مرتضی یوسفی راد قدرات العقل العملي في الحوارات الثقافية بين إيران و العالم العربي تتميّز إيران و البلدان العربية بالتنوع و التعدّد على صعيد الجغرافيا و الثقافة و الشعوب و الأعراق٬ و ما دام هذا التعدّد لا يُدار بأسلوب عقلاني و حكيم لجهة تعدّد المصالح و اختلافها٬ فالاحتمال قائم دائماً لكي تؤول هذه التعدّدية و التنوّع إلى التناقض و التوتّر و الحرب و سفك الدماء٬ أما إذا تمّ إدارتها بحكمة و تعقّل فإنّ الاختلافات و التناقضات ستنزاح٬

تتميّز إيران و البلدان العربية بالتنوع و التعدّد على صعيد الجغرافيا و الثقافة و الشعوب و الأعراق٬ و ما دام هذا التعدّد لا يُدار بأسلوب عقلاني و حكيم لجهة تعدّد المصالح و اختلافها٬ فالاحتمال قائم دائماً لكي تؤول هذه التعدّدية و التنوّع إلى التناقض و التوتّر و الحرب و سفك الدماء٬ أما إذا تمّ إدارتها بحكمة و تعقّل فإنّ الاختلافات و التناقضات ستنزاح٬ و تتعاون التعدّدية و الاختلافات و تتضافر لتؤدّي إلى التقارب و التعايش٬ و تنساق قدرات الطرفين و إمكاناتهما نحو تحقيق الأهداف العليا. لذلك٬ فالزعم المطروح هو أنّه طالما ابتعد العقل العملي المبني على الحكمة و الشريعة  في الميدان الإسلامي عن التعصب٬ فإنّ الوظائف الإدراكية و لا سيّما التدبيرية و التجويزية سوف تنتج قدرات تقريبية و وحدوية بين إيران و البلدان العربية على أساس القواسم المشتركة الأساسية (الدينية و الإسلامية و الثقافية و التاريخية). من هنا٬ فإنّنا سوف نشير في البداية إلى مكانة العقل و الحوار في التعاليم الدينية و من ثمّ نتناول ماهية العقل العملي و وظائفه الإدراكية و التدبيرية و التجويزية٬ و نقوم بتطبيقها على المحيط الخارجي٬ عنيتُ٬ الحوارات الثقافية بين إيران و العالم العربي٬ و نختم حديثنا باستعراض الموانع و العوائق و الإشكالات لغرض التعرّف عليها و لاحقاً التفتيش عن حلول لرفعها.

  1. مكانة العقل و الحوار في التعاليم الدينية

ثمّة آيات عديدة في القرآن الكريم توصي الإنسان بالتفكّر و التدبّر في محيطه٬ ليفهم حقائق عالم الوجود بشكل صحيح و عيون مفتوحة٬ و أن يبتعد عن كل ما هو زائف و لا صحّة له (سورة الروم، آية 5). طبقاً للرؤية القرآنية فإنّ أهل العقل و الفكر ممدوحون بحيث أنّهم ذكروا بعد ذكر الله (سورة آل عمران، آية 191). في المقابل٬ يذمّ القرآن الكريم الذين يبتعدون عن العقل و التدبّر٬ و يحيون بالعواطف و المشاعر فقط دون الرجوع إلى العقل و تحليل المنافع و الأضرار٬ و يعيشون على التعصب و الحقد. إنّهم يعودون القهقرى بدلاً من المضي نحو التقدّم و الرقي.

تؤكّد التعاليم الدينية دوماً على ضرورة أن يعمل المسلمون بتدبير و حكمة في علاقاتهم بعضهم ببعض٬ و أن يستعينوا بالعقل الذي وُصف بأنّه النبي الباطني لكل إنسان. و يبيّن هذا الاهتمام بأنّ الدين الإسلامي قد سبق جميع الأديان في إعلاء شأن العقل و دوره في الحياة٬ ليتجنّب المسلمون السلوكيات الانفعالية و العاطفية٬ و يتعرّفوا على الإفراط و التفريط و يبتعدوا عنهما. ويؤكّد الدين الإسلامي بشكل حثيث و أكثر من أيّ دين آخر على الحوار البنّاء و الهادف٬ و لا يجيز العنف اللجوء إلى العنف إلّا في ظروف خاصة. في نفس الوقت٬ لا يضع أيّ قيود أو حدود أمام نطاق موضوعات الحوار.

2- الوظائف الإدراكية و المعرفية للعقل العملي

في الأبستمولوجيا الفلسفية للعقل العملي القدرة على إدراك القضايا الواقعية الموضوعية الخارجية و التفصيلية و الوقتية٬ و أن يستطلع  وجودها أو عدمه٬ و خيرها أو شرها٬ و صلاحها و نفعها أو مضارّها و شرورها٬ و معايير تفوقها و أضرارها. و من القضايا التي يمكن للعقل أن يدركها حسن الحوار و خيره٬ و ذلك لأنّ بمقدور الحوار أن يزيل التناقضات و يعزّز المصالح و اللغة المشتركة للأشخاص و المجتمعات و الأمم و الشعوب المختلفة٬ للوصول إلى وحدة المجتمع. و من حيث أنّه يدرك اللغة المشتركة فهو٬ في هذه الحالة٬ يدرك التفكّر و الثقافة  المشتركة للشعوب و المجتمعات.

في أجواء الحوار تتجسّد و تتّضح للعيان واقعية التعدّدية و موضوعيّتها نظير الاختلافات على صعيد الثقافة و القومية و البلد و المذهب و اللغة٬ و تصبح سائر المتغيّرات الجيوسياسية الانفصالية و ما شابهها كالمنافسات غير الشريفة و غير المنطقية في حقل السياسة و الأرض شريرة و منبوذة و غير محبذة٬ و لا يجيزها الشأن التجويزي للعقل.

3- الوظائف التدبيرية و التجويزية للعقل العملي

يعتقد الفلاسفة المسلمون أنّ العقل العملي بالإضافة إلى إدراكه للأمور الواقعية الموضوعية المتعددة٬ له القدرة استناداً إلى المبادئ المعرفية٬ و الأهداف المنبثقة عنها٬ ابتداءً٬ على امتلاك فهم للوحدة و اشتراك القضايا التعددية٬ و من ثمّ جمعها حول محور الوحدة و الاشتراك بل تجميعها و تركيبها٬ ليخلق من تجميعها و تركيبها هوية و شخصية مختلفة بآثار و نتائج متفاوتة عن الحالة الفردية٬ و في نهاية المطاف تجويز المقتضيات و مستلزمات الهوية و الشخصانية الجديدة و تقييمها. على هذا٬ فالاعتبار التدبيري و التجويزي للعقل العملي يتمثّل في: 1. الحؤول دون الفُرقة و التشتت و النظر إلى التعدديات كانحراف عن التوازن و المصالح و المنافع، 2. في خلق اهتمام تجاه مصالحها، و 3. لعب دور في خلق توازن بين التعدد و التشتت.

3/1: خصوصيات العقل العملي

- يعنى العقل العملي بمشاكل الحياة المدنية و يسعى إلى إيجاد الحلول المناسبة.

- العقل العملي٬ بدلاً من القبول بأحادية العقل و النظرة الوحدوية البحتة٬ ينظر إلى التعدديات و الفوارق و الاختلافات في مجموعها٬ و يسمح بها في إطار الاهتمام بها٬ لذلك٬ فهو يعنى بالتعايش و التعاون.

- سيادة العقل في العالم الخارجي و دائرة العينيات تؤدّي إلى طيب العيش و التعاون بين أفراد البشر و تعاضدهم و تكافلهم و تضامنهم٬ و هي التي تجلب الفائدة الكبرى للبشر. إنّ المعارضة الشديدة للغرب و في طليعتهم الولايات المتحدة لدخول إيران في النادي النووي هو لكيلا يتم تفعيل العقل العملي٬ عقل الجدية و المصالح٬ عند المسؤولين و الحكام.

4- العقل العملی؛ إمكانات الحوار المشترك بين إيران و العالم العربي

تتميّز إيران و البلدان العربية من جهات عديدة بالتعدد و التنوّع و الاختلاف٬ و لكن في ضوء المشتركات الثقافية و الدينية و التاريخية و الجغرافية يمكن تحديد المصالح المشتركة عبر الحوار و التواصل٬ و من ثم تجميعها و ترشيدها لتكتسب من خلال هذا التجميع و الترشيد هوية جديدة و شخصانية٬ لتقوم بالكشف عن منافعها و مضارها بشكل جيد بفضل هداية العقل الجمعي و تنظيمه٬ ثم يتم اتّخاذ التدابير اللاحقة من أجل المحافظة عليها و ديمومتها و فاعليتها٬ ليكون ثمرة كل ذلك التضامن و التواصل و أخيراً وحدة إيران و العالم العربي. من هنا٬ ينبغي دراسة و بحث موضوع التعقّل فيما يتعلّق بمصالح العالم الإسلامي أكثر من أيّ وقت مضى٬ ليتم من خلال الحوارات الثقافية إنتاج العقلانية المناسبة٬ و اجتناب القراءات التكفيرية النافرة و الاحتكارية.

4/1: الحلول (الإيجابية) التدبيرية و التجويزية للعقل العملي

- يجب أن تتوصل إيران و البلدان العربية إلى صياغة فهم مشترك عن معرفة الموانع و التحديات و الحلول و الأهداف.

- من أهم نتائج تفعيل العقل العملي بين الإيرانيين و البلدان العربية و بخاصة بين نخب الطرفين إنتاج العقلانية المنبثقة عن الحكمة و الشريعة. من أهم آثار العقلانية في المجتمع إرساء أسس السلام و الاستقرار٬ سلام و استقرار لصالح الشعوب المسلمة في إيران و البلدان العربية٬ و لا بدّ من الامتناع و بشدّة عن السلوكيات التي لا تنسجم مع هذه العقلانية.

- يجب أن يسود الاحترام المتبادل أجواء الحوارات لضمان استمرار هذه الحوارات و ديمومتها.

- يجب وضع أهداف للحوارات من خلال الاستعانة بالعقل الجاد حتى يثمر عن نتائج عملية.

- من خلال ممارسة النخب الثقافية لدورها الفعال في سياسات حكوماتها يمكن إضفاء السلام و التعايش على العلاقات فيما بينهما٬ ليتسنى إقامة علاقات قائمة على ضمان مصالح جميع البلدان المتحاورة عبر تعزيز الحوارات.

- لا بدّ من الاستناد إلى السنّة النبوية و سيرة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في طريقة الحوار و وضع الأهداف٬ لتجسيد العقلانية و الاعتدال في السلوك و العمل.

- يجب على الطرفين أن ينظروا إلى الحوار بوصفه استراتيجية لا تكتيك.

- يجب أن تكون استراتيجية الحوارات النظرة إلى المستقبل ليمكن التحرك إلى الأمام نحو تحقيق الأهداف و الحؤول دون الرجوع إلى الماضي.

4/2: الحلول (السلبیة) التدبیریة و التجویزیة للعقل العملي

طبقاً للتعقل التدبيري للعقل العملي في الحوارات بين إيران و العالم العربي الهادفة إلى تحقيق الأهداف المنشودة٬ يجب الكشف عن نقاط الضعف و النقائص و الإشكاليات و التهديدات٬ و التدبّر في الوسائل الكفيلة بمكافحتها. و على هذا٬ فإنّ تعقّل العقل العملي يكون على صعيدين دفع الانحرافات و خلق الوحدة و تقديم الأمثلة الحية عليه.

- يجب أن نمنع و بشدّة ظهور أيّ نوع من العنف و التصادم و القتال بين البلدان الإسلامية٬ ذلك لأنّ الحرب و العنف٬ طبقاً لحكم العقل٬ مدعاة لعدم الاستقرار و التوتر الاجتماعي٬ و تتسبّب في دمار و نفقات هائلة في مختلف النواحي للمجتمعات المتورطة في الحرب و للبشرية جمعاء٬ و تحول دون مواصلة هذه المجتمعات لمسيرة التنمية.

- يجب إزالة كل الصور القومية و التعصبات العرقية مثل القومية المتطرّفة تحت عناوين الحركات القومية الفارسية أو الحركات القومية العربية التي تضيّق الطريق على التعقّل في العلاقات الثقافية٬ و كذلك إزالة الجهل و الضعف اللذين يتسبّبان دوماً في تفجير العنف و الاستعاضة عنها بالحوارات لتعطي نتائج إيجابية عملية.

 - يجب طرح الاختلافات المذهبية جانباً في طريقة التبادل و الاتصال و الحوارات الثقافية٬ و العمل٬ بدلاً من ذلك٬ على تكبير المشتركات٬ ليتم على أساسها تقييم الإمكانات الفضلى في التعرّف و التطوّر.

منبع: دبیرخانه مجمع اندیشمندان ایران و جهان عرب
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت |
Guest (PortalGuest)


Powered By : Sigma ITID