کلمة المفکر المغربی إدریس
المفکرون العرب والتراث کلمة المفکر المغربی إدریس هانی فی المعهد العالی للعلوم والثقافة الإسلامیة نحن نعلم عبر التاریخ الإسلامی أن اللحظات التی ازدهر فیها العالم الإسلامی واکتملت فیها بنیته الحضاریة هی اللحظة التی تکامل فیها الجهد بین فارس والعرب ومنذ بدأ هذا الشرخ بین إیران والعرب والعالم الإسلامی یعانی الانحطاط وهناک نحن نعلم عبر التاریخ الإسلامی أن اللحظات التی ازدهر فیها العالم الإسلامی واکتملت فیها بنیته الحضاریة هی اللحظة التی تکامل فیها الجهد بین فارس والعرب ومنذ بدأ هذا الشرخ بین إیران والعرب والعالم الإسلامی یعانی الانحطاط وهناک أدوات ومحاور إقلیمیة تلعب دوراً کبیراً فی تکریس هذه العزلة وباعتبار أن عدوالعرب الحقیقی هو إیران ولیس إسرائیل.بسم اللّٰه الرحمن الرحیم والصلاة والسلام على سید الخلق أجمعین سیدنا وحبیبنا أبی القاسم محمد وعلى آل بیته الطیبین الطاهرین. یسعدنی ویشرفنی أن أتواجد فی حضرة هذا المحفل الطیب من علماء وباحثین وأساتذة کرام فی هذا البلد الطیب، البلد الحر، البلد المستقل، البلد الذی أضحى قبلةً للمستضعفین فی الأرض، لأنه آمن بالله وآمن بقوة الشعب ونزاهة القیادة وفی عالمٍ هیمنت علیه الهزیمة وهیمنت علیه کل أشکال الانبطاح نحن الیوم فی العالم العربی والعالم الإسلامی نعیش حالةً مؤسفة جداً، حالة من الفوضى، حالة من التراجع، حالة من الانحطاط، حالة من الهزیمة المنکرة وأکبر تجلی من تجلیات هذه الأزمة إننا أصبحنا نعیش هذا الشرخ الذی تحدث عنه کثیراً سماحة الشیخ زمانی، أننا أصبحنا أمة متشظیة، أمة متفرقة ولکن هذا التفرق نتج فی ما یسمى بعصر التأسیس بمفهومه التاریخی طبعاً حینما أصبحت هناک مذاهب ومدارس تحولت من کونها مدارس جاءت إجابة طبیعیة لتطور المجتمع وتعقید الواقع إلى أن أصبحت معسکرات وجبهات للقتال ولممارسة أنواع من التدمیر الذاتی إحدى أهم تجلیات هذه الأزمة هذا الشرخ الحاصل الیوم فی العالم العربی أو فی العالم الإسلامی بین شقین بین عالم عربی وجد أخیراً من یضع له إیدیولوجیا مزیفة اسمها الاعتدال مقابل ما یسمى بکتلة الممانعة وإیران رکن رکین فی هذه المنظومة، نحن نعلم عبر التاریخ الإسلامی أن اللحظات التی ازدهر فیها العالم الإسلامی واکتملت فیها بنیته الحضاریة هی اللحظة التی تکامل فیها الجهد بین فارس والعرب ومنذ بدأ هذا الشرخ بین إیران والعرب والعالم الإسلامی یعانی الانحطاط وهناک أدوات ومحاور إقلیمیة تلعب دوراً کبیراً فی تکریس هذه العزلة وباعتبار أن عدوالعرب الحقیقی هو إیران ولیس إسرائیل. وحصل انحطاط متدرج على مستوى الأسئلة التی کانت قد طرحت فی عصر النهضة العربیة فی أواخر القرن التاسع عشر إلى أن وصلنا إلى فکر الجماعة لدى الجامعة الإسلامیة. أصبحنا مع الجماعة الاسلامیة ودخلنا فی طور من التکفیر انتهى بطریقة ممنهجة إلى ما آلت الیه الأوضاع الآن بعد ما کنا نتحدث عن العلاقة بین الأنا والآخر وکیف نلحق بالرکب الحضاری ولماذا انهزمنا وتخلفنا وتقدم غیرنا، أصبحنا الیوم نتحدث هل أنت مؤمن أم کافر وأصبحنا نعیش لحظة داعشیة بامتیاز فیما أصبحت مشکلتنا الآن هی داعش فی العالم الإسلامی ولیس قضیة التخلف بمعناه السیاسی والثقافی والاقتصادی وهلم جراً. البارحة سئلت من قِبل بعض وسائل الإعلام هل داعش هی نتیجة للعبة إستراتیجیة من دول أخرى أم أنها نابعة من صمیم تراثنا فکان جوابی کما کان جوابی على أسئلة مماثلة فی العالم العربی أن هناک جانبان فی الموضوع: الجانب الأول أن المادة مادة التطرف موجودة عندنا، فتراثنا له نصیبه من التحجر وله نصیبه أیضاً من التخلف وإلّا کل هذه المحن وکل هذا التراث المحنوی الذی عرفه العالم الإسلامی یجب أن نعترف بذلک ونعترف بأن لدینا منسوبنا أیضاً من التحجر والتعصب والاستکبار. ولکن الجانب الآخر هو الجانب اللعبی، نظریة الألعاب، نظریة لعبة الأمم، هناک أمم قویة لاعبة فی هذه المنطقة وهی التی أیضاً تعمل على إفتاء هذه النماذج وإحیائها وتنظیمها بطرق متعارف علیها فی نظریات الألعاب الاستراتیجیة والتحکم فی الذهنیات عن بعد. الهدف من وجود داعش وکل هذا له علاقة بسؤال التقدم فی منطقتنا إنهم لا یریدوننا أن نسأل حتى هذا السؤال، یریدوننا أن نستجیب لهذا القدر الإمبریالی والاستکباری إن وظیفتنا یجب أن تکون وظیفة فی الهامش ولیس فی المرکز. سؤالکم هذا عن لماذا لم نتقدم یهدد المصالح الاستراتیجیة الغربیة لأنکم تفکرون فی أن تکونوا شرکاء لنا فی المرکز ونحن نریدکم أن تکونوا على الهامش یریدون أن یشیعوا التوحش فی المنطقة یریدون أن یکرسوا مفهوم الإسلاموفوبیا لأن عندهم مشکلة، هی إن الهویة الغربیة الآن تتآکل دینیاً وعرقیاً، یخاف من الهجرة، یخاف من الثقافة التی تحملها الهجرة هذه من المشاکل التی استشعرها الغرب وباح بها وکشف عنها. فی صدام الحضارات، هم یریدون أیضاً أن یشیعوا الیأس والعدمیة فی العالم العربی، یریدون أن ییأس العالم العربی من الکیانات، من الدولة، من السیاسات، من أی بدیل، من أی شیء آخر وهذه العدمیة هی الطریق الممهد لمزید من الإخضاع فوجود داعش هو فی الحقیقة إحدى أسبابه هو تکریس هذه الوضعیة فی العالم العربی وهم أیضاً اعترفوا بأنهم یریدون الفوضى الخلاقة فی المنطقة ویریدون خلق شرق أوسط جدید مرةً جدید ومرةً کبیر، لذلک، الیوم حینما نتحدث عن مواجهة بین الاعتدال ومحور الممانعة ففی الحقیقة هذه معرکة أوربما هذا العنوان مضلل بعض الشیء، هی حرب بین الاستکبار والإمبریالیة وبین القوى الحیة فی هذه المنطقة أما الاعتدال فهومجرد أدوات وظیفیة فی المنطقة لا تحمل مشروعاً ولا تحمل استراتیجیة وإنما استراتیجیتها هی خدمة الاستکبار بکل وضوح. هذا مدخلٌ وإن بدا مدخلاً فیه من شوائب السیاسة لکن هذا کله فی صلب الموضوع، لأن نحن لا نفرق بین السیاسة والفکر کما لا نفرق بین السیاسة والدین. داعش کله قضیة علمیة، قضیة صناعة علمیة فکریة تدخل فی قضیة العلاقة بین الأنا والآخر، حتى بین فکرنا ووعینا نحن فی العالم العربی أرید أن أقول داخل هذه العدمیة وداخل هذه الفوضى هل ممکن أن یکون هناک أمل فی إحیاء الأسئلة نفسها التی طرحت فی مجال الفکر العربی والفکر الإسلامی هل هی عدمیة آکلةٌ بالعةٌ باستئناف السؤال سؤال النهضة، سؤال التحضر، سؤال التقدم أم أنه یجب ان ننکفی وننعزل وننزوی إلى ما لا نهایة. فی الحقیقة نحن نقول بأنه ممکن وقد طرح سماحة الشیخ زمانی أنه یوجد تطرف فی کلا الاتجاهین ولکن دائماً فی کل مدرسة هناک نسبة من ما سمّاه شیء معتدل وشیء متطرف أکثر وضرب مثال بأخباریة الإسلام الشیعی الظاهریة والسلفیة فی الإسلام السنی.نعم، ابن حزم الظاهری مثلاً وهو من الإسلام السنی الظاهری یختلف عن غیره، یقابله مثلاً فی الأخبار صاحب الحدائق. لیس ککل أمثاله ولا أعتقد أنه من خلال ما هو إیجابی فی کل هذه الاتجاهات نستطیع أن نرمم ونعید بناء الأسئلة. سماحة الشیخ تحدث فی المقدمة عن الحکمة المتعالیة والحکمة المتدانیة فی المشهد العربی. عندنا حرکة نقدیة حقیقیة ومکثفة ولکن الفارق بین المشهد العربی والمشهد الثقافی الفکری فی إیران أن الإیرانیین ینطلقون من ملاء (فی مقابل فراغ) عندما یقول عندنا حکمة متعالیة، فی العالم العربی کان النقاش بین فکر لا علاقة له بالحکمة والفلسفة تجاه الحداثة التی هی ترتکز على مقومات وأسس فلسفیة. أما فی ایران حکمة مقابل حکمة، حکمة متعالیة مقابل حکمة متدانیة وصار ما بلغه المفکر العربی فی نقده للفکر العربی أو نقده للعقل العربی أنه حاول أن یصلنا بابن رشد ثم وضع مسحة جدیدة على ابن رشد أو أسقط بعض التصورات والمفاهیم على ابن رشد لکی یحیلنا إلى دیکارت فنحن لا زلنا نحاول أن نقنع أنفسنا بأن نکون رشدیین حتى نکون بمستوى دیکارت المتجاوز حدثیاً الیوم عندما نحکی عن دیکارت نحکی عن تاریخ الحدث ولیس عن الحدث لکن حینما نتحدث عن صدر المتألهین الشیرازی مثلاً فنحن نتحدث عن ما بعد دیکارت أن ملّا صدرا على صعید المعرفة والفلسفة لا یمکن أن یُستَوعب فی اللحظة الدیکارتیة فهو یُستَوعب فی اللحظة الهایبیریة وهی لحظة متقدمة جداً فی تاریخ الفلسفة الغربیة وعلى مستوى الطبیعیات والفیزیاء هو ما بعد نیوتن لیس قبل نیوتن أو فی اللحظة النیوتونیة ففیزیاء ملا صدرا هی فیزیاء الکوانتا، فیزیاء الحرکة الجوهریة ولیست فیزیاء المکانیک أو النیوتونی فبالتالی هذا امتلاء، هذا رصید، ومن التراث نستطیع أن نقاوم من خلاله التحدی الغربی بالفعل الحداثة فرضت تحدیاً کبیراً على الفکر العربی تحدیداً فی لحظة من اللحظات فی نهایة القرن التاسع عشر، ظهر رجل فی الشرق هوالسید جمال الدین المعروف عند العرب بالافغانی والذی یعرّف نفسه هو لأسباب سیاسیة بأنه افغانی هذا الرجل ألهم الشرق، وهو الذی أسس الجامعة الإسلامیة وهو الذی طرح أولى الأسئلة العمیقة والکبرى للنهضة العربیة. لعب السید جمال الدین دوراً مهماً فی محاولة تلطیف المشهد العربی وإخراجه من حالة التحجر وحالة الالتباس وحالة الخنوع وأوجد حوله فریقاً من تلامذته نَحَوْا منحاه وتأثروا بتأثیره ولکن سرعان ما عاد التطرف بشکل تدریجی یُؤَرَّخ له مع محمد رشید رضا إلى الجماعات الإسلامیة إلى دخولنا فی عهد التکفیر إلى صعود الحرکة الوهابیة التی استطاعت أن تخترق کل ما یمکن أن نعتبره من بقایا فکر النهضة العربیة. أنتم تعلمون أن بقیة هذه الأسئلة النهضویة هو رشید رضا. ورشید رضا هو أول أو آخر عنقود فی حرکة الجامعة الإسلامیة الذی قدم مدحاً کبیراً جداً لمحمد بن عبد الوهاب وفجأة جاء تلمیذه حسن البنا وبدأت الجماعة الاسلامیة وبدأ نوع من الانحطاط فی موضوع الأسئلة أو فی مستوى أسئلة النهضة إلى أن وصلنا إلى التکفیر واختراق التیارات الوهابیة لهذه الجماعات التی لم تکن فیها مناعة من الفکر ولا من الوعی کما کان حاصل عندما کان السید جمال الدین. بهذا المعنى نستطیع أن نقول من ذلک الوقت حتى بدایة القرن العشرین أن کل مهمَّة السید جمال الدین فی العالم العربی قد فشلت. سؤال التراث فی هذه الحقبة لم یکن سؤالاً جوهریاً لأنه فی حرکة النهضة تم التعامل مع التراث على أنه إرث حضاری وبدأت العنایة به کأننا کنا بصدد عصر تدوین جدید، إحیاء للشعر والنظم وترجمة وازدهرت الاستعارة من الفکر الحدیث ولکن بعد إضفاء طابع محلی علیه بما أن هذه اللحظة کان التراث یشکل غنى تستند إلیه حرکة النهضة والإصلاح ولکن بعد ذلک هذا التحجر الذی سیولد تحجراً مقابلاً وهذه مشکلة العالم العربی، إما متحجرون جداً فی أقصى الیمین وإما متحجرون جداً فی أقصى الیسار فالمنطقة الوسطى غیر موجودة وکلمة اعتدال هی کلمة زائفة کما قلنا. المنطقة لیست معتدلة لا فی السیاسات ولا فی الفکر، فطغیان النزعة السلفیة فی الفکر الدینی فی العالم العربی أوجد مقابلاً له بحیث على الأقل کما قلنا فی عصر السید جمال الدین استطاع أن یجمع ما یشبه الکتلة التاریخیة بمعنى وکان أیضا محمد عبده الدینی قد استطاع أن یجمعهم تحت عبائته ولکن ما إن وصلنا إلى عهد رشید رضا وما بعده حتى انفرط الوضع وأصبحنا أمام الأقصى مقابل الأقصى وشیوع الفکر أو النزعة السلفیة أثارت فی مقابلها ردة فعل کبیرة جداً طبعاً هذا زاد أکثر عندما وصلنا إلى نکسة ال67 وهنا حتى نعرف العلاقة بین السیاسة والفکر بین الواقع والفکر، بین الحروب التی خاضها العرب ضد إسرائیل وانعکاسها على التطور الفکری العربی. سؤال الحدث طُرِح بشکل مُلِح بعد ال 1967 یعنی بعد عصر النکسة. أصحاب النزعة السلفیة اعتبروا أن التراث کله مقابل الحداثة کلها، ولأنه لم یکن هناک حکمة فی العالم العربی ولم یکن هناک فلسفة وإنما کان هناک نزعة سلفیة فقط ترید أن تواجه حداثة کلها فلسفة فهنا دخلت الفلسفة ضد اللا فلسفة وکان حوار طرشان فبدأ الحدیث العکسی عن إشکالیة التراث، هل إذا أردنا أن ندخل إلى الحداثة وتحدیاتها وشروطها هل نستطیع أن ندخل الحداثة بتراثنا باعتبار أن هؤلاء مفکرین ولأن أکثر الأسئلة التراثیة طُرِحت عندنا فی المغرب ونحن فی المغرب نسمّی الحرکة السلفیة وکل حرکة تعود الى الوراء أو تستلهم من الوراء أو تحاول حتى حرکة النهضة والإصلاح فی مصر والشام کنا نعتبرها الحرکة السلفیة فظاهرة الحرکة السلفیة الوطنیة فی المغرب والتی شکّلت إیدیولوجیة الحرکة الوطنیة ضد الاستعمار وظلت حتى لبناء دولة بعد الاستقلال وأثرّت النزعة السلفیة فی کثیرٍ من النظام التعلیمی والثقافی إلى غیر ذلک. هنا سینبری أحد المفکرین المغاربة الذین أثّروا فی مجال فکر کل عربی وهو عبداللّٰه العروی الذی طرح سؤال الحداثة بطریقة مختلفة تماماً عن ما کانت تطرحه الحرکة السلفیة الوطنیة حینما تحدث أنه لا یمکننا أن ندخل الحداثة إلا بعد ان نحدث القطیعة التامة مع التراث. کان هذا تحدی فکری للحرکة الوطنیة ذات النزعة السلفیة ولکن جوهره سیاسی، لذلک نحن نعتبر أن هذه المشاریع الفکریة هی فی جوهرها ذات أبعاد سیاسیة وهذا هوالذی فرض الطابع الصراعی على الایدیولوجیا العربیة المعاصرة. طرح العروی فکرته ومشروعه على أنه لا مجال للحدیث عن الخصوصیة، لا مجال للحدیث بعبارة نحن وهم فهویرى أننا جمیعاً محکومون بشروط تاریخیة للتطور وأن ما نحن علیه هو مما عاشه الغرب ایضاً وتجاوزه فلذلک علینا أن نتشبث بشروط التاریخ واقْتَرَحَ تَبنّی المدرسة المارکسیسیة التاریخانیة أو المدرسة التاریخانیة بنکهة المارکسیسیة وقال بأنها تنفع العرب فی هذه المرحلة مع أنه هو لیس مارکسیسیاً ولکنه اقترحها من المعنى النفعی للعبارة أنها تنفع لتطویر البُنى التحتیة والفوقیة العربیة وتأهیلها للانخراط فی الحدث فهو إذاً تشبث بالمنظور التاریخانی الذی یؤمن بالاتجاه الواحد وعدم تعدد وجهات التاریخ. هذه الأطروحة بما أن لها تفاصیلها المعقدة طبعاً ولکن بما أنها شکّلت تحدّی فکری وایدیولوجی سیاسی للحرکة الوطنیة، إذاً سینبری من داخل هذا الإرث للحرکة الوطنیة فی شخصیةٍ مرادة لداخل الاتحاد الاشتراکی للقوات الشعبیة وهو سلیلُ تجربة الحرکة الوطنیة ألا وهو محمد عادل الجابری، الذی سوف یدخل أو سوف یبادر إلى مواجهة هذه الأطروحة من خلال مشروعه الملحمی «نقد العقل العربی» الذی شکّل منعطفاً لیس فقط فی الحرکة النقدیة لایدیولوجیا المغربیة ولکن على مستوى العالم العربی کله بحیث أصبحت قضیة نحن والتراث اوالجدل بین الحداثة والتراث من الإشکالیات التی تبنّاها جمیع العرب وأصبحوا غیر قادرین على أن یتجاوزوا هذه الإشکالیة وبالتالی نستطیع أن نقول بأن أطروحة محمد عادل الجابری فرضت نفسها على الجمیع فی العالم العربی. الجابری أراد أن یقول لعبداللّٰه العروی أن القطیعة مع التراث غیر ممکنة ولا یمکننا أن ننصرف عن التراث. لکن ممکن أن نبحث داخل هذا التراث الذی یشمل بُنى کثیرة بمعنى تراثات کثیرة، نبحث عن أی تراث ینفعنا وهذا التراث، التراث الذی یشکل الأرضیة لدخولنا إلى الحداثة لنبحث عن تراث یؤهلنا للدخول الى الحداثة، لنبحث عن نوع من التراث الذی یتمتع بالعقلانیة والذی ممکن أن نجعله بوابتنا التاریخیة نحوالحداثة وهنا بدأت ملحمته فی نخر وتهذیب التراث والبحث عن أی تراث نرید داخل هذه الخریطة التی وضعها للتراث وهی خریطة موسومة بالتمزق الکبیر واعتبر أن الأزمة تأسست منذ عصر التدوین باعتبار أن التراث أو النظام المعرفی العربی حینما اکتمل، اکتمل فی عصر التدوین وأن عصر التدوین شمل الکثیر من العناصر التی یراها أیضاً دخیلة ولکن تعایشت إلى حین داخل هذا التراث إلى أن وصلنا إلى عصر انفجار الأسس وانفراز البُنى وأصبحنا أمام صراع بین بُنى کثیرة هوثلّثها فی نماذج ثلاث، بنیة البرهان والعرفان والبیان واعتبر أنه صار هناک خصومة بین هذه البُنى وکل بنیة أصبحت ایدیولوجیة قائمة بذاتها لاتجاهات وإلى غیر ذلک لکن الجامع بین هذا الأمر هو أنه حسب رأیی هو رغم النضالات التی قام بها ابن تیمیة ضد أَشکال اللا معقول الدینی ولکنه فشل واستطاعت أشکال من الانحرافات التی تُشکِّل ما نسمّیه بالعقل المستقیل، استطاعت أن تتسرب داخل هذا التراث وتتمکن من کل حقوله المعرفیة وحتى السیاسیة والأخلاقیة ویتحدث هنا عن تغلغل الهرموسیة واعتبر أن الشیعة تحدیداً هم الذین یمثلون هذه الهرموسیة واستطاعوا أن یؤثّروا فی الشرق کلّه عن طریق ابن سینا وهکذا اجتاحت السیناویة أیضاً القول الفلسفی فی التراث العربی والإسلامی وکانت بإزاء ذلک محاولةٌ فی الأندلس وفی المغرب الإسلامی حیث کانت هناک محاولة لإعادة تأسیس عصر تدوین مختلف أو إعادة بناء البیان على أصوله وطرد العرفان وبالتالی حسب نظره أن هذه التجربة التی بدأت مع مجموعة من الفلاسفة والعلماء والفقهاء والمؤرخین جمعهم الجابری ضمن جبهة یسمّیها جبهة المعقول لکن أوج هذه المدرسة ورئیسها هو ابن رشد وبالتالی أصبحنا أمام مشروع رشدی مقابل مشروع سیناوی طغى على الشرق مما جعله یقترح أن الحل لکی ننهض ولکی نتقدم ولکی نتطور فعلینا أن نقطع مع الشرق لأن الشرق أصبح سیناویاً کاملاً وأصبح هرموسیاً کاملاً لکن اللحظة الرشدیة التی یشکلها فریق کامل ابن خلدون وابن باجة وابن حزم وابن مضاء وغیرهم وصاحب المقاصد الشاطبی إلى غیر ذلک، هؤلاء یشکلون جبهة المعقول وهنا اعتبر أن هذا التراث الرشدی هو الذی یصلح لنا ویصلنا بالغرب باعتبار أن الغرب هو نفسه انطلق من الرشدیة اللاتینیة وبالتالی إلى الوصول إلى غیر ذلک إذن الاطروحة التی طرحها الجابری دفاعاً عن النزعة السلفیة الوطنیة حاول أن یُعَقْلِنَها من خلال إدخاله مفاهیم حدثیة إلى غیر ذلک بمستوى سلفی ولکن لکی یعطینا حلاً یقوم لیس فقط على الشرح المعرفی وإنما على الشرح الجغرافی أیضأ. فی الحقیقة، الموضوع متشعب وطویل وملحمی وهذه مراحله الأولى لأنها ستَعْقُبُهُ حرکة نقدیة واسعة ففی العالم العربی کل مشروع ینقد مشروعاً آخر یعنی فی تناقد مشاریع وکل مشروع یحاول أن یستأصل المشروع الثانی بما أنه الصورة الصراعیة للتراث أو الایدیولوجیة العربیة المعاصرة لها صلة بمشاریع سیاسیة أیضاً اعتقد أنه فی المشهد العربی کل المفکرین والنقاد لهم موقف سلبی من التراث إلّا القلیل، القلیلون جداً لا زالوا غیر قادرین أن یقنعوا نقط کثیرة ربما تمکّن منها فکر أولئک الذین یدعون إلى الحداثة بشکل قطعی. لم تتح لنا الفرصة لکی نشرح کل هذه الملحمة ولکن أستطیع أن اختم بکلمة واحدة، وهی أنه لا زال هناک إشکالٌ فی الفکر العربی والإسلامی، لا زالت هناک مساحاتٌ لم نفکّر فیها، هناک مساحاتٌ لم نفکر فیها، هناک مساحاتٌ فکرنا فیها ولکن فکرنا بطریقة واحدة ولیس بطرق مختلفة، لا زال العقل العربی یعیش مشکلة تتعلق بالموقف الأخلاقی سواء السیاسی أو سواء فی مجال المعرفة، فالمعرفة هی تابعة للموقف السیاسی فحینما یُتَّخذ موقف سیاسی لا أخلاقی تتبعه الایدیولوجیة وتمارس کل ما أتیح لها من إمکانیات لتزییف وتغلیط الواقع. 


 
منبع: دبیرخانه مجمع اندیشمندان ایران و جهان عرب
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت |
Guest (PortalGuest)


Powered By : Sigma ITID