إنسان. ويمكن أن لا نرى أحداً يذمّ الاختلاف بما هو اختلاف، و إنّما يكرهه و يذمّه العقلاء لأسباب أخرى خارجة عن نفس الاختلاف، ولكن تؤثّر على تحويل الاختلاف إلى النزاع و العنف."الاختلاف غنىً لأنّه يُثري التجربة الإنسانية و يُثري الواقع الإنساني" 
لم يكن الاختلاف في فروع الشريعة الإسلامية في بدايات ظهور الإسلام وفي عصور الاجتهاد، سبباً في النزاع أو الفرقة والإنقسام، بل كان وسيلة للبحث عن الحقّ والوصول إليه. كما أنه أنتج آثاراً إيجابية أفاد منها العلماء المسلمون فائدة عظيمة، في العلم والفكر والعمل والتطبيق والأخلاق. ولكن الاختلاف بدأ يأخذ منعطفاً آخر في العصور المتأخرة؛ إذ أصبحت الآثار تبرز في الجانب السلبي في كثير من الحالات.
ومن المؤسف أن نرى اليوم أن مجتمعاتنا تصنّف الأفراد على أساس الاختلافات بعدّة أصناف. ويُشاهَد في كلّ صنف أنّ المرء يضع نفسه ومن على شاكلته داخله، ومن يتعارض معه فكرياً يضعه خارجه؛ ذلك أن التصنيف الفكري في مجتمعاتنا لا يقف عند حدود تبيان الفروق الفكرية فقط، وإنما يتعدّاها ليصبح لها انعكاس أونفع سياسي، وتأثير مهم على سير أمور الدولة والمجتمع.
الحوار 
يكتسب الحوار في تراثنا الثقافي والحضاري معنى يدل على قيم ومبادئ هي جزء أساسي في الثقافة والحضارة الإسلاميتين. فمن حيث الدلالة اللغوية، نجد أن جذر (ح، و، ر)مثقل بالمعاني التي تدل على مفاهيم أصيلة في تراثنا الثقافي والحضاري، ففي لسان العرب، الحوار هو الرجوع، وهم يتحاورون، أي يتراجعون الكلام، والتحاور هو التجاوب والمجاوبة، والحوار هو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء.. والمحاورة مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة، بل إنه ليدهشنا حقا أن يكون من أسماء العقل في اللغة العربية، الأحور. 
بعد التعرّف على مفاهيم الكلمات المفتاحية، أعني الثقافة والإسلام والاختلاف والحوار، نتطرّق إلى مفهوم"ثقافة الاختلاف في الإسلام" من وجهة نظر الإسلاميين وعلاقته بالحوار. والمقصود من ثقافة الاختلاف في الإسلام في هذه المقالة ما يُستنبَط ويُستخرَج من الآيات القرآنية والسيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين في مواجهة الاختلافات الفكرية والعقائدية، وما يتعلّق بها من الحرّيات الدينية والتعايش السلمي والحوار وحرّية الرأي والتعبير ومايشبه ذلك. فتنقسم وجهات النظر في هذه القضية إلى قسمين أساسيين، ولكلّ قسم مؤيّدون ومخالفون، ونختصرهم هنا بفئتين: 
الفئة الأولى: تضمّ من يرى أنّ ما يُستنتَج من هذه النصوص المقدّسة في الإسلام لايدلّ إلاّ على رؤية متزمّتة عن الإسلام في مواجهة المخالفين فكرياً وعقائدياً. وبالتالي لاتوجد في الإسلام حرّية الرأي والتعبير ولا التسامح ولا الانفتاح على الآخر المخالف ولا يمكن القيام بالحوار مع المخالفين لمعالجة الاختلاف. وعليه، لا يمكن الاعتراف بالتعدّدية الدينية والمذهبية حسب الآيات القرآنية والنصوص الشرعية في المجتمعات الإسلامية. وإن الممارسات العملية التي تقوم بها هذه الفئة ترسم صورةً خاطئةً عن الدين الإسلامي.
 والآية 85 من سورة آل عمران ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ هي من أشهر الآيات التي تستشهد بها هذه الفئة لادّعاء رفض الإسلام التعدّدية الدينية.
الفئة الثانية: تضمّ من يذهب إلى الاستنباط من الآيات والروايات ما يدلّ على عكس ما تعتقده الفئة الأولى. وترى هذه الفئة أنّ النظر الدقيق في الآيات والنصوص المقدّسة بجميع جوانبه يبيّن أن الإسلام هو دين الرحمة والحرّية والحوار والانفتاح على الآخر، ولايُكرِه الآخرين على اعتناق الإسلام ويحترم حرّية الرأي والتعبير ولذلك نحن نرى في سيرة النبي محمد(ص) أنه يقوم بالحوار مع المخالفين حتى الكفار والمشركين. وهناك مساحة مدروسة للتعدّدية الدينية والمذهبية في المجتمع الإسلامي. ومن أشهر الآيات التي تستدلّ بها هذه الفئة في موضوع اعتراف الإسلام بالتعدّدية الدينية هذه الآية:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئينَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة: 62). 
إذاً، وجهتا النظر هاتان متعارضتان في موضوع ثقافة الاختلاف في الإسلام. وكلتاهما تستشهدان بالنصوص المقدّسة الإسلامية. وبالعودة إليها عموماً، والقرآنية منها خصوصاً، ربّما يوجد ما يوحي بالتناقض. يجدر بنا أن نشير هنا إلى أنّ ثقافة الاختلاف في الإسلام تندرج ضمن مسار التعرّف على حقيقة الدين الإسلامي، من خلال معرفة العلوم القرآنية، مثل المُحْكم والمُتشابه أوالناسخ والمنسوخ أوالمطلق والمقيّد...إلخ، ومعرفة علوم الحديث والرواية، مثل علم الرجال والدراية. وينبغي أيضاً ألاّ يعزب عن بال باحث الحقيقة الظروف التي وردت فيها هذه النصوص الإسلامية. وهذا بالتأكيد يساعد الباحث على فهم حقيقة رؤية الإسلام في هذا الموضوع المهم الذي يؤثّر بشكل كبير على مجتمعاتنا الإسلامية. من هذا المنطلق، فإن منطق الفئة الأولى أن الاختلاف من منظور الإسلام هو أمرٌ سيّئ، وأنه يجب على الجميع أن يعتنق الدين الإسلامي طوعاً أو كرهاً، ولامجال لحرّية الرأي والتعبير والتعدّدية، في مقابل الفئة الثانية التي ترى أن الاختلاف من وجهة نظر الإسلام أمرٌ مشروع، وأنه يمكننا أن نؤسّس على أساسه نظاماً معرفيا تنتظم تحت ظلّه تعدّدية الأفكار والإجتهادات؛ وبالتالي يصبح التمايز الحاصل بين علماء المسلمين و مثقّفيهم حالة إثراء وغنىً بدل أن يكون مَدعاة لإثارة الخلاف والشقاق والفتنة. ويستطيع المسلمون أن يعالجوا اختلافاتهم عبر الحوار البناء والهادف.
الإسلام يعترف بشرعية الاختلاف
إنّ الفئة التي تنتمي إلى القسم الثاني، أي المعتقدون بأنّ الإسلام يعترف بشرعية الاختلاف وحرّية الرأي والتعبير والتعدّدية وسائر القِيم المرتبطة بها، تستشهد بالنصوص القرآنية والروايات، إضافةً إلى التجربة المعاشة للنبي محمد(ص). ونستعرض بعض الآيات التي تستدلّ بها هذه الفئة:
﴿وَمِنْ آياتهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِّلْعَالِمِينَ﴾ (الروم: 22).
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود: 118).
﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ (المائدة: 48).
﴿يَا أيهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾(الحجرات: 13).
﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عليمٌ﴾ (البقرة: 256). 
وتشير هذه الآيات، بحسب رؤية هذه الفئة، إلى وجود الاختلاف على أساس السنّة التكوينية والتشريعية في العالم، على النحو التالي:
 1-تدلّ الآية الأولى على وجود الاختلاف بين النّاس تكوينياً.
 2-تشير الآية االثانية إلى وجود واستمرار الاختلاف بين النّاس على أساس مشيئة الله؛
3- في الآية الثالثة نجد تشريع الاختلاف بين النّاس في الشرائع والمناهج. ليصلوا إلى نتيجة تقول: إنّ الاختلاف من المنظور القرآني يوجد تكويناً وتشريعاً، فهو من مشيئة الله، لأنّه تبارك وتعالى يُصرّح في الآيات المتعددة بأنّ الله لو أراد عدم الاختلاف بين النّاس لجعلهم أمّة واحدة. 
4-تدلّ الآية الرابعة على أن الاختلاف الناس في الجنس وأيضاً في القبائل والشعوب، دليله لايكون إلا في التعارف بين الناس. وبالتالي فإن هذه الاختلافات التكوينية ليست سبباً للتفاخر بين الناس ولاالفوز بالجّنة والتقرّب إلى الله؛ بل التقوى هي سبب التقرّب والفوز.
وأيضاً، نلاحظ في الآية الأخرى في هذا السياق أن الله يخاطب نبيّه بقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين﴾ (يونس: 99)، إذاً، مشيئة الله تتعلق بأن يجعل الناس مخيّرين بين الإيمان والكفر؛ ولايريد الله سبحانه أن يجبر الناس على الإيمان، وأنت أيها الرسول(ص) لاتسطيع أن تجبرهم على ذلك.
يقول ابن عاشور في تفسير هذه الآية: والمعنى: " لو شاء الله لجعل مدارك الناس متساوية منساقة إلى الخير، فكانوا سواءً في قبول الهدى والنظر الصحيح. و(لو) تقتضي انتفاء جوابها لانتفاء شرطها. فالمعنى: لكنّه لم يشأ ذلك. فاقتضت حكمته أن خلق عقول الناس متأثرة ومنفعلة بمؤثّرات التفاوت في إدراك الحقائق فلم يتواطؤوا على الإيمان. وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلا إذا استكملت خلقة عقلها ما يهيّئها للنظر الصحيح وحسن الوعي لدعوة الخير ومغالبة الهدى في الاعتراف بالحق ". 
كما يستندون إلى سيرة الرسول الأكرم(ص) إتجاه النصارى واليهود، لإعطائهم حقّ الحرّية لقبول الإسلام والدخول في فئة المسلمين، أو رفضه وقبول التعايش السلمي مع المسلمين. على سبيل المثال: 
ويذكر المؤرخون أنّ النبي(ص)، أوّل ما استقرّ به المقام في يثرب (التي سُمّيت فيما بعد بالمدينة) في الشهور الاولى من وجوده، أراد أن يوحّد ذلك المجتمع الذي رآه يضم فئات وشرائح إجتماعية متعدّدة عرقياً ودينياً. فكان أوّل تنظيم إجتماعي سياسي قانوني أقدم عليه، هو تدوين وإقرار الصحيفة المدنية، التي كتبها لتنظيم العلاقة وتحديد المسؤوليات والحقوق بين جماعات المؤمنين من المهاجرين بفئاتهم وأحلافهم والأنصار بفئاتهم وأحلافهم، وفيما بينهم وبين الأقليّات الدينية الموجودة آنذاك من يهود أو وثنيين، حيث أقرّهم على دينهم وأموالهم بشروطٍ لهم وعليهم، كما ورد في نصّ الوثيقة.   
فكان أهل الكتاب، وخاصةً اليهود، جزءً من ذلك المجتمع، وأُسسّت العلاقة معهم على خلفية اشتراكهم في الوطن، كأوّل تجربة في التاريخ تعكس السماحة والتآلف في مجتمع متنوّع. فالنبي(ص) أقرّ هذه الأقليّات على دينها وثقافتها، وأعطاهم حقّ المواطنة، وأخذ عليهم قيامهم بمسؤولياتهم إتجاه مجتمعهم من التكافل والدفاع والنصرة، والخضوع للقيادة السياسية الواحدة، ولم يُجبر أحداً منهم على اعتناق الديانة الرسمية، على أن تبقى الحاكمية العليا للإسلام في ذلك الوطن. 
كما يستندون إلى سيرة الإمام علي(ع) آخر خليفة من الخلفاء الراشدين، في مواجهة الخوارج - الفرقة الإسلامية التي نشأت في عهد الخليفة علي بن أبي طالب(ع) نتيجة الخلافات السياسية بينه وبين والي الشام معاوية بن أبي سفيان. وقد عُرفت هذه الفرقة بأنّها أشدّ الفرق شراسة في الدفاع عن آرائها، والتي سنتحدث عنها بالتفصيل في الفصول القادمة. ورغم أنّهم كانوا يعارضون الإمام علي(ع) في القول والفعل، ولكن لم يتعرّض الخليفة لهم مادام لم يتمسّكوا بالسيف والبغي.
 يقول بعض المفكّرين أنّ الخليفة علي بن أبي طالب وضع منهجاً قويماً في التعامل مع هذه الطائفة، تمثّل هذا المنهج في قوله للخوارج: " .. إلا إنّ لكم عندي ثلاث خِلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا" . 
كما يشير الدكتور يوسف القرضاوي -في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة القطرية في برنامجها الأسبوعي " الشريعة والحياة "،-إلى "أنّ مفهوم التعدّدية يعني اختلاف الناس. يعني أنّ الناس ليسوا شيئاً واحداً. والتعدّد موجود في الحياة بألوان شتّى: منها التعدّد الديني، ومنها التعدّد الجنسي العنصري، ومنها التعدّد اللوني، والتعدّد اللساني اللغوي، كما قال القرآن ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾(الروم: 22)، الذي يعني أنّ الناس تختلف ألسنتها وتختلف ألوانها وتختلف عناصرها وعروقها وتختلف أديانها. كما اعتبر القرآن اختلاف الدين أو تعدّد الأديان واقعاً بمشيئة الله تعالى، ومشيئة الله تعبِّر عن حكمته، والمشيئة الإلهية مرتبطة بالحكمة الإلهية؛ لا يشاء الله إلا ما فيه حكمة ولذلك قال الله تعالى ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ (هود:118-119) المفسرون يقولون (ولذلك خلقهم)، أي وللاختلاف خلقهم، خلقهم ليختلفوا. فمادام أعطى كلاً منهم العقل ليفكّروا، فعقلي ليس مثل عقلك، وإرادتي ليست مثل إرادتك، أنا أفكّر بتفكير غير ما تفكّر فيه وأميل إلى أشياء قد لا تميل أنت إليها، فلابدّ أن نختلف، ولذلك قال (ولذلك خلقهم). مادام أعطاهم العقل والإرادة، فلابدّ أن يختلفوا. ولذلك لا يفكّر المسلم أن يجمع الناس بالقهر وبالقوّة على دين واحد. لماذا؟ لأنه ضدّ إرادة الله ربّنا الذي أراد للناس أن يختلفوا". 
إن التفسيرات والرؤى التي قدّمها هؤلاء العلماء المسلمون تبيّن لنا أنّ الإسلام يعترف بالاختلاف والتعدّدية في المجتمع من وجهة نظرهم، ويؤسس لقِيم التعامل الإيجابي مع الآخرين المختلفين في الدين والمذهب والاعتقاد.

علاقة ثقافة الاختلاف في الإسلام بالحوار
بعد تبيين مفهوم ثقافة الاختلاف في الإسلام في السطور الماضية، نتناول علاقة الحوار بثقافة الاختلاف لأن "الحوار" هو من ضمن مجموعة القِيم التي ترتبط بقضية الاختلاف. وهو من مميّزات الإنسان، وبمثابة منهج عقلي وأخلاقي لمعالجة الاختلافات، لأنّ الحوار يساعدنا على فهم الآخرين بشكل أفضل، وهو قيمة يعترف بها معظم الناس. ولايدخل في الحوار إلاّ من يعترف بشرعية الاختلاف. وإن كلمة الحوار تستوعب كلّ أنواع وأساليب التخاطب، سواء كانت ناتجة عن خلاف بين المتحاورين أو عن غير خلاف، لأنها إنّما تعني الاستجابة والمراجعة في مسألة موضوع التخاطب، والذي هو وليد تفاهم وتعاطف وتجارب. 
 وبعبارة أخرى، "الحوار يعني احترام حرّية الآخرين والسعي للوصول إلى التعارف والتفاهم. ويتيح الحوار للإنسان فرصة الإطّلاع على الرأي الآخر، بشكل مباشر واضح".  وليس الهدف من الحوار مجرّد فك الإشتباك بين الآراء المختلفة، أو تحييد كلّ طرف إزاء الطرف الآخر، وإنّما هدفه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التفاهم بين الناس، وتمهيد الطريق للتعاون المثمر فيما يعود على جميع الأطراف بالخير، وذلك بالبحث عن القواسم المشتركة التي تشكّل الأساس المتين للتعاون البنّاء بين الأمم والشعوب. والحوار يضع أساساً ليشكّل إحدى أرقى مراتب التفاعل في منظومة العلاقات الإنسانية؛ بينما يكتسب هذه الأهمية مع وجود الإنتماء الثقافي والحضاري. كما أنه يشكّل فرصة سانحة لطرفي الحوار للتخلّي عن أهواء الإلغاء، والهيمنة والأحاديّة. وعلى هذا النحو يكون الحوار ضرورة تُفضي إلى التجاور والتعايش، في حال انعدام إمكانية التكامل والإندماج.
 إن الحوار يؤدّي وظيفة مهمّة على صعيد تحقيق الإستقرار والسلم الإجتماعي، وذلك لأن قسماً كبيراً من المشاكل والأزمات في العلاقات الإجتماعية تنشأ من جهل الناس ببعضهم، وتصوّر كلّ طرف للآخر على غير حقيقته، وذلك بسبب التباعد والقطيعة، أو لحدوث سوء ظن أو سوء فهم في البيان، بتفسير كلام ما، أو عمل ما، تفسيراً خاطئاً.
 ومن الواضح أنه لايُقام الحوار إلاّ بوجود الطرفين المختلفَين على أساس قبول الاختلاف وحرّية الرأي، لكن ضمن شروط وقواعد سنوضحها لاحقاً.
يقول السيد محمد حسين فضل الله في هذا السياق: 
"عندما نتحدث عن الحوار، فإننا ننفتح على مفهومٍ يحرّك التواصل الإنساني، ويمثّل نقل كلّ عناصر الفكر الإنساني بكلّ خصائصه الثقافية والشعورية للإنسان الآخر، الذي يقوم بالدور نفسه بالنسبة لهذا الشخص. ومن هنا، فإننا نعتبر بأن الحوار هو معنى أن يكون الإنسان إجتماعياً، واللاحوار يعني موت الحركيّة الإنسانية بالنسبة للآخر، وأن يعيش كلّ إنسان معزولاً عن الإنسان الآخر". 
      ولا شك أن الحوار يقوم على القول والاستماع بمعنى أن أطراف الحوار يقومون بإظهار ما في قلوبهم للآخرين من جهة ويستمعون إلى أقوال طرف الآخر من جهة أخرى. ولذلك يمكن القول إن الآية القرآنية " فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿سورة الزمر:١٧-١٨﴾ تدعو بشكل غير مباشر إلى الحوار لأن استماع القول عادة يرافق الكلام والتحاور حول الحقيقة وهناك آية أخرى تشير أيضا إلى الحوار حيث تقول"قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿البقرة:من الآية١١١﴾ لأنه لايصح طلب البرهان إلا في موضع التحاور. والإسلام يدعو المسلمين إلى القيام بالحوار مع المخالفين على أساس الموضوعية، تشير الآية القرآنية إلى هذا المعنى حيث تقول من لسان النبي محمد(ص) في مواجهة الكفار" وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿سورة سبا:٢٤﴾ إذا يمكن أن ندعي أن الإسلام ينظر إلى الحوار  كمنهج قويم لمعالجة الاختلاف مع الآخر والنبي محمد(ص) كأسوة وقدوة للأمة" لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ﴿الأحزاب: ٢١﴾ يرشدنا إلى هذا الطريق لمعالجة اختلافاتنا.

الخاتمة
يتبيّن لنا بناءً على ما تقدّم، أنّ ثقافة الاختلاف في الإسلام تندرج ضمن مسار التعرّف على حقيقة الآيات والنصوص الإسلامية وسيرة السلف الصالح، الأمر الذي يوجد نظاماً معرفياً تنتظم تحت ظلّه تعدّدية الأفكار والإجتهادات. وبالتالي يصبح التمايز الحاصل بين علماء المسلمين ومثقّفيهم حالة إثراء وغنىً بدل أن يكون مَدعاة لإثارة الخلاف والشقاق والفتنة. وأن الحوار هو المنهج الذي يعرضه الإسلام لمعالجة الاختلافات الفكرية والعقائدية والسياسية وغير ذلك. وإننا كأمة إسلامية لا نستطيع أن نعالج خلافاتنا إلا عبر الحوار البناء والهادئ والهادف، ولا شك في أن هذا الحوار يؤدي إلى التفاهم والتفاعل أفضل بين مجتمعاتنا. فالحوار بين المسلمين أنفسهم ومع غير المسلمين اليوم حاجة ملحة لا مناص منها، فهي حقيقة واضحة لا يجادل فيها عاقل، خاصة بعد أن رأينا النتائج الوخيمة، والآثار المدمرة لغياب الحوار.
وبتقديري أن اصحاب العلم والثقافة يستطيعون أن يلعبوا دورا هاما في هذا المجال. والمطلوب منهم توفير الأجواء الملائمة، والعوامل المساعدة، لتكريس منهجية الحوار، وإنجاح مسيرته، وتفعيل دوره على المستوى الإسلامي العام. ولعل من أهم ما نحتاج إليه لتكريس منهجية الحوار، على مستوى الأمة والمجتمع الإسلامي، هو توفير ثقافة احترام الرأي الآخر المختلف وحل الاختلافات عن طريق الحوار كما ترشدنا إليه النصوص الإسلامية لا سيما القرآن الكريم. إن من الضروري بعث حركة ثقافية واسعة، تبشر بالمفاهيم الإسلامية، والقيم الإنسانية، الداعية إلى الحوار والتفاهم والتعاون، التي تهيئ النفوس في مجتمعاتنا وخاصة في المراكز العلمية والآكاديمية لتعزيز العلاقات الثقافية والتوجه نحو التفاعل العلمي والثقافي بين إيران والعالم العربي.
إنّ الاختلاف بين البشر في المجالات المختلفة هو ظاهرة معاشة، لاسيّما في المجالات الاعتقادية. والتعدّد والاختلاف بين الناس كان قائماً منذ وجود البشر في الأرض، وسيبقى إلى يوم القيامة.
 وطوال التاريخ كانت تبرز الجماعات أو الفئات التي ينتمي أتباعها إلى الأديان المختلفة، والذين كانوا ولايزالون يمارسون العنف ضدّ من يختلف معهم في الاعتقاد أو الدين أو المذهب. 
لاشك أنّ النزاع والعنف، في أيّ شكلٍ من الأشكال، يستند إلى الخلاف والاختلاف بين طرفين. عليه يمكن القول إنّ السبب الرئيسي للنزاع أوالعنف الديني هو الاختلاف، أي الاختلاف في العقيدة والرأي، وفي سُبل مواجهة الاختلاف. وعلينا كالمسلمين البحث عن ثقافة معالجة الاختلاف من منظور الإسلام، لأن المعرفة الصحيحة لهذه الثقافة تساعدنا في معالجة الاختلافات التي نواجهها في حياتنا اليومية من الفكرية والعقائدية والسياسية وغير ذلك.
ذهبت بعض الجماعات والتيارات الإسلامية إلى معالجة الاختلاف عن طريق الاعتراف بشرعية الاختلاف واحترام الآخر المخالف واعتماد الحوار لحلّ الاختلاف استنادا بالنصوص الإسلامية؛ وفي المقابل، تعامل آخرون مع الاختلاف عن طريق إسكات المخالف بالشدّة والقوّة، أو بإلغائه من المجتمع بأيّة طريقة كانت، حتى ولو بالعنف و تستشهد هذه الفئة أيضا في وجهة نظرها إلى الآيات والروايات الإسلامية. من هنا كانت الاستنباطات المجتزأة من النصوص الإسلامية من جانب بعض المنتسبين إلى الإسلام خلال القرون الماضية سبباً كي يؤسس بعض الخلفاء والملوك المسلمين الدول الدكتاتورية باسم الإسلام.
يقول الشيخ حسن الصفار في هذا الصدد: "إن عصور التخلّف المظلمة التي مرّت على أمّتنا أعطت الإسلام صورة سلبية، بأنه يدعو إلى الدكتاتورية والاستبداد، ويسمح بممارسة القمع والارهاب. كما أن بعض الجهات والطروحات في الساحة الإسلامية لاتزال إلى اليوم تصرّ على التفرّد بالساحة والاستبداد بالرأي ولاتحترم الموقف المغاير! وبالطبع، فإنّ تلك الصور السلبية من الماضي والمواقف المتعصبة من الحاضر تحدث خوفاً وقلقاً عند الناس تجاه الإسلام، وتصبح مستمسكاً ومبرّراً لدى المخالفين لتطبيق الإسلام" . نحن في هذه المقالة نتطرق بداية إلى ثقافة معالجة الاختلاف من منظور الإسلام ومن ثم نتناول علاقة الحوار بهذه الثقافة. ونبين تأثير الحوار الثقاقي والعلمي في تعزيز العلاقات بين إيران والعرب.
الكلمات الدليلية: الثقافة، الإسلام، الاختلاف، الحوار

ثقافة الاختلاف في الإسلام 
مفهوم الثقافة في الإسلام 

لاتُوجَد مفردة (ثقافة) في النصوص الإسلامية الأوّلية كما هي بمفهومها المعاصر. وعندما نرجع إلى القرآن الكريم، كأقدم نصّ إسلامي احتلّ مكانة مميّزة في ترشيد مسار الفكر الإسلامي، وشكّل قسماً كبيراً من ثقافة المسلمين، نرى أنّ مادة (ث ق ف) ومشتقّاتها قد جاءت في ستّ آيات، ولكن لاتدلّنا معانيها على المفهوم الواسع الذي نستخدمه اليوم. وتالياً نشير إلى بعض هذه الآيات.
﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾(البقرة: 191).
يقول القرطبي في تحليل (ثقفتموهم): يقال: ثقُف، يثقُفُ، ثقفاً، ورجل ثِقف لِقف: إذا كان محكماً لما يتناوله من الأمور.  
ويقول الطبري: معنى (الثَّقفة) بالأمر: الحذق به والبصر، يقال: "إنّه لثقفٌ لقفٌ إذا كان جيّد الحذر في القتال بصيراً بمواقع القتال. وأما (التثقيف) فمعنى غير ذلك ، وهو التقويم ، فمعنى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ في أيّ مكان تمكنتم من قتلهم، وأبصرتم مقاتلهم. 
والمفسّر الآخر الذي نذكر رأيه هنا هو الشيخ الطبرسي، حيث تطرّق في تفسير هذه الآية إلى تحليل مُفردة (ثقافة) بقوله: " ثقفته أثقفه ثقافة أي وجدته، ومنه قولهم: رجل ثقف، أي يجد ما يطلبه. وثقف الرجل ثقافة فهو ثقف، وثقف ثقفاً بالتحريك، فهو ثقف إذا كان سريع التعلّم، والثقّاف حديدة يقوّم بها الرماح المعوّجة، والتثقيف التقويم. 
﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أينَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّـهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ﴾(آل عمران: 112). 
وفي تفسير هذه الآية أيضاً تشير معظم التفاسير، ومن ضمنها تفسير الطبري، إلى أنّ كلمة (أينَمَا ثُقِفُوا) تعني أينما وُجدوا أو لُقوا .
والأمر كذلك بالنسبة إلى سائر الآيات القرآنية التي وردت فيها هذه المادة( ث ق ف). واحترازاً عن التطويل لا نذكر سائر الآيات. إذاً، لا يُوجَد في القرآن الكريم مفهوم الثقافة بهذا المفهوم الواسع الذي نتناوله اليوم.

 (الثقافة) في معاجم اللغة العربية
 يرد في معاجم اللغة العربية جذر هذه الكلمة بمعنى: العلوم والمعارف والفنون التي يُطلب الحذق فيها. ومعظم هذه المعاجم تُعرّف مادة الثقافة بأنّها تُستخدَم للشخص الحاذق، سريع التعلّم، أو الإحاطة بالعلوم والفنون.
"ثقافة: 1-مصدر ثقف وثقف.2-حذق، مهارة 3-إحاطة بالعلوم والفنون والآداب وبشؤون الحياة والناس".  وفي المعجم الوسيط وردت هذه الكلمة بمعنى العلوم والمعارف والفنون التي يُطلب الحذق فيها.  وفي سائر معاجم اللغة العربية نرى تقريباً نفس المعنى، "ثقف يثقُف، ثقافة، فهو ثقف: ثقف الشخص صار حاذقاً فطناً: انكبّ على المطالعة حتى ثقُف".  "ثقُف: ثقف يثقف، ثقفاً وثقفا وثقافة.ثقف: صار حاذقاً ماهرا. ثقف الخل: صار شديد الحموضة. ثقف: ثقف – يثقف، ثقفاً وثقافة وثقوفة –ثقف الشيء: تعلّمه سريعاً". 
ويعرّف معجم اللغة العربية المعاصرة هذه الكلمة بأنّها "مجموعة ما توصَّلت إليه أمَّة أو بلد في الحقول المختلفة، من أدب وفكر وصناعة وعلم وفن، ونحوها، بهدف استنارة الذهن وتهذيب الذوق وتنمية مَلَكة النقد والحكم لدى الفرد أو في المجتمع".  
وجاء في لسان العرب لابن منظور: " ثقف: ثقف الشيء ثقفاً وثقافاً وثقوفةً: حذقه. ويُنقل عن قول ابن سكيت: رجل ثقفٌ لقف: إذا كان ضابطاً لما يحويه قائماً به، ويُقال ثِقفَ الشيء وهو سرعة التعلّم.
وثقف أيضاً ثقفاً تعب تعباً ، أي صار حاذقاً فطناً، فهو ثقفٌ وثِقف مثل حذُرٍ وحذرٍ وندسٍ وندُس. ففي حديث الهجرة: وهو غلام لَقِنٌ ثَقِفٌ أي ذو فطنة وذكاء، والمراد أنّه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه. 
ويمكن أن نستنتج من هذه المعاني التي ذُكرِت في معاجم اللغة العربية، أنّه يُوجَد نوعٌ من العلاقة بين بعض المعاني المذكورة ومفهوم الثقافة بالمعنى الواسع الحالي لها، لأنّ معنى شخص مثقّف حالياً هو الشخص الذي يعرف العادات والتقاليد والأعراف والقِيم الإجتماعية والآثار الفكرية والأساليب الفنية والادبية وأنماط السلوك في المجتمع؛ وتعبير المثقّف في التعاريف القديمة كان يُطلَق على الشخص الذي كان سريع التعلّم وحاذقاً وثابت التعلّم بما يحتاج إليه. وفي كلا التعريفين نرى أنّ مادة العلم قد لُوحظَت؛ وتُوجَد إشارة في كليهما إلى أنّ المثقّف يعني الشخص العالِم والخبير في الأمور بوجهٍ ما. فاللفظ العربي يعتبر الإنسان مثقّفاً طالما هو ثابت المعرفة بما يحتاج إليه في زمانه وعهده ومجتمعه.

 مفهوم الثقافة من منظور المفكّرين الإسلاميين
تعدّدت التعاريف والتفاسير حول مفهوم الثقافة بين المفكّرين الإسلاميين، كما كان تعريفه متعدّداً بين الغربيين، لأنّه من الصعب جداً أن نجد تعريفاً جامعاً لهذه الكلمة، لما فيها من الحدود المشتركة مع العلم والحضارة ولشمولها مجموعة من المواضيع في داخلها.
ولعلّ صعوبة تعريف مفهوم الثقافة تعود إلى أنّ هذا المفهوم يدلّ على عدّة قِيم تجتمع في شخص أو في جماعة، وتنتقل من جيلٍ إلى جيلٍ آخر. لذلك، في القرون الأخيرة، بحث علماء العلوم الاجتماعية عن كلمةٍ جامعة تحتوي على كلّ جوانب هذا المفهوم، واختاروا كلمة الثقافة للدلالة على المعنى المقصود.
وتالياً نشير إلى بعض التعريفات التي صدرت عن بعض المفكّرين الإسلاميين:
إنّ الثقافة تعني: "مجموعة من الصفات الخلقيّة والقِيم الإجتماعية التي يتلقّاها الفرد منذ ولادته كرأس مال أوّلي في الوسط الذي ولِد فيه. والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكّل فيه الفرد طباعه وشخصيته، بما أنّها تمثّل الرَّحم التي يتخلّق فيها جنين الحضارة، خاصةً وأنها الشيء الذي يكيّف الإنسان الذي يصنع التاريخ".  
ويعرّف الدكتور علي شريعتي (من المفكّرين الإسلاميين المعاصرين) مفهوم الثقافة بقوله: "الثقافة تعني مجموعة من الآداب والرسوم والتقاليد والتعامل الجماعي، والتي تتجلّى في المعنويات من: الفن والتاريخ والأدب والدين والتعامل مع الآخرين". 
ويقول الشيخ مصباح اليزدي في تعريف الثقافة: "ذكر علماء الإجتماع ما يقرب من خمسمائة تعريف لمفهوم "الثقافة". ومن الصعوبة بمكان التطرّق لها على انفراد وتدارس نقاط القوّة والضعف لكلٍ من هذه المعاني ومقارنتها إلى الدين. ونحن هنا نطرح ثلاثة تعاريف، كلٌّ منها يشتمل على عدد كبير من التعاريف، ثمّ نتطرّق بالبحث لعلاقة كلٍّ منها بالدين.
تعرَّف الثقافة في بعض التعاريف على أنها شاملة للعقائد والقِيم والأخلاق وألوان السلوك المتأثرة بهذه العناصر الثلاثة، وكذلك الآداب والتقاليد والأعراف الخاصة بمجتمع معيّن. وفي النمط الآخر من التعاريف تُعتبر الآداب والتقاليد اللبنة الأساسية للثقافة، وتعرّف الظواهر المجرّدة للسلوكيات دون الأخذ بعين الاعتبار مرتكزاتها العقائدية على أنها ثقافة المجتمع. وأخيراً تعرَّف الثقافة في طائفة أخرى من التعاريف بأنها العنصر الذي يمنح حياة الانسان المعنى والاتجاه". 
وبناءً على ما أسلفناه يمكن القول إن الثقافة من منظور المفكّرين الإسلاميين تعني مجموعة العادات والتقاليد وأنماط التفكير والقِيم والسلوك الإجتماعي، التي تُستنبط من الآيات القرآنية والنصوص الإسلامية وسيرة السلف الصالح. 
وعليه، لا مناص من الرجوع إلى كتاب الله والنصوص التي تروي لنا السيرة والسنّة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين، لكي نتعرّف على ثقافة الإسلام كثقافةٍ تقدر أن تساعدنا في حياتنا الفردية والجماعية، وتمهّد لنا الطريق لتجاوز الأزمات في المجالات المختلفة، لاسيّما الإجتماعية والمذهبية منها. ولكن كشف هذه الثقافة يحتاج إلى الحركة المعرفية في العلوم الإسلامية لكي نُشرِف عليها، لاسيّما علم تفسيرالقرآن. والوصول إلى معرفة صحيحة وكاملة في الآيات والروايات ليس أمراً سهلاً وبسيطاً؛ فهو بحاجة إلى جهد مستمر في تعلّم اللغة العربية والتاريخ الإسلامي وعلوم الحديث، من الرجال والدراية، وعدّة علوم أخرى، لكي يستطيع الفرد المسلم أن يصل إلى مرحلة المعرفة والعلم بثقافة الإسلام في المجالات المختلفة، الفردية والإجتماعية. 

دور الثقافة في المجتمعات الدينية
الثقافة بمعناها الواسع لها دور كبير في المجتمعات. وهي من الأمور المهمة التي تؤثّر في جوانب الحياة الفردية والجماعية، بحيث تُفضي إلى رفع مستوى المجتمع وتجعله من المجتمعات الراقية والمتطوّرة، أو تؤدّي إلى سقوط هذا المجتمع وتفكّكه، وأحياناً تَحُول دون حصول أيّ تطوّر أوتقدّم فيه. إنّ ثقافة التعايش السلمي وثقافة معالجة الاختلافات في شتّى المجالات، لاسيّما الاختلافات الدينية والمذهبية، عبر الحوار الهادىء والهادف في مجتمعاتنا، هي حاجة ماسّة في عصرنا الراهن.

مفهوم الإسلام 
نجد في القواميس والمعاجم اللغوية تعريفاً موسّعاً وعاماً لكلمة الإسلام: أَسلَمَ، يُسلِمُ، إسلاماً، فهو مُسلِم، يعني مجرّد تسليم الفرد مقابل شخص أو أمر ما. وبعبارة أخرى، معناه مجرّد الخضوع والتسليم.
فقد ذكر الكثير من المعاجم اللغويّة أن معنى الإسلام هو الاستسلام والانقياد. ففي معجم مقاييس اللغة: "الإسلام هو الانقياد" ، وفي لسان العرب: "الإسلام والاستسلام: الانقياد". وكذلك ورد فيه معنىً آخر هو الإخلاص لله في العبادة" . ويعرّف بعض المعاجم "الإسلام" بأنّه الشريعة المحمّدية التي أُنزِلت على النبي محمد (ص)، كما يلي: "الدِّين السَّماويّ الذي بعث اللهُ به محمدًا صلَّى الله عليه وآله وسلّم: الإسلام باللِّسان والإيمان بالقلب ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ (المائدة:3) الشَّريعة الإسلاميَّة"  وفي معجم معاني الأسماء "(الإسلام) إسم علم مذكّر ومؤنّث، يُسمّى به من كان على دين الإسلام. والإسلام هو إظهار الخضوع والقبول لِما أتى به النبي محمد(ص) من عند الله. وهو الإخلاص لله والتسليم لأوامره". 
ويمكن القول إن مفردة الإسلام كانت تعني قبل ظهور الدين الإسلامي مجرّد التسليم والانقياد. ولكن بعد بعثة النبي محمد(ص) في جزيرة العرب، وإظهار دعوته إلى الشريعة الجديدة التي جاء بها، صارت هذه المفردة إسماً علماً للشريعة المحمّدية. ولذلك يُسمّون أتباع هذا الدين بالمسلمين، أي يؤمنون بدين الإسلام. وتُستخدم في مقابل مفردة "إسلام" كلمة "كُفر"، ويُسمّون الآخرين الذين لا يؤمنون بالدين الإسلامي بالكافرين.
 وقد ذهب بعض المفسّرين والمفكّرين الإسلاميين إلى أنه من المنظور القرآني، فإنّ للإسلام معنى عام، وهو الإستسلام المطلق أمام الله، والذي يشمل الأديان جميعها. ومن هنا، فإن الإسلام لايختصّ بأمّة الإسلام، بل يشمل أتباع الأديان الأخرى أيضاً. كما أنّ إبراهيم(ع) طلب الإسلام لأمّته وذرّيته. ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة:128).
يقول الدكتور عبدالكريم سروش في هذا الصدد: "لو راجعتم تفسير الميزان للراحل العلاّمة الطباطبائي، ستجدون بأنّه يعتبر الإسلام بمعنى (الإسلام الحقيقي) الذي قلناه بالضبط. ويقول إنّ القصد من ورائه هو حقيقة الإستسلام بين يدي الله".  
وفي التعريف الاصطلاحي، إنّ الإسلام هو آخر دين من الأديان الإبراهيمية أو السماوية، وقد نزل على النبي محمد(ص)، وهو يتكوّن من العقيدة والشريعة. أما العقيدة، فهي مجموعة المبادئ التي على المسلم أن يؤمن بها، وهي ثابتة لا تختلف باختلاف الأنبياء. أما الشريعة، فهي مجموعة القوانين المفروضة في القرآن والسيرة النبوية والخلفاء الراشدين - أو أهل البيت عند الشيعة - واجتهادات علماء الدين الإسلامي، والتي تحدّد علاقة الإنسان بالله وبالناس وبالمجتمع والكون، وتحدّد ما يجوز فعله وما لا يجوز.

الاختلاف و الخلاف في اللغة
"اختلاف: [خ ل ف]، (مصدر اِختَلَفَ)؛ حصل اختلاف في الرأي بينهم يعني تضارب في الرأي، إنعدام الإتفاق. وحينما يُقال: يتمتع المواطنون بحقّ المواطنة على اختلاف مذاهبهم وأحزابهم، يعني على تنوّعها؛ وُجد في السوق فواكه كثيرة على اختلاف أنواعها، يعني على تنوّعها".  "اختلاف: [خ ل ف]، (مصدر اِختَلَفَ)؛ اختلفت الأذواق، تغايرت، تفاوتت وتناقضت. وعندما يقال: لم تتّفق المذاهب الدينية، يعني اختلفت المذاهب وتغايرت.
وحينما نقول: اختلف الصديقان في الرأي يعني تغايرا، وذهب كلٌّ منهما إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر، ولم يتّفقا".  وورد في لسان العرب أن الاختلاف يعني المغايرة، أي تغايرت آراؤهم فلم تتّفق. 
وهناك معنىً آخر للاختلاف، وهو بمعنى: التعاقُب، وهو مجيء شيء عقب الآخر وبعده  . ومنه قوله تعالى ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاختلاف اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (آل عمران: 190)، بمعنى تعاقبهما ومجيء أحدهما بعد الآخر.
ويختلف معنى خلاف في معاجم اللغة قليلاً عن معنى اختلاف: "خلاف: [خ ل ف]، (مصدر خالف )، بينهما خلاف: نزاع، خصومة؛ سوّى الخلاف بينهما. إنّه خلافٌ عابر. بخلاف ما كنت أعتقد: بعكس، على خلاف ذلك، خلافاً لأوامره" . "خلاف: مصدر خالف/ خالف عن. نزاع يجري بين متعارضَيْن لتحقيق حق أو إبطال باطل. خلافاً لكذا: على عكسه / على خلاف ذلك: على النقيض منه". 
لكن يوجد فرق جزئي بين الخلاف والاختلاف، لأنّ الخلاف أخِذ في تعريفه "النزاع والخصومة"، يعني عادةً يُستخدم الخلاف للتغاير والتعارض الذي ينتهي إلى نزاع وخصومة. ولكن الاختلاف ربّما يكون بمعنى التنوّع، كما ذُكر في بعض المعاجم مثل المعجم الغني.     
وهناك فرق بسيط بين (الاختلاف) و(الخلاف). بمعنى أنّ الاختلاف يشير إلى التباين في الرأي والمغايرة في الطرح، وفيه شكلٌ من مرونة، ولاتسيطر عليه روح الغلظة والشدّة. أمّا (الخلاف)، فهو مصدر من خالف إذا عارضه، وفيه نوع من الشدّة والخصومة. لذلك، قد يكون من الأفضل أن نعتمد في حواراتنا على استخدام مفهوم الاختلاف وليس الخلاف، فهو أقرب للتفاهم والتكامل. 

مفهوم الاختلاف في المعنى المعاصر
يطرح بعض العلماء والمفكّرين في عصرنا الحاضر تعريفاً جديداً للاختلاف، ويقولون: "اختلاف" يعني "تنوُّع"، وهذا التنوّع موجودٌ في كلّ العالم وفي جميع الكائنات. أما التنوّع بين أبناء البشر، فينقسم إلى عدّة أقسام حسب متعلّقه؛ فهناك التنوّع الثقافي والديني والمذهبي والعِرقي والفكري. إذاً، التنوّع في المجتمع ليس أمراً سيئاً بل هو سبب للتقدّم والتطوّر.
 يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين  في هذا السياق: "إن التنوّع يُعتبر ظاهرة كونية. وهذا التنوع في عالم الطبيعة بشتّى تجلّياتها لم يحدث صدفةً، كما لم يحدث بطبيعة الحال خارج الإرادة الإلهية المقدّسة. بل دلّ الكتاب العزيز والسنّة المطهّرة على أن هذا التنوّع من مظاهر الخلق الكبرى، ومن مظاهر الإعجاز في الخلق، ومظاهر الإبداع في الخلق. وتُلاحظ الآيات المباركة التي تنصّ على هذه الحقيقة في عالم الممكنات؛ فهي تدّل على أن الله سبحانه وتعالى هو أحسن الخالقين وأبدع الخالقين، لا بمجرّد إيجاد الأشياء من العدم، بل بإيجادها على هذه الصورة البديعة في تنوّعها واختلافها، وهي التي تعطي نكهةً وطعماً للعالم فتجعله عالماً جميلاً وفاتناً".     
إن هذا التنوّع في الحياة في كافة مجالاتها، خاصةً في المجالات الفكرية، ينبّهنا إلى أن الاختلاف في العالم ليس إلاّ نوعاً من التغاير بين الكائنات. وهذا التغاير الذي نعبّر عنه بالتنوّع في الحياة له المعنى الإيجابي ولايحمل المعنى السلبي. ولذلك من الأهمية بمكان أن نستفيد من تنوّع الحياة لتطويرها، لاسيّما في المجالات الفكرية. 
ويضيف الشيخ شمس الدين: "إنّ نظرةً بسيطةً إلى ما حولنا في الكون المادّي الطبيعي، وانتباهاً إلى ما يحيط بعالمنا ومحيطنا الخاص، على مساحة الكرة الأرضية، والتفاتةً بسيطةً إلى آفاق السماء وأعماق الأرض، وإلى الأكوان الأخرى في المجرّات الأخرى، تجعل الإنسان يلتقي فوراً إحدى أكبر الحقائق الموضوعية التي تطبع عالَم الشهادة القريب والبعيد، وتطبع الأكوان كلّها؛ وهي التنوّع الهائل المدهش الذي تتّسِم به كلّ العوالم: عالم المادّة الجامدة بشتّى تجلّياتها، من الذرّة وما تستبطنه من عوالم إلى المجرّات الكبرى، وعالم النبات بكلّ تنوّعاته المدهشة والرائعة والعجيبة، من البذرة الصغيرة المتناهية في الصغر، إلى الأشجار العملاقة مثل أشجار السيكويا العملاقة، وعالم الحيوان بكلّ تنوّعاته الرائعة من النملة الصغيرة إلى الكائنات الكبيرة". 
وهذا التنوّع كما يشير إليه الشيخ شمس الدين، ليس سِمة عالم الدنيا فحسب، بل هو سِمة عالم الآخرة أيضاً، لأن الآيات القرآنية المباركة تدلّ على اختلاف الدرجات بين الفائزين. وهكذا الأمر بخصوص الخاسرين.
إن التنوّع في عالم الموجودات المادّية يدفع الشخص الواعي كي ينتقل بفكره إلى التنوّع الموجود في الغرائز والميول البشرية، وليكتشف سبب اختلاف الناس في اعتقاداتهم ونزعاتهم الفكرية والسياسية، وغير ذلك من الاختلافات الموجودة بين أبناء البشر.
يقول الشيخ شمس الدين بخصوص ظاهرة التنوّع الفكري والاعتقادي بين الناس: "إذا قارنّا هذه الظاهرة في تنوّع البشر الاعتقادي، مع ظاهرة التنوّع والتعدّد الشاملة لكلّ مظاهر الخلق المادّي في جميع الأكوان، فينبغي أن نراها ظاهرةً طبيعيةً تنسجم مع أهداف الخلق، وأهداف الوجود في هذا العالم". 

نظرة الإسلام إلى الاختلاف 
إنّ معنى الاختلاف في المفهوم الإسلامي ليس غير المعنى المصطلح في اللغة والعُرف. ولكن من وجهة النظر الإسلامية، الاختلاف في الخلق هو سنّة كونية كما يشير آية الله التسخيري  إلى هذا المعنى حيث يقول: الاختلاف سنّة كونية، أعطت للحياة ألواناً مختلفةً من التفكير والسلوك " ، والاختلاف في أفكار وآراء الناس هو مُعطى من معطيات وجود الإنسان. وينبغي ألا يعزب عنّا أنّ منشأ الاختلاف واستمراره في العالم إنّما هو مشيئة الله، كما تشير إلى هذا المعنى الآية ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود 118:)، وفي تلك الآية إشارتان؛ الأولى: أنّ الله لم يرد أن يكون الناس أمّة واحدة، أو انّه أراد اختلافهم في الأفكار والآراء كما أراد الاختلاف في خلقهم. الثانية: فيها إشارة إلى أنّ هذا الاختلاف باقٍ إلى يوم القيامة. 
وفي هذا السياق، يقول الشيخ يوسف القرضاوي إن الاختلاف ينشأ من الفطرة الإنسانية، التي لا يمكن مخالفتها: "إنّ من العبث، كلّ العبث، أن يراد صبّ الناس كلّهم في قالب واحدٍ في كلّ شيء، وجعلهم نسخاً مكرّرة، ومحو كلّ الاختلاف بينهم. فهذا غير ممكن، لأنّه يخالف فطرة الله التي فطر عليها الناس؛ وغير نافعٍ لو أمكن، لأنّه لانفع في مخالفة الفطرة. بل من خالف الفطرة عاقبته عقاباً معجّلاً. ثمّ إنّ هذا الاختلاف إنّما هو اختلاف تنوّع، لا اختلاف تضاد. والتنوّع دائماً مصدر إثراء وخصوبة، وهو آية من آيات الله الدالّة على عظيم قدرته وبديع حكمته. والاختلاف في صفات البشر، وفي اتجاهاتهم النفسية، يترتب عليه -لامحالة- اختلافهم في الحكم على الأشياء، والمواقف والأعمال. ويظهر ذلك في مجال الفقه، وفي مجال السياسة، وفي مجالات والسلوك اليومي والعادي للناس". 
ويمكننا القول إن الاختلاف في العالم من منظور القرآن أمرٌ واقعي لامجال فيه للمناقشة، وهو لا يحتاج إلى مزيد من البيان والإيضاح، لأنّ هذا الاختلاف واضح وبديهي بالنسبة لكلّ الناس، سواء كان الاختلاف في الظواهر أو في الأفكار وآراء البشر". ولابّد أن يختلفوا، فإنّ هذا من لوازم الطبع البشري. لا يمكن أن يكون بنو آدم إلاّ كذلك"  ؛ لأنّ مساحة الاختلاف بين البشر هي جزء من الناموس وقانون الوجود الإنساني. وهي مساحة فتحها الله أمام الإنسان في حياته لكي يستطيع أن يرتقي في المجالات العلمية والفكرية، وبالتالي يفتتح في كلّ عصر آفاقاً جديدة في ميادين المعرفة والحياة. والإسلام اعتبر الاختلافات الفكرية بين الناس أمراً معقولاً، ونتيجة طبيعية لحرّية الفكر والمعتقد. ولهذا، فإن الله لم يخلق الناس أمّة واحدة تتقاسم نفس الأفكار من ناحية الإيمان والعمل، على الرغم من قدرته المطلقة على ذلك. وكان يمكن لله تعالى أن يجعل الناس جميعاً شعباً واحداً و متمتّعين برأي واحد. ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾(هود: 118). وإلى جانب مطالبته عامّة الناس بالتمسك بالتوحيد والإستقامة ، فإنه وفّر لهم فرصة الاختلاف. وسوف نوضح رؤية الإسلام بخصوص تأثير الاختلاف والأمور التي ترتبط به ودوره في المجتمعات الدينية.
يشير الشيخ التسخيري إلى هذا المعنى حيث يقول: "إن الإسلام دين الفطرة، أي أنه دين واقعي لايتعامل مع الخيال، وإنما يتعامل مع الواقع، سواء كان على صعيد الوجود كلّه، أو على صعيد التاريخ الإنساني، أو على صعيد الفطرة الإنسانية، وهي السرّ الوحيد لتميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات.
ومن عجائب الفطرة هذا الانسجام التكويني الرائع بين القناعة الفكرية، والميول العاطفية والسلوك العملي في الإنسان. كما أن من عجائبها هذا التنوّع في دراسة الأشياء ومعرفتها وتطبيق البديهيات العقلية عليها. وربّما كان من عجائبها أيضاً اختلاف وجهات النظر والاجتهادات في تحليل القضية الواحدة". 
ويشيرالعلاّمة الطباطبائي إلى بعض الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّـهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ (البقرة:213)، و﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ (هود:119)، وأيضاً قوله تعالى ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ ليقول: وهذا الاختلاف كما عرفت ضروريّ الوقوع بين أفراد المجتمعات الإنسانية، لاختلاف الخلقة باختلاف المواد، وإن كان الجميع إنساناً بحسب الصورة الإنسانية الواحدة، والوحدة في الصورة تقتضي الوحدة من حيث الأفكار والأفعال بوجه، واختلاف المواد يؤدّي إلى اختلاف الإحساسات والإدراكات والأحوال في عين أنها متّحدة بنحو. واختلافها يؤدّي إلى اختلاف الأغراض والمقاصد والآمال، واختلافها يؤدّي إلى اختلاف الأفعال، وهو المؤدّي إلى إختلال نظام الاجتماع. وظهور هذا الاختلاف هو الذي استدعى التشريع، وهو جعل القوانين كلّية يوجب العمل بها ارتفاع الاختلاف، ونيل كلّ ذي حق حقّه، وتحميلها الناس". 
بناءً على ما ذُكِر، يمكن القول بأن الاختلاف بين البشر هو صفة بشرية وطبيعية جِبلية فيما بينهم. وذلك عائدٌ إلى الاختلاف الملحوظ فيما بين فئات البشر واختلاف بيئاتهم، واختلاف مناهج التفكير وأنماط المعيشة لديهم، وتفاوت قدراتهم، وتباين اتجاهاتهم، وتعدّد أمزجتهم، وتداخل أهدافهم وتضارب غاياتهم، إلى غير ذلك ممّا هو سِمة لكلّ الناس مودَعة في كلّ واحدٍ منهم.

 أهميّة الاختلاف الفكري
 إن الاختلاف ينقسم إلى قسمين: الاختلاف البيولوجي(التكويني) والاختلاف الفكري، وأنّ الإسلام يعترف بالاختلاف بشقّيه، وينظر إلى الاختلاف الفكري كعامل أساسي للترقّي وللوصول إلى الكمال الإنساني؛ وبالتالي ارتقاء وكمال المجتمع. وتشير إلى هذا المعنى الآية القرآنية ﴿يَا أَيُّهَا الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عليمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13). 
فالاختلاف التكويني الذي يعني خلق الإنسان من ذكر وأنثى وإنشاء شعوب وقبائل، إنّما هو الأرضيّة التكوينية التي جعلها الله سبباً لتعارف الناس وتفاعلهم مع بعضهم البعض في المجتمع.
وفي هذا السياق يمكن أن نستشهد بآية أخرى أكثر وضوحاً فيما يتعلق بأهمية وقِيمة الاختلاف في الإسلام: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (المائدة:48). ونلاحظ في هذه الآية أنّ الله سبحانه وتعالى ينسب وجود اختلاف الشرائع والمناهج بين الناس إلى ذاته، ونرى بوضوح أنّه ينفي إرادة (جعل الناس أمّة واحدة) عن نفسه، وهو يربط بين أمرين في هذه الآية؛ يعني جَعَلَ مناهج وشرائع مختلفة من ناحية، والإبتلاء واختبار الناس من ناحية أخرى، لكي يظهر أيّ إنسان، ومن أيّ دين، فيستبق الخيرات. 
يقول العلاّمة الطباطبائي في هذا الصدد: "إنّ القرآن يقول: لو شاء الله لكان بإمكانه أن يخلق مواهب الناس وأرضيّاتهم متساوية ومنتظمة، ليكونوا من البداية إلى النهاية قابلين وصالحين لقبول شريعة واحدة. وفي هذه الفرضية، ما كان ليجري الحديث عن تكثّر الأديان وتكاملها. لكنّ الله لم يفعل ذلك، ووفّر أرضيّة يسير الإنسان فيها نحو النموّ والتكامل؛ و هذا الأمر لا يتحقق إلاّ من خلال الاختلاف في المناطق الجغرافية أو اللغوية والعنصرية. والسبيل إلى ذلك هو الاختلاف حسب مرور الزمان ونضج مواهب الإنسان في قبول الشريعة الكاملة، لكي يدخل الإنسان خلال ذلك ساحة الاختبار الإلهي الكبير".  
 وبناءً على الآيات القرآنية التي ذكرناها، فإنّ الاختلاف أمرٌ جوهري في الحياة الإنسانية. ولولا الاختلاف لم تكن أرضيّة جاهزة لبلورة الاستعدادات الإنسانية في الحياة، ولا يمكن أن يسير الإنسان نحو العلوّ والتكامل، ولم تتبيّن القِيم الإنسانية التي تظهر عادةً في مواجهة المواضيع التي ترتبط بالاختلاف، مثل احترام رأي الآخر المختلف والتساهل والتسامح وقبول حرّية الرأي والاعتقاد. ولكن ينبغي الالتفات هنا إلى أسباب الاختلاف التي تنقسم إلى قسمين: إيجابي وسلبي.

 الاختلاف الإيجابي والاختلاف السلبي 
"إنّ الاختلاف في حدّ ذاته لايقتضي شيئاً لا سلباً ولا ايجاباً، ويؤدّي اختلاف الأفكار والإرادات والأعمال إلى تكامل وتعاون أحياناً وإلى تناقض وتصارع أحياناً أخرى".  ولكنه يفضي إلى الخير إذا اعترف أطراف الاختلاف بشرعية الاختلاف وبحرّية الرأي والتعبير وحقّ الآخر المخالف في استعراض رأيه، وقاموا بمعالجة الاختلاف من خلال الحوار الهادئ والموضوعي، كما يعلّمنا القرآن الكريم ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (سبأ:24). ونتيجة الاختلاف ستكون خيراً؛ وهذا الاختلاف سيوصف بالإيجابي، كما نرى في المناقشات الفكرية والعلمية في الجامعات أو في بعض الحوزات العلمية، حيث يتّصف نقاش طرفي الاختلاف بالشدّة والحدّة فيما يتعلق بمسألة علمية أو فقهية أو عقائدية، ولكن بالنهاية سيبقى الطرفان، بغضّ النظر عن نتيجة الاختلاف، متحابّين. "إن اختلاف الرأي لايفسد في الودّ قضية، بل يبارك الحبّ والتقدير، إذ الهدف الوصول إلى الحقائق عن طريق قويم، لا عن طريق الشقاق والمعاداة".  أمّا إذا سار مسار الاختلاف إلى عدم قبول شرعية الاختلاف وبالتالي عدم قبول حرّية الرأي والاعتقاد، وحقّ الآخر المخالف في إظهار رأيه، وأراد كلّ طرف أن يفرض رأيه على الآخر ولو بالشدّة والقسوة، ستصل الأمور إلى النزاع والصراع والعنف الذي يؤدّي إلى الدمار والخراب والقتل. وهذا الاختلاف السلبي يجب الابتعاد عنه، وقد نهى الله عنه في كتابه الكريم حيث يقول ﴿ولاتَنَازَعوا فتفْشَلوا وتَذْهَبَ ريحُكم﴾(الأنفال: 46)، كما هو حال كثير من الاختلافات القائمة بين المسلمين في العالم.
إن "الاختلاف في حدوده الطبيعية و الإنسانية ليس أمراً سيئاً ..الأمر السيّء والخطير في هذه المسألة هو عدم الاعتراف بشرعية الاختلاف وحقّ صاحبه في أن يكون مختلفاً". 
وهنا يمكن أن يُطرَح سؤال: لماذا تذمّ بعض الآيات القرآنية الاختلاف وتَعِد أطراف الاختلاف بالعذاب؟ مثل:
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (آل عمران:105). 
﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (مريم:37).
﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (البقرة:213).
جاء في تفسير الطبري في تفسير الآية الأولى: "يقول جلّ ثناؤه: فلا تتفرّقوا يا معشر المؤمنين، في دينكم تفرُّق هؤلاء في دينهم، ولا تفعلوا فِعلهم، وتستنّوا في دينكم بسنّتهم، فيكون لكم من عذاب الله العظيم مثل الذي لهم.
ويورد الطبري في الحديث رقم (7598) من تفسيره: حدّثني المثني قال، حدّثنا إسحاق قال، حدّثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات﴾، قال: هم أهل الكتاب، نهى الله أهل الإسلام أن يتفرّقوا ويختلفوا، كما تفرّق واختلف أهل الكتاب، قال الله عزّ وجلّ: "وأولئك لهم عذابٌ عظيم".
وفي الحديث رقم (7599) من تفسير الطبري جاء: حدّثني المثني قال، حدّثنا عبد الله بن صالح قال، حدّثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا﴾، ونحو هذا في القرآن، أمر الله جلّ ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنّما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله". 
ويُستفاد من هذه الآيات أن الذين ثبتوا على الحقّ لاينالهم العذاب، بل ينال الذين كفروا وظلموا وضلّوا. ويؤكد هذا المعنى قوله سبحانه ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ الناس أمةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾ (هود:118).
وهذا يعني أن الاختلاف المذموم هو مخالفة الحقّ والركون إلى الباطل بشتّى صوره. وليس معنى الذمّ في تلك الآيات أن الله سبحانه وتعالى يعذّب أطراف الاختلاف. وحينئذٍ فالاستمساك بالحقّ، عبر دعوة القرآن الكريم والسبيل القويم، للوقاية من عذاب الله سبحانه وتعالى.
وعلى هذا الأساس يمكننا القول إنّ الاختلاف بين علماء الدين والمفكّرين، في الأفكار والآراء و العقائد والنظريات الدينية أو سائر الأمور، ليس في حدّ ذاته أمراً سيئاً، لأنّه كما أشرنا سابقاً ينبثق من قوّة الفكر والاختيار لدى الإنسان، وهما من مميّزات الإنسان بما هو إنسان. ويمكن أن لا نرى أحداً يذمّ الاختلاف بما هو اختلاف، و إنّما يكرهه و يذمّه العقلاء لأسباب أخرى خارجة عن نفس الاختلاف، ولكن تؤثّر على تحويل الاختلاف إلى النزاع و العنف."الاختلاف غنىً لأنّه يُثري التجربة الإنسانية و يُثري الواقع الإنساني" 
لم يكن الاختلاف في فروع الشريعة الإسلامية في بدايات ظهور الإسلام وفي عصور الاجتهاد، سبباً في النزاع أو الفرقة والإنقسام، بل كان وسيلة للبحث عن الحقّ والوصول إليه. كما أنه أنتج آثاراً إيجابية أفاد منها العلماء المسلمون فائدة عظيمة، في العلم والفكر والعمل والتطبيق والأخلاق. ولكن الاختلاف بدأ يأخذ منعطفاً آخر في العصور المتأخرة؛ إذ أصبحت الآثار تبرز في الجانب السلبي في كثير من الحالات.
ومن المؤسف أن نرى اليوم أن مجتمعاتنا تصنّف الأفراد على أساس الاختلافات بعدّة أصناف. ويُشاهَد في كلّ صنف أنّ المرء يضع نفسه ومن على شاكلته داخله، ومن يتعارض معه فكرياً يضعه خارجه؛ ذلك أن التصنيف الفكري في مجتمعاتنا لا يقف عند حدود تبيان الفروق الفكرية فقط، وإنما يتعدّاها ليصبح لها انعكاس أونفع سياسي، وتأثير مهم على سير أمور الدولة والمجتمع.
الحوار 
يكتسب الحوار في تراثنا الثقافي والحضاري معنى يدل على قيم ومبادئ هي جزء أساسي في الثقافة والحضارة الإسلاميتين. فمن حيث الدلالة اللغوية، نجد أن جذر (ح، و، ر)مثقل بالمعاني التي تدل على مفاهيم أصيلة في تراثنا الثقافي والحضاري، ففي لسان العرب، الحوار هو الرجوع، وهم يتحاورون، أي يتراجعون الكلام، والتحاور هو التجاوب والمجاوبة، والحوار هو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء.. والمحاورة مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة، بل إنه ليدهشنا حقا أن يكون من أسماء العقل في اللغة العربية، الأحور. 
بعد التعرّف على مفاهيم الكلمات المفتاحية، أعني الثقافة والإسلام والاختلاف والحوار، نتطرّق إلى مفهوم"ثقافة الاختلاف في الإسلام" من وجهة نظر الإسلاميين وعلاقته بالحوار. والمقصود من ثقافة الاختلاف في الإسلام في هذه المقالة ما يُستنبَط ويُستخرَج من الآيات القرآنية والسيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين في مواجهة الاختلافات الفكرية والعقائدية، وما يتعلّق بها من الحرّيات الدينية والتعايش السلمي والحوار وحرّية الرأي والتعبير ومايشبه ذلك. فتنقسم وجهات النظر في هذه القضية إلى قسمين أساسيين، ولكلّ قسم مؤيّدون ومخالفون، ونختصرهم هنا بفئتين: 
الفئة الأولى: تضمّ من يرى أنّ ما يُستنتَج من هذه النصوص المقدّسة في الإسلام لايدلّ إلاّ على رؤية متزمّتة عن الإسلام في مواجهة المخالفين فكرياً وعقائدياً. وبالتالي لاتوجد في الإسلام حرّية الرأي والتعبير ولا التسامح ولا الانفتاح على الآخر المخالف ولا يمكن القيام بالحوار مع المخالفين لمعالجة الاختلاف. وعليه، لا يمكن الاعتراف بالتعدّدية الدينية والمذهبية حسب الآيات القرآنية والنصوص الشرعية في المجتمعات الإسلامية. وإن الممارسات العملية التي تقوم بها هذه الفئة ترسم صورةً خاطئةً عن الدين الإسلامي.
 والآية 85 من سورة آل عمران ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ هي من أشهر الآيات التي تستشهد بها هذه الفئة لادّعاء رفض الإسلام التعدّدية الدينية.
الفئة الثانية: تضمّ من يذهب إلى الاستنباط من الآيات والروايات ما يدلّ على عكس ما تعتقده الفئة الأولى. وترى هذه الفئة أنّ النظر الدقيق في الآيات والنصوص المقدّسة بجميع جوانبه يبيّن أن الإسلام هو دين الرحمة والحرّية والحوار والانفتاح على الآخر، ولايُكرِه الآخرين على اعتناق الإسلام ويحترم حرّية الرأي والتعبير ولذلك نحن نرى في سيرة النبي محمد(ص) أنه يقوم بالحوار مع المخالفين حتى الكفار والمشركين. وهناك مساحة مدروسة للتعدّدية الدينية والمذهبية في المجتمع الإسلامي. ومن أشهر الآيات التي تستدلّ بها هذه الفئة في موضوع اعتراف الإسلام بالتعدّدية الدينية هذه الآية:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئينَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة: 62). 
إذاً، وجهتا النظر هاتان متعارضتان في موضوع ثقافة الاختلاف في الإسلام. وكلتاهما تستشهدان بالنصوص المقدّسة الإسلامية. وبالعودة إليها عموماً، والقرآنية منها خصوصاً، ربّما يوجد ما يوحي بالتناقض. يجدر بنا أن نشير هنا إلى أنّ ثقافة الاختلاف في الإسلام تندرج ضمن مسار التعرّف على حقيقة الدين الإسلامي، من خلال معرفة العلوم القرآنية، مثل المُحْكم والمُتشابه أوالناسخ والمنسوخ أوالمطلق والمقيّد...إلخ، ومعرفة علوم الحديث والرواية، مثل علم الرجال والدراية. وينبغي أيضاً ألاّ يعزب عن بال باحث الحقيقة الظروف التي وردت فيها هذه النصوص الإسلامية. وهذا بالتأكيد يساعد الباحث على فهم حقيقة رؤية الإسلام في هذا الموضوع المهم الذي يؤثّر بشكل كبير على مجتمعاتنا الإسلامية. من هذا المنطلق، فإن منطق الفئة الأولى أن الاختلاف من منظور الإسلام هو أمرٌ سيّئ، وأنه يجب على الجميع أن يعتنق الدين الإسلامي طوعاً أو كرهاً، ولامجال لحرّية الرأي والتعبير والتعدّدية، في مقابل الفئة الثانية التي ترى أن الاختلاف من وجهة نظر الإسلام أمرٌ مشروع، وأنه يمكننا أن نؤسّس على أساسه نظاماً معرفيا تنتظم تحت ظلّه تعدّدية الأفكار والإجتهادات؛ وبالتالي يصبح التمايز الحاصل بين علماء المسلمين و مثقّفيهم حالة إثراء وغنىً بدل أن يكون مَدعاة لإثارة الخلاف والشقاق والفتنة. ويستطيع المسلمون أن يعالجوا اختلافاتهم عبر الحوار البناء والهادف.

الإسلام يعترف بشرعية الاختلاف
إنّ الفئة التي تنتمي إلى القسم الثاني، أي المعتقدون بأنّ الإسلام يعترف بشرعية الاختلاف وحرّية الرأي والتعبير والتعدّدية وسائر القِيم المرتبطة بها، تستشهد بالنصوص القرآنية والروايات، إضافةً إلى التجربة المعاشة للنبي محمد(ص). ونستعرض بعض الآيات التي تستدلّ بها هذه الفئة:
﴿وَمِنْ آياتهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِّلْعَالِمِينَ﴾ (الروم: 22).
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود: 118).
﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ (المائدة: 48).
﴿يَا أيهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾(الحجرات: 13).
﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عليمٌ﴾ (البقرة: 256). 
وتشير هذه الآيات، بحسب رؤية هذه الفئة، إلى وجود الاختلاف على أساس السنّة التكوينية والتشريعية في العالم، على النحو التالي:
 1-تدلّ الآية الأولى على وجود الاختلاف بين النّاس تكوينياً.
 2-تشير الآية االثانية إلى وجود واستمرار الاختلاف بين النّاس على أساس مشيئة الله؛
3- في الآية الثالثة نجد تشريع الاختلاف بين النّاس في الشرائع والمناهج. ليصلوا إلى نتيجة تقول: إنّ الاختلاف من المنظور القرآني يوجد تكويناً وتشريعاً، فهو من مشيئة الله، لأنّه تبارك وتعالى يُصرّح في الآيات المتعددة بأنّ الله لو أراد عدم الاختلاف بين النّاس لجعلهم أمّة واحدة. 
4-تدلّ الآية الرابعة على أن الاختلاف الناس في الجنس وأيضاً في القبائل والشعوب، دليله لايكون إلا في التعارف بين الناس. وبالتالي فإن هذه الاختلافات التكوينية ليست سبباً للتفاخر بين الناس ولاالفوز بالجّنة والتقرّب إلى الله؛ بل التقوى هي سبب التقرّب والفوز.
وأيضاً، نلاحظ في الآية الأخرى في هذا السياق أن الله يخاطب نبيّه بقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين﴾ (يونس: 99)، إذاً، مشيئة الله تتعلق بأن يجعل الناس مخيّرين بين الإيمان والكفر؛ ولايريد الله سبحانه أن يجبر الناس على الإيمان، وأنت أيها الرسول(ص) لاتسطيع أن تجبرهم على ذلك.
يقول ابن عاشور في تفسير هذه الآية: والمعنى: " لو شاء الله لجعل مدارك الناس متساوية منساقة إلى الخير، فكانوا سواءً في قبول الهدى والنظر الصحيح. و(لو) تقتضي انتفاء جوابها لانتفاء شرطها. فالمعنى: لكنّه لم يشأ ذلك. فاقتضت حكمته أن خلق عقول الناس متأثرة ومنفعلة بمؤثّرات التفاوت في إدراك الحقائق فلم يتواطؤوا على الإيمان. وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلا إذا استكملت خلقة عقلها ما يهيّئها للنظر الصحيح وحسن الوعي لدعوة الخير ومغالبة الهدى في الاعتراف بالحق ". 
كما يستندون إلى سيرة الرسول الأكرم(ص) إتجاه النصارى واليهود، لإعطائهم حقّ الحرّية لقبول الإسلام والدخول في فئة المسلمين، أو رفضه وقبول التعايش السلمي مع المسلمين. على سبيل

المثال: 
ويذكر المؤرخون أنّ النبي(ص)، أوّل ما استقرّ به المقام في يثرب (التي سُمّيت فيما بعد بالمدينة) في الشهور الاولى من وجوده، أراد أن يوحّد ذلك المجتمع الذي رآه يضم فئات وشرائح إجتماعية متعدّدة عرقياً ودينياً. فكان أوّل تنظيم إجتماعي سياسي قانوني أقدم عليه، هو تدوين وإقرار الصحيفة المدنية، التي كتبها لتنظيم العلاقة وتحديد المسؤوليات والحقوق بين جماعات المؤمنين من المهاجرين بفئاتهم وأحلافهم والأنصار بفئاتهم وأحلافهم، وفيما بينهم وبين الأقليّات الدينية الموجودة آنذاك من يهود أو وثنيين، حيث أقرّهم على دينهم وأموالهم بشروطٍ لهم وعليهم، كما ورد في نصّ الوثيقة.   
فكان أهل الكتاب، وخاصةً اليهود، جزءً من ذلك المجتمع، وأُسسّت العلاقة معهم على خلفية اشتراكهم في الوطن، كأوّل تجربة في التاريخ تعكس السماحة والتآلف في مجتمع متنوّع. فالنبي(ص) أقرّ هذه الأقليّات على دينها وثقافتها، وأعطاهم حقّ المواطنة، وأخذ عليهم قيامهم بمسؤولياتهم إتجاه مجتمعهم من التكافل والدفاع والنصرة، والخضوع للقيادة السياسية الواحدة، ولم يُجبر أحداً منهم على اعتناق الديانة الرسمية، على أن تبقى الحاكمية العليا للإسلام في ذلك الوطن. 
كما يستندون إلى سيرة الإمام علي(ع) آخر خليفة من الخلفاء الراشدين، في مواجهة الخوارج - الفرقة الإسلامية التي نشأت في عهد الخليفة علي بن أبي طالب(ع) نتيجة الخلافات السياسية بينه وبين والي الشام معاوية بن أبي سفيان. وقد عُرفت هذه الفرقة بأنّها أشدّ الفرق شراسة في الدفاع عن آرائها، والتي سنتحدث عنها بالتفصيل في الفصول القادمة. ورغم أنّهم كانوا يعارضون الإمام علي(ع) في القول والفعل، ولكن لم يتعرّض الخليفة لهم مادام لم يتمسّكوا بالسيف والبغي.
 يقول بعض المفكّرين أنّ الخليفة علي بن أبي طالب وضع منهجاً قويماً في التعامل مع هذه الطائفة، تمثّل هذا المنهج في قوله للخوارج: " .. إلا إنّ لكم عندي ثلاث خِلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا" . 
كما يشير الدكتور يوسف القرضاوي -في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة القطرية في برنامجها الأسبوعي " الشريعة والحياة "،-إلى "أنّ مفهوم التعدّدية يعني اختلاف الناس. يعني أنّ الناس ليسوا شيئاً واحداً. والتعدّد موجود في الحياة بألوان شتّى: منها التعدّد الديني، ومنها التعدّد الجنسي العنصري، ومنها التعدّد اللوني، والتعدّد اللساني اللغوي، كما قال القرآن ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾(الروم: 22)، الذي يعني أنّ الناس تختلف ألسنتها وتختلف ألوانها وتختلف عناصرها وعروقها وتختلف أديانها. كما اعتبر القرآن اختلاف الدين أو تعدّد الأديان واقعاً بمشيئة الله تعالى، ومشيئة الله تعبِّر عن حكمته، والمشيئة الإلهية مرتبطة بالحكمة الإلهية؛ لا يشاء الله إلا ما فيه حكمة ولذلك قال الله تعالى ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ (هود:118-119) المفسرون يقولون (ولذلك خلقهم)، أي وللاختلاف خلقهم، خلقهم ليختلفوا. فمادام أعطى كلاً منهم العقل ليفكّروا، فعقلي ليس مثل عقلك، وإرادتي ليست مثل إرادتك، أنا أفكّر بتفكير غير ما تفكّر فيه وأميل إلى أشياء قد لا تميل أنت إليها، فلابدّ أن نختلف، ولذلك قال (ولذلك خلقهم). مادام أعطاهم العقل والإرادة، فلابدّ أن يختلفوا. ولذلك لا يفكّر المسلم أن يجمع الناس بالقهر وبالقوّة على دين واحد. لماذا؟ لأنه ضدّ إرادة الله ربّنا الذي أراد للناس أن يختلفوا". 
إن التفسيرات والرؤى التي قدّمها هؤلاء العلماء المسلمون تبيّن لنا أنّ الإسلام يعترف بالاختلاف والتعدّدية في المجتمع من وجهة نظرهم، ويؤسس لقِيم التعامل الإيجابي مع الآخرين المختلفين في الدين والمذهب والاعتقاد.

علاقة ثقافة الاختلاف في الإسلام بالحوار
بعد تبيين مفهوم ثقافة الاختلاف في الإسلام في السطور الماضية، نتناول علاقة الحوار بثقافة الاختلاف لأن "الحوار" هو من ضمن مجموعة القِيم التي ترتبط بقضية الاختلاف. وهو من مميّزات الإنسان، وبمثابة منهج عقلي وأخلاقي لمعالجة الاختلافات، لأنّ الحوار يساعدنا على فهم الآخرين بشكل أفضل، وهو قيمة يعترف بها معظم الناس. ولايدخل في الحوار إلاّ من يعترف بشرعية الاختلاف. وإن كلمة الحوار تستوعب كلّ أنواع وأساليب التخاطب، سواء كانت ناتجة عن خلاف بين المتحاورين أو عن غير خلاف، لأنها إنّما تعني الاستجابة والمراجعة في مسألة موضوع التخاطب، والذي هو وليد تفاهم وتعاطف وتجارب. 
 وبعبارة أخرى، "الحوار يعني احترام حرّية الآخرين والسعي للوصول إلى التعارف والتفاهم. ويتيح الحوار للإنسان فرصة الإطّلاع على الرأي الآخر، بشكل مباشر واضح".  وليس الهدف من الحوار مجرّد فك الإشتباك بين الآراء المختلفة، أو تحييد كلّ طرف إزاء الطرف الآخر، وإنّما هدفه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التفاهم بين الناس، وتمهيد الطريق للتعاون المثمر فيما يعود على جميع الأطراف بالخير، وذلك بالبحث عن القواسم المشتركة التي تشكّل الأساس المتين للتعاون البنّاء بين الأمم والشعوب. والحوار يضع أساساً ليشكّل إحدى أرقى مراتب التفاعل في منظومة العلاقات الإنسانية؛ بينما يكتسب هذه الأهمية مع وجود الإنتماء الثقافي والحضاري. كما أنه يشكّل فرصة سانحة لطرفي الحوار للتخلّي عن أهواء الإلغاء، والهيمنة والأحاديّة. وعلى هذا النحو يكون الحوار ضرورة تُفضي إلى التجاور والتعايش، في حال انعدام إمكانية التكامل والإندماج.
 إن الحوار يؤدّي وظيفة مهمّة على صعيد تحقيق الإستقرار والسلم الإجتماعي، وذلك لأن قسماً كبيراً من المشاكل والأزمات في العلاقات الإجتماعية تنشأ من جهل الناس ببعضهم، وتصوّر كلّ طرف للآخر على غير حقيقته، وذلك بسبب التباعد والقطيعة، أو لحدوث سوء ظن أو سوء فهم في البيان، بتفسير كلام ما، أو عمل ما، تفسيراً خاطئاً.
 ومن الواضح أنه لايُقام الحوار إلاّ بوجود الطرفين المختلفَين على أساس قبول الاختلاف وحرّية الرأي، لكن ضمن شروط وقواعد سنوضحها لاحقاً.
يقول السيد محمد حسين فضل الله في هذا السياق: 
"عندما نتحدث عن الحوار، فإننا ننفتح على مفهومٍ يحرّك التواصل الإنساني، ويمثّل نقل كلّ عناصر الفكر الإنساني بكلّ خصائصه الثقافية والشعورية للإنسان الآخر، الذي يقوم بالدور نفسه بالنسبة لهذا الشخص. ومن هنا، فإننا نعتبر بأن الحوار هو معنى أن يكون الإنسان إجتماعياً، واللاحوار يعني موت الحركيّة الإنسانية بالنسبة للآخر، وأن يعيش كلّ إنسان معزولاً عن الإنسان الآخر". 
      ولا شك أن الحوار يقوم على القول والاستماع بمعنى أن أطراف الحوار يقومون بإظهار ما في قلوبهم للآخرين من جهة ويستمعون إلى أقوال طرف الآخر من جهة أخرى. ولذلك يمكن القول إن الآية القرآنية " فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿سورة الزمر:١٧-١٨﴾ تدعو بشكل غير مباشر إلى الحوار لأن استماع القول عادة يرافق الكلام والتحاور حول الحقيقة وهناك آية أخرى تشير أيضا إلى الحوار حيث تقول"قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿البقرة:من الآية١١١﴾ لأنه لايصح طلب البرهان إلا في موضع التحاور. والإسلام يدعو المسلمين إلى القيام بالحوار مع المخالفين على أساس الموضوعية، تشير الآية القرآنية إلى هذا المعنى حيث تقول من لسان النبي محمد(ص) في مواجهة الكفار" وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿سورة سبا:٢٤﴾ إذا يمكن أن ندعي أن الإسلام ينظر إلى الحوار  كمنهج قويم لمعالجة الاختلاف مع الآخر والنبي محمد(ص) كأسوة وقدوة للأمة" لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ﴿الأحزاب: ٢١﴾ يرشدنا إلى هذا الطريق لمعالجة اختلافاتنا.

الخاتمة
يتبيّن لنا بناءً على ما تقدّم، أنّ ثقافة الاختلاف في الإسلام تندرج ضمن مسار التعرّف على حقيقة الآيات والنصوص الإسلامية وسيرة السلف الصالح، الأمر الذي يوجد نظاماً معرفياً تنتظم تحت ظلّه تعدّدية الأفكار والإجتهادات. وبالتالي يصبح التمايز الحاصل بين علماء المسلمين ومثقّفيهم حالة إثراء وغنىً بدل أن يكون مَدعاة لإثارة الخلاف والشقاق والفتنة. وأن الحوار هو المنهج الذي يعرضه الإسلام لمعالجة الاختلافات الفكرية والعقائدية والسياسية وغير ذلك. وإننا كأمة إسلامية لا نستطيع أن نعالج خلافاتنا إلا عبر الحوار البناء والهادئ والهادف، ولا شك في أن هذا الحوار يؤدي إلى التفاهم والتفاعل أفضل بين مجتمعاتنا. فالحوار بين المسلمين أنفسهم ومع غير المسلمين اليوم حاجة ملحة لا مناص منها، فهي حقيقة واضحة لا يجادل فيها عاقل، خاصة بعد أن رأينا النتائج الوخيمة، والآثار المدمرة لغياب الحوار.
وبتقديري أن اصحاب العلم والثقافة يستطيعون أن يلعبوا دورا هاما في هذا المجال. والمطلوب منهم توفير الأجواء الملائمة، والعوامل المساعدة، لتكريس منهجية الحوار، وإنجاح مسيرته، وتفعيل دوره على المستوى الإسلامي العام. ولعل من أهم ما نحتاج إليه لتكريس منهجية الحوار، على مستوى الأمة والمجتمع الإسلامي، هو توفير ثقافة احترام الرأي الآخر المختلف وحل الاختلافات عن طريق الحوار كما ترشدنا إليه النصوص الإسلامية لا سيما القرآن الكريم. إن من الضروري بعث حركة ثقافية واسعة، تبشر بالمفاهيم الإسلامية، والقيم الإنسانية، الداعية إلى الحوار والتفاهم والتعاون، التي تهيئ النفوس في مجتمعاتنا وخاصة في المراكز العلمية والآكاديمية لتعزيز العلاقات الثقافية والتوجه نحو التفاعل العلمي والثقافي بين إيران والعالم العربي.

المصادر:
القرآن الكريم
- ابن تيمية، أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبدالحليم الحران الدمشقي، مجموع الفتاوى الكبرى، تحقيق عامر الجزار وأنور الباز، دار الجيل، بيروت، ط1، 1997م.ج4، ص151
- ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد، التحرير والتنوير: تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، دار التونسية للنشر، تونس، لا ط، 1984م.ص220
- ابن فارس، احمد، معجم مقاييس اللغة، مكتب الإعلام الإسلامي، لا ط، قم، 1404هـ، ج 3، ص90. 
- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1997م، ط 1، ج 1، ص 340
- ابن هشام، عبد الملك، السيرة النبوية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، 1994م.
- التسخيري، محمد علي، أدب الاختلاف في الاسلام، منشورات المنظمة الاسلامية للترية والعلوم والثقافة، ط1 عام 2000، ص 13.
- الجياشي، محمود نعمة،المجتمع الديني في فكر العلامة الطباطبائي، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، ط 1، 2010 م،ص56. 
- الزبيدي، محمد، تاج العروس من جواهر القاموس، دار مكتبة الحياة، بيروت، لا ط، لا تا، ج 8، ص340.
- الصحاح: ج 4 ص1353؛ تهذيب اللغة: ج7، ص398-399؛ مفردات القرآن:ص 295
- الصعيدي، عبدالمتعال، الحرّية الدينية، دار الكتاب المصري ودارالكتاب اللبناني، بيروت، ط 2، 2012م.
- الصفار، حسن بن موسى، التعددية والحرّية في الاسلام، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي،بيروت، ط 1، 2008م، ص24 
- الصفار، حسن، الحوار والانفتاح علی الآخر، دار الهادي، بيروت، ط 1، 2004م.
- الطباطبايي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط 1، 1991م.
- الطبرسي، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، المكتبة الاسلامية، طهران، ط 2،  1958م، 
- الطبري، أبو جعفر محمدبن جرير، جامع البيان في تفسير القرآن، دار المعرفة، لا ط،  بيروت، 1412هـ، ج5 ،ص95
- القرضاوي، يوسف، الصحوة الاسلامية: بين الاختلاف المشروع والتفرّق المذموم، دار الصحوة للنشر والتوزيع، القاهرة ،ط 2، 1991م، ص 161
- القرطبي، أبو عبدالله محمدبن احمد، الجامع لاحكام القرآن، دار احياء التراث العربي، بيروت، لا ط، لا تا، ج 2، ص 351
- المطهّري، مرتضى، الإمام على(ع) في قوة الجاذبة والدافعة، دار الإرشاد، بيروت، ط1، 2012م.
- المعجم الغني
- المعجم: الرائد
- المعجم: اللغة العربية المعاصر
- المعجم: الوسيط 
- المعجم:الرائد 
- المعجم، عربي عامة
- الموقع الرسمي لآثار محمد تقي مصباح اليزدي «الدين والثقافة» 
- سروش، عبدالكريم، أرحب من ايديولوجيا (فربه تر از ايدلوژی)، انتشارات صراط، طهران 1999، ط 1، ص236
- شريعتي، علي، الإنسان المتغرب عن ذاته، منشورات قلم، طهران، لا ط، لا تا، ص201
- عثمان عبدالكريم، معالم الثقافة الاسلامية، مؤسسة الرسالة، بيروت، لا ط، لا تا.
- فضل الله، محمد حسين، أحاديث في قضايا الاختلاف والوحدة، دار الملاك، بيروت، ط 1، 2000م، ص19 
- محفوظ، محمد، مفهوم الاختلاف والوحدة، مجلة المعارج، ج135 ،ص202
- محمد علي التسخيري، مجلة رسالة التقريب، العدد33، ص134
- الصفار، حسن، التعددية والحرّية في الاسلام، مركز الحضارة للتنمية الفكر الاسلامي ،بيروت، ط4، 2010 م، 
- المعجم، معاني الأسماء، مادة: الإسلام
-شبكة الاجر الاسلامية، يوسف القرضاوي - في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة القطرية في برنامجها الأسبوعي
- فضل الله، محمد حسين، نشرة فكر وثقافة، السنة الخامسة، العدد200 
http://www.alajr.com/
http://www.mesbahyazdi.org/arabic
 
منبع: دبیرخانه مجمع اندیشمندان ایران و جهان عرب
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت |
Guest (PortalGuest)


Powered By : Sigma ITID