نجف لک زایی:أستاذ متفرغ في العلوم السياسية في جامعة باقر العلوم (عليه السلام) و رئيس المعهد العالي للعلوم و الثقافة الإسلامية وسائل تحقيق الأمن الدولي من منظار الحكيم الرباني آية الله جوادي آملي أود أن أعبّر عن سعادتي الغامرة لإتاحة الفرصة لي لأكون معكم٬ و أرجو أن تساهم هذه المناقشات و الحوارات في تطوّر الأمة الإسلامية و رقيها. في الوقت الحاضر يخلو حقل الأمن الدولي من الأبحاث التي تعكس آراء الفلاسفة و الحكمة الإسلامية. و مع الأخذ بعين الاعتبار هذا الفراغ٬ آثرنا أن نخصّص هذه الورقة لكشف و تبيين الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن الدولي من منظار آية الله جوادي آملي.

السلام عليكم السادة الحضور و الأساتذة الأفاضل.

أود أن أعبّر عن سعادتي الغامرة لإتاحة الفرصة لي لأكون معكم٬ و أرجو أن تساهم هذه المناقشات و الحوارات في تطوّر الأمة الإسلامية و رقيها.

في الوقت الحاضر يخلو حقل الأمن الدولي من الأبحاث التي تعكس آراء الفلاسفة و الحكمة الإسلامية. و مع الأخذ بعين الاعتبار هذا الفراغ٬ آثرنا أن نخصّص هذه الورقة لكشف و تبيين الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن الدولي من منظار آية الله جوادي آملي.

الإطار المفاهيمي و النظري

تأسيساً على الإطار المفاهيمي و النظري الذي يستعين به آية الله جوادي آملي في حقل العلوم الإنسانية٬ و من ضمنها حقل العلوم و المدارس الأمنية٬ بمقدورنا أن نتحدّث عن نموذجين فكريين عموميين هما: النموذج المتعالي و النموذج المتداني أو المتعارف. في النموذج المتداني يتركّز الجهد كله على البقاء الدنيوي٬ بينما في النموذج المتعالي و الإلهي يكون البقاء الدنيوي تمهيداً للبقاء الأخروي.

  و من حيث أنّ النظرية المتعالية تنبني على مبدأ عدم الاكتفاء بالذات عند الإنسان٬ فإنّ السبيل الوحيد لضمان الأمن هو اشتراط حاكمية العلاقات الثنائية بمبدأ العدالة. في هذه الحالة فقط يمكن للبشرية و البلدان اجتناب الاستخدام الأحادي المجحف. ففي حال حاكمية العدالة٬ يمكن أيضاً ضمان أمن تلك الفئة غير المؤمنة من البشر و لكن المسالمة التي لا تعتدي على الآخرين. و في غير هذه الحالة٬ لن ينعم العالم بالأمن كما هو حاله الآن. من هنا فإنّ آية الله جوادي آملي يعرّف العلاقات الدولية كما يلي:

«العلاقات الدولية هو التناغم و التعايش السلمي العادل بين أمم العالم بعضها مع بعض» . (اسلام و روابط بين الملل٬ ص 15)

يعتقد سماحته أنّ التقاليد و الأعراف و ما شابه لا يمكن أن تكون مصدراً مشتركاً للقوانين لكل البشر٬ و ذلك٬ أولاً٬ لأنّ حقوق الإنسان٬ و أهمها حقه في الأمن٬ ينطوي على خصوصيّتين اثنتين: الأولى الثبات و الثانية الاشتراك. و ثانياً٬ أنّ تقاليد و عادات كل منطقة منها غير ثابتة و غير مشتركة. ثالثاً٬ ما كان غير ثابت لا يمكنه أن يشكّل مصدراً معرفياً لشيء ثابت. رابعاً٬ الأمر الخاص لا يمكن أن يكون مصدراً لاستلهام الحقوق المشتركة، و بناءً على هذا٬ فإنّ الحقوق الثابتة و المشتركة لا بدّ أن نبحث لها أولاً٬ عن أساس ثابت و مشترك٬ و ثانياً٬ أن نبحث عن مصدر ثابت و مشترك للأساس الثابت و المشترك. (اسلام و روابط بين الملل، ص 19 و كذلك الإسلام و حقوق الإنسان)

على هذا الأساس٬ يعتقد أنّ الدين هو المصدر الوحيد لتحديد العلاقات و الأمن الدولي العادل.» (اسلام و روابط بين الملل ، ص22) و برأي فيلسوف الحكمة المتعالية أنّ للدين الإسلامي خصائص وثيقة الصلة بالأمن الدولي٬ من بينها:

1. عالمية الإسلام

2. الثبات والتمحور حول الفطرة

يمكن تقسيم وسائل تحقيق الأمن من زوايا عديدة. أولاً٬ من زاوية المستويات٬ إذ يمكن عرضها على ثلاث مستويات هي: مستوى المسلمين٬ مستوى الموحدين٬ مستوى الملحدين. ثانياً٬ من زاوية السعة و الشمولية٬ و طبقاً لهذه الرؤية يمكن أن تقسّم إلى مجموعتين٬ مجموعة تشمل المستويات الثلاث و أخرى تختص بكل مستوى. و سوف نستعرض فيما يلي العناصر الخاصة و العناصر المشتركة:

وسائل الإسلام لضمان الأمن على مستوى المسلمين

1. الاعتصام بحبل الله: يقول الله تبارك و تعالى: « و اعتَصِموا بِحَبلِ اللهِ جَميعًا و لاتَفَرَّقوا واذكُروا نِعمَتَ اللهِ عَلَيكُم اِذ كُنتُم اَعداءً فَاَلَّفَ بَينَ قُلوبِكُم فَاَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ اِخوانًا و كُنتُم عَلى شَفا حُفرَةٍ مِنَ النّارِ فَاَنقَذَكُم مِنها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم ءايتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدون.» (آل عمران، آية 103)؛ (اسلام و روابط بين الملل، ص 75) . المقصود بالأخوة في الآية الكريمة الأخوة الإيمانية. فالمسلم أخ المسلم٬ لأنّ مقصود كل مسلم هو نفس مقصود المسلم الآخر.

و في موضع آخر يطرح القرآن الكريم مفهوم الاعتصام بـ «الله»٬ حيث تقول الآية الكريمة: « و مَن يَعتَصِم بِاللهِ فَقَد هُدِي اِلى صِرطٍ مُستَقيم.» (آل عمران، آية 101) حبل الله، هو نفسه دين الله الذي يشمل العقائد و الأخلاق و الأحكام٬ و الاعتصام بحبل الله هو اعتصام بالله.

2. سنّة الرسول الأكرم (‏صلى الله عليه و آله و سلّم) و أهل البیت (عليهم السلام):

الإنسان بحاجة إلى أسوة و مثل أعلى حتى يطابق عقائده و أخلاقه و سلوكه مع عقيدة قدوته و خُلُقه و سلوكه٬ و لما كان الرسول الأكرم (صلّى الله عليه و آله و سلّم) علماً و عملاً هو في طليعة السالكين إلى الحق تعالى٬ فهو إذاً أسوة الجميع٬ و أنّ نطاق التأسّي به سيكون نفس نطاق رسالته٬ أي نطاق العالم. (اسلام و روابط بين الملل،  ص 91) لقد شهد الله تبارك و تعالى بتخلّق نبيه الأعظم (صلّى الله عليه  و آله و سلّم) بالخلق الإلهي بقوله: «و اِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيم.» (القلم، آية 4) و من حيث أنّ للرسول الأعظم (صلّى الله عليه و آله و سلّم) خُلُق عظيم٬ فإنّ سنّته و سيرته و جميع مناحي حياته الشريفة أسوة لنا٬ ما لم يقم دليل على اختصاص وصفٍ أو فعل: « لَقَد كانَ لَكُم في رَسولِ اللهِ اُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرجوا اللهَ و اليَومَ الاءخِرَ و ذَكَرَ اللهَ كَثيرا.» (الأحزاب، آية 21)؛ لقد وصف القرآن الكريم بصريح العبارة النبي الأكرم (صلّى الله عليه و آله وسلّم) بأنّه محور الوحدة لأمّته و الرافع لاختلافاتها: «فَاِن تَنازَعتُم في شي‏ءٍ فَرُدّوهُ اِلَى اللهِ و الرَّسول.» (النساء، آية 59) (اسلام و روابط بين الملل، ص 93)،

3. دعوة الجميع إلى الأمن: يقول الله تبارك و تعالى: « ياَيُّهَا الَّذينَ ءامَنوا ادخُلوا فِي السِّلمِ كافَّةً و لاتَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطنِ اِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبين» (البقرة، آية 208). ( اسلام و روابط بين الملل، ص 78)

4. التأكيد على الأخوّة الإيمانية: يقول الله تبارك و تعالى: « اِنَّمَا المُؤمِنونَ اِخوَةٌ فَاَصلِحوا بَينَ اَخَوَيكُم و اتَّقوا اللهَ لَعَلَّكُم تُرحَمون» (الحجرات، آية 10)؛ تدعو الآية الكريمة المؤمنين إلى التآخي و التعاضد٬ و اجتناب أيّ فرقة و تشتّت، لذلك٬ يجب منع من يحاول بث الفرقة و الاختلاف في صفوف الأمة الإسلامية و نبذ الخلاف إن وجد٬ كما يأمرنا القرآن الكريم أنّه إذا تنازعت طائفتان من المؤمنين بسبب اختلاف الرؤى أو التصوّرات الباطلة٬ فيجب أولاً أن نصلح بينهما بأسلوب الموعظة و النصيحة٬ و إذا لم ينصلحا و بغت طائفة على أخرى٬ فلا بدّ من التصدّي للطائفة الباغية حتى تفيء إلى رشدها و ترعوي و تسلّم بحكم الله؛ و إذا سلّمت بحكم الله و قضائه٬ فيجب الإصلاح بينهما بالعدل٬ و عليكم باتباع نهج العدل لا السَلَم فقط٬ لأنّ السَلَم وحده في هذه الحالة غير ممدوح٬ بمعنى يجب أن نأخذ للمظلوم حقّه من الظالم٬ لا أن نجبر المظلوم على التنازل عن حقّه٬ فهذا و إن بدا سلماً و مصلحة ظاهرية٬ إلّا أنّه بعيد عن العدل و العدالة الحقيقية: « و اِن طائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنينَ اقتَتَلوا فَاَصلِحوا بَينَهُما فَاِن بَغَت اِحدهُما عَلَى الاُخري فَقاتِلوا الَّتي تَبغي حَتّي تَفيءَ اِلى اَمرِ اللهِ فَاِن فاءَت فَاَصلِحوا بَينَهُما بِالعَدلِ و اَقسِطوا اِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطين.» (الحجرات، آيه 9.) (اسلام و روابط بين الملل،  ص 79).

وسائل الإسلام في تحقيق الأمن على مستوى موحّدي العالم

يقول الله تبارك و تعالى في كتابه الكريم « قُل ياَهلَ الكِتبِ تَعالَوا اِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَينَنا و بَينَكُم اَلاَّ نَعبُدَ اِلاَّ اللهَ و لا نُشرِكَ بِهِ شيئاً و لا يَتَّخِذَ بَعضُنا بَعضًا اَربابًا مِن دونِ اللهِ فَاِن تَوَلَّوا فَقولوا اشهَدوا بِاَنّا مُسلِمون.» (آل عمران، آية 64) و يبيّن في هذه الآية المباركة ثلاثة محاور للتعايش و الأمن بين موحّدي العالم نستعرضها بإيجاز فيما يلي. (اسلام و روابط بين الملل، ص 110)

1. عبادة الله و نبذ الشرك: المحور الأول للأمن على صعيد أتباع الأديان التوحيدية هو التوحيد في العبادة٬ يعني الإجماع على عبادة الله تبارك و تعالى: «اَلاَّ نَعبُدَ اِلاَّ الله.» (المصدر نفسه، ص 111)

2. رفض نظام السيد الإقطاعي و الأقنان: المحور الثاني الذي يضمن الوحدة و الأمن على صعيد أتباع الأديان التوحيدية هو نبذ الهيمنة السياسة و الثقافية٬ يقول الله تبارك و تعالى في كتابه الكريم: «و لا يَتَّخِذَ بَعضُنا بَعضًا اَربابًا مِن دونِ الله.» (آل عمران، آية 64) في تفسير هذا المحور نشير إلى نقطتين هما. النقطة الأولى أنّ أفراد المجتمع عبارة عن أجزاء في حقيقة واحدة٬ و شركاء و متماثلين٬ و من زاوية العلاقات الاجتماعية لا سيادة لأحد على آخر٬ لذلك ليس لأحد أن يكره الآخر على النزول عند إرادته إلّا أن ينزل هو بنفس المقدار عند إرادة ذلك الآخر. النقطة الثانية أنّ الربوبية هي من خصائص الألوهية٬ و هذان المفهومان متوافقان و متلازمان. (اسلام و روابط بين الملل، ص 116و 118)

3. إقامة النظام الرباني: إنّ ما يقدّمه القرآن الكريم أعمق بكثير من نظام السيد الإقطاعي و الأقنان على الصعيدين السياسي و الاقتصادي: فهو يطرح انحلاله و إعادة بنائه في آنٍ معاً. يقول عزّ من قائل في سورة آل عمران المباركة: «ما كانَ لِبَشَرٍ اَن يُؤتِيَهُ اللهُ الكِتبَ و الحُكمَ و النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقولَ لِلنّاسِ كونوا عِبادًا لي مِن دونِ اللهِ و لكِن كونوا رَبّنِيّينَ بِما كُنتُم تُعَلِّمونَ الكِتبَ و بِما كُنتُم تَدرُسون.» (آل عمران، آيه 79)؛ بناءً على هذا فإنّ نظام السيد الإقطاعي و الأقنان على الصعيد الديني ممنوع؛ بينما النظام الرباني مسموح بل و ضروري و واجب كفائي. (اسلام و روابط بين الملل، ص 124و120)

وسائل الإسلام في تحقيق الأمن على مستوى العالم

1. الفطرة رأس مال الأمن العالمي: لقد أودع الله تبارك و تعالى فطرة الإنسان مبدأً «ثابتاً» و «مساوياً» و «عاماً» و «دائماً» و هو ثروة السعادة التامة و الوحدة الشاملة مع جميع المجتمعات الإنسانية، بحيث٬ لا يمكن لأحد في أيّ عصر و مصر أن يفقدها أبداً. إنّها رأس مال التكامل التكويني٬ عنيت لسان الفطرة التوحيدية٬ التي تقوم بتجسير قلوب البشر بدون الحاجة لأيّ رأس مال آخر أو عقد أو موافقة: « فَاَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا فِطرَتَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيها لا تَبديلَ لِخَلقِ اللهِ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ و لكِنَّ اَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمون.» (الروم، آية 30)

2. وجوب مراعاة الميثاق: مراعاة المواثيق بمختلف أنواعها الثنائية أو متعددة الأطراف واجبة في الإسلام٬ و كل ذلك يندرج ضمن مبدأ العدل و نبذ الظلم. يقول الله تبارك و تعالى في مطلع سورة المائدة المباركة: «ياَ يُّهَا الَّذينَ ءامَنوا اَوفوا بِالعُقودِ اُحِلَّت لَكُم بَهيمَةُ الاَنعامِ اِلاّ ما يُتلى عَلَيكُم غَيرَ مُحِلّي الصَّيدِ و اَنتُم حُرُمٌ اِنَّ اللهَ يَحكُمُ ما يُريد.» (المائدة، آية 1) (اسلام و روابط بين الملل، ص 156)

3. منع إقامة أيّ علاقات مجحفة مع الكافرين:  الإفراط و التفريط مرفوضان. فكما أنّ العلاقة المنفلتة من عقالها مع الكفار تعتبر خطأً٬ فإنّ قطع العلاقة معهم نهائياً هو أيضاً سلوك غير سليم. فالإسلام يأمرنا عند إقامة علاقات مع الكافرين ألّا نجعلهم موضع أسرارنا٬ فقد جاء في القرآن الكريم: «ياَ يُّهَا الَّذينَ ءامَنوا لا تَتَّخِذوا بِطانَةً مِن دونِكُم لا يَألونَكُم خَبالًا وَدّوا ما عَنِتُّم قَد بَدَتِ البَغضاءُ مِن اَفواهِهِم و ما تُخفي صُدورُهُم اَكبَرُ قَد بَيَّنّا لَكُمُ الاءياتِ اِن كُنتُم تَعقِلون.» (آل عمران، آية 118)؛ (اسلام و روابط بين الملل، ص 171)

4. نبذ علاقة الظلم قابلاً و فاعلاً: (لا تَظلِمونَ و لا تُظلَمون) (البقرة، آية 279)،

 الإسلام يوجب الاستعانة بوسيلتين لضمان الأمن على جميع الصُعُد:

1. مبدأ العدل:

2. الوحدة: أساس السلام و الأمن العالميين

أشكركم جزيل الشكر على حسن الإصغاء٬ و أقدّم شكري أيضاً لكل من ساهم بجهوده في عقد هذا المؤتمر.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین

منبع: دبیرخانه مجمع اندیشمندان ایران و جهان عرب
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت |
Guest (PortalGuest)


Powered By : Sigma ITID