شریف لکزائی المحبة في الفلسفة السياسية المتعالية الهدف الرئيسي من الورقة دراسة موقع الفلسفة السياسية المتعالية و دورها٬ مع التركيز على آراء الفيلسوف صدر الدين الشيرازي فيما يخصّ العلاقات الفكرية و الثقافية بين إيران و العالم العربي٬ و لا سيّما موضوع المحبة. إنّ لغة الفلسفة٬ كما هو معروف٬ لغة العقل و البرهان٬ و في اعتقادنا بمقدور هذه اللغة أن تقدّم عوناً كبيراً في مجال الحوار الثقافي الذي يجمع تحت لوائه أفكاراً متعدّدة و متنوعة

السلام عليكم السادة الحضور الكرام

أشكركم على إتاحة هذه الفرصة لي٬ و أشعر بسعادة غامرة لوجودي بين هذه النخبة المثقفة.

تتناول هذه الورقة موضوع المحبة في الفلسفة السياسية المتعالية٬ و أرجو أن تحظى باهتمام الأساتذة الأفاضل.

الهدف الرئيسي من الورقة دراسة موقع الفلسفة السياسية المتعالية و دورها٬ مع التركيز على آراء الفيلسوف صدر الدين الشيرازي فيما يخصّ العلاقات الفكرية و الثقافية بين إيران و العالم العربي٬ و لا سيّما موضوع المحبة. إنّ لغة الفلسفة٬ كما هو معروف٬ لغة العقل و البرهان٬ و في اعتقادنا بمقدور هذه اللغة أن تقدّم عوناً كبيراً في مجال الحوار الثقافي الذي يجمع تحت لوائه أفكاراً متعدّدة و متنوعة. بطبيعة الحال٬ هذا أحد جوانب القضية التي نحن بصددها٬ و ذلك لأنّ الفلسفة السياسية لا تركّز على العقل وحده بل هناك عدد من المفاهيم في الفلسفة السياسية خاضعة للحوار تعمل٬ في ظنّنا٬ على تقوية الأبعاد غير البرهانية و المجالات العاطفية و الانفعالية لدى الإنسان مثل المحبة و التي كانت موضع نقاش في منهج الفلسفة السياسية منذ القدم.

هذه النظرة٬ بطبيعة الحال٬ تتعزّز في التعاليم الدينية بمفاهيم الأخوة. من هنا٬ و نظراً إلى أنّ الفلسفة في العالم الإسلامي مدينة إلى الآراء الإسلامية٬ و أنّ الفلاسفة المسلمين ظلوا و ما زالوا أوفياء للتعاليم الإسلامية٬ فإنّه يمكن أن نجزم بوجود مثل هذه النظرة في مؤلفات الفلاسفة المسلمين أيضاً٬ و يمكن إثراؤها عبر إنجاز الدراسات الفلسفية. يمكن ملاحظة هذه النظرة بوضوح في الحكمة المتعالية كذلك٬ فهذه الحكمة قد وقفت على مفترق طرق٬ بحيث أنّ وضع العلوم العقلية و النقلية الإسلامية مثل الأخلاق و العرفان و الوحي و الروايات و الكلام و المعتقدات الدينية إلى جانب الموضوعات العقلية و البرهانية قد اكتسب معنى جديداً٬ و ساعد الإنسان على الفهم الشامل للظواهر الاجتماعية و الثقافية.

بالإضافة إلى كل ما تقدّم٬ فإنّنا نعتقد٬ أنّ الحكمة المتعالية ساعدت على تواصل العلوم الإسلامية. من هنا يمكن القول٬ أنّ كل علم قد أخذ حصّته٬ و لم يتم إغفال أي علم إدراكي بما في ذلك الأبعاد العاطفية و الشعورية و النفسية للإنسان و المجتمع الإنساني٬ مع التأكيد بأنّ العلم و المعرفة الإلهية تحتل مكانة أرفع من وجهة نظر صدر الدين الشيرازي بحيث أنّ جميع العلوم الأخرى تستضيء بنورها. طبعاً٬ يمكن لهذه النظرة أن تكون نتيجة للنظرة التشكيكية للشيرازي كذلك و التي تتضمن الانسجام و التضامن. و عليه نستطيع القول بأنّ كل فكرة تمتلك حصة من العقل الجمعي لها القدرة على التعاطي و التحاور مع الآخرين٬ و أن تتكفل بدور معين في الارتقاء بالإنسان و المجتمع. غير أنّ التأكيد على جانب العقل و البرهان يمثّل وجهاً واحداً ضرورياً و أساسياً في بحوث الفلسفة السياسية.

بناءً على هذا٬ فإنّ التأكيد على عامل المحبة في هذه الفلسفة يمكن٬ كما في سائر الفلسفات الأخرى٬ أن يشكّل عاملاً مهماً من أجل التقريب بين القلوب و الأفكار و السلوكيات. في هذا السياق٬ و بالإضافة إلى نقاط الالتقاء بين صدر الدين الشيرازي و بقية المفكرين فيما يخصّ أهمية المحبة و مكانتها٬ يتمايز الشيرازي بنظرته في أنّه يرسم المحبة في ثلاثة مجالات هي: محبة الخالق للمخلوق٬ محبة النبي للناس٬ و التأكيد على أنّ العبادات الجمعية يمكن أن توفر أرضية مناسبة للتضامن.

محبة الله للإنسان

يعتقد صدر الدين الشيرازي بالاستناد إلى الآية الكريمة «یحبهم و یحبونه» (المائده، آية 54) بأنّ محبة الله لعباده حقيقية٬ بخلاف ما يظن بعض المتكلمين بأنّها مجازية؛ و ذلك لأنّ المحبة عبارة عن «الابتهاج بشيء موافق٬ سواء كانت موافقته عقلية أو حسية٬ أو حقيقية أو مظنونة٬ و قد تبيّن بأنّ الباري تعالى جميل أجمل؛ و لذلك فمحبة الحق تعالى لعباده قائمة على الحقيقة و ليست مجازاً على الإيصال بإزاء الطاعة» (صدر الدين الشيرازي، مبدأ و معاد، 185). هذه المحبة متبادلة٬ كما يتّضح من الآية الكريمة السابقة٬ و الإنسان يعشق الله تعالى فطرياً٬ غير أنّ محبته لله إرادية. هذه المحبة تنطوي على قيمة و أهمية و اعتبار. فالإنسان يشعل في وجوده جذوة الحب لله بإرادته٬ و بهذه الطريقة أيضاً يحب الآخرين. هذه المحبة تكون خالصة و بدون رياء. طبعاً يذكّر صدر الدين الشيرازي أنّه لما كان الإنسان أشرف المخلوقات٬ فمحبة الله للإنسان٬ بالنتيجة٬ هي أكبر بكثير من سائر المخلوقات. (مبدأ و معاد، 186).

محبة النبي للناس

أحد الشروط الإثني عشر التي يضعها الفلاسفة المسلمون للرئيس الأول٬ حيث يشكّل النبي النموذج الأمثل له٬ هو محبة النبي لجميع الناس. يجب على النبي أن ينظر إلى جميع البشر نظرة متساوية و أن يحبهم. في الحقيقة٬ لما كان شرط الهداية و العيش بإيمان هو الحرية و الإرادة٬ فإنّ رسول الله لا يمكنه أن يكون فظاً غليظ القلب مع الناس٬ و يجب عليه أن يخاطب فطرتهم برأفة و رحمة و شفقة و يدعوها إلى الله تعالى. يقول صدر الدين الشيرازي أنّ عطف النبي و شفقته إزاء البشر مثل عطف و شفقة الوالد إزاء ولده (الشواهد الربوبیة، 474) و هي إرادية بخلاف علاقة الوالد بولده. و مع ذلك٬ فإنّ محبة النبي إزاء المؤمنين تتميّز بعمق أكبر٬ من حيث يقول الله تبارك و تعالى: «لقد جاءکم رسول من أنفسکم عزیزٌ علیه ما عنتّم حریصٌ علیکم بالمؤمنین رؤوفٌ رحیم» (التوبة، آية 128)؛ و يمكن القول بأنّ الشرط المهم لأيّ حاكم و حكومة هو المحبة و الرأفة إزاء جميع المواطنين و نظرته المتساوية إزاءهم.

نتیجة العبادات الجمعية

يؤمن صدر الدين الشيرازي بأنّ العبادة الجمعية التي أنزلها الله على البشر بواسطة أنبيائه و تدور مدار المحبة و خلق المحبة و التضامن الاجتماعي٬ لها تأثير كبير. بمعنى أنّ العبادة الجمعية٬ و الحج أبرز مصاديقه٬ مكان لزيادة المحبة و العطف بين الخلق (مبدأ و معاد، 558). من هنا٬ فإنّ تأثير العبادات الجمعية٬ هو تعميق المحبة لتحقيق التضامن الاجتماعي. و يرى الشيرازي بأنّ تكرّر العبادات الجمعية أيضاً هو من أجل مواصلة التأكيد على المحبة و الأنس و الألفة الاجتماعية (المصدر نفسه).

على أيّ حال٬ كما أنّ صدر الدين الشيرازي في موضوع العلوم يرى أنّ العلم و المعرفة الإلهية تأتي في صدر جميع العلوم٬ و منها ينظر إلى سائر العلوم٬ و يلحظ البعد الجامع للعلوم٬ و يقيم فلسفته أيضاً على هذا الأساس٬ فإنّه في الحقل الاجتماعي كذلك يحاول جمع البشر في منطقة واحدة من أجل التقريب بينهم علّه يستطيع التخفيف من آلامهم و عذاباتهم.

و يبدو أنّ ما يحاول صدر الدين الشيرازي ترسيمه هو أنّ كل محبة ناجمة عن محبة الله تبارك و تعالى. و كأنّه لا يمكن أن تتشكّل محبة غير محبة الله. فالمحبة غير الإلهية غالباً ما تشوبها الأهواء و المنافع المادية٬ بينما المحبة الإلهية محبة خالصة من كل لذة أو نفعية٬ و هي بعد٬ محبة دائمة. و لكن إذا غلب وجه غير إلهي على المحبة٬ فإنّ المحبة تدوم بدوام المصالح المادية٬ و متى ما زالت تلك المصالح زالت المحبة معها. لذلك٬ كلما اتّسمت بعمق و لون إلهيين٬ أمكن القول بتشكّل علاقات و وشائج أعمق و أوسع. و عليه٬ فالمحبة في الفلسفة السياسية المتعالية تصطبغ بصبغة إلهية. و هذا اللون الإلهي عبارة عن تفسير آخر للفطرة٬ و إلّا فمحبة الوالدين لولدهما لا إرادية٬ و بنفس المقدار فإنّ حب الثروة و المنفعة و الجاه أيضاً يكتسب معناه ضمن الغرائز المادية٬ مع ملاحظة٬ طبعاً٬ أنّ مقدار متوازن منها ضروري لإدامة الحياة٬ و لكن لا ينبغي أن يكون هذا المقدار بالمستوى الذي يضع الفطرة الإلهية للإنسان أمام علامة استفهام.

خلاصة البحث:

إحدى النتائج و المكتسبات المهمة للمحبة التي تمّ التأكيد عليها في الفلسفة السياسية الغربية المعاصرة أيضاً٬ و خاصة التمسك بالعبادات الجمعية٬ أنّها تؤدّي إلى الأنس و الألفة و التضامن الاجتماعي. لذلك٬ يمكن أن نجد حلقة تواصل بين الفلسفة السياسية المتعالية و موضوعات الفلسفة السياسية المعاصرة في الغرب و التي تركّز على مسألة التضامن الاجتماعي٬ و من ثمّ الانطلاق منها بدلائل أكثر للدفاع و عرض المنهج الفلسفي الإسلامي.

من النتائج الأخرى للمحبة زرع الاحترام و الطمأنينة و الثقة في المجتمع و التي تؤدّي بالمآل إلى التقريب أكثر بين أفراد المجتمع. و لطالما تحدّث الإمام موسى الصدر كثيراً عن الاحترام و الطمأنينة و الثقة المتبادلة في المجتمع التعددي في لبنان. و في ظنّي أنّ هذه الأمور ممكنة التحقيق في ظلّ المحبة. فالإمام موسى الصدر كان يؤكّد على هذا الموضوع الذي يحظى بأهمية في الفلسفة السياسية المعاصرة٬ و كان يعتقد بأنّ الشروط اللازمة لحوار عادل و منصف و حر هي الاحترام و الطمأنينة و الثقة بين الطرفين المتحاورين. و على ذلك٬ يمكن القول بأنّ المحبة يجب أن تتكئ على الاحترام و الطمأنينة و الثقة أكثر فأكثر٬ و أن تنشر الأدب و الاحترام في المجتمع٬ لتستطيع تهيئة أجواء ثقافية مناسبة للحوار و الانسجام و التضامن.

و بصورة طبيعية٬ إحدى نتائج البحث٬ إقامة حوار في أجواء آمنة و مستقرة٬ نستطيع من خلالها تقديم نموذج ناجح و مؤثر عن التضامن في العالم الإسلامي. بالإضافة إلى ذلك٬ يمكن تطوير العلاقات بين إيران و العالم العربي بعيداً عن التشريفات الرسمية و الحكومية٬ لتساعد٬ كذلك٬ على تعزيز الحوارات الثقافية بين الطرفين و ديمومتها. من هذه الزاوية٬ فإنّ للفلاسفة المسلمين مكانة خاصة و دور مهم في التقريب بين الشعوب الإسلامية.

أشكركم جزيل الشكر على حسن الإصغاء و أنا على استعداد لسماع آرائكم السديدة في هذا الموضوع.

منبع: دبیرخانه مجمع اندیشمندان ایران و جهان عرب
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت |
Guest (PortalGuest)


Powered By : Sigma ITID