بروجردی
حول جوهرة الحوار الثقافي الإیراني-العربي و أهمیته مقابلة مع الدكتور السيد محمد كاظم موسوي البجنوردي رئيس مركز دائرة المعارف الإسلامية الكبرى إعداد مرکز الدراسات الثقافیة لرابطة الثقافة الإسلامیة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة تعریب الدکتور مسعود فکري 2017م ـ بداية نريد أن نتعرف على مبادئ الحوار الثقافي تاريخيا ودينيا.
إن مبدأ الحوار الثقافي له جانب تأريخي وهذا من الطبيعي للموضوع. بمعنى ما هي علاقاتنا العلمية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وماهي القواسم المشتركة بيننا وبین إخوتنا العرب. على سبيل المثال ما هي الحوارات بيننا وبين أشقائنا العرب في مجال الفقه وأصوله؟ أو في مجال الأحاديث والروايات؟ فحسب معلوماتي كان لدينا التبادل العلمي وفي إطار واسع. فأحيانا لعبنا دور الأستاذ وأحيانا دور الطالب .فربينا طلابا جدیرین من العرب كما تعلمنا منهم أشياء كثيرة. نعم، إن دور الإيرانيين في الازدهار العلمي والثقافي في العالم الإسلامي كان دورا مرموقا ولا يمكن أن نلاحظ رفعة ومكانة المجتمع الإسلامي دون أن نلاحظ دور الإيرانيين. فإذا ألغينا دورهم لا يبقي إلا اليسير من هذا الازدهار.
فكان دورنا كشقيقين مسلمين بارزا. وهذا الأمر تحقق في مجالات مختلفة كتدوين الأدب واللغة والحديث والرواية والفقه وأصوله. كما ساعدنا أشقائنا العرب بخدمات فلسفية وكلامية.
أما المرحلة الثانية أن نلاحظ الموضوع برؤية تفصيلية وندرس على سبيل المثال ما قدمنا في الفلسفة ماذا علمنا ومن ربينا وأي مدرسة قدمناها؟ فالعلاقات العلمية والتأريخية والثقافية مع إخوتنا العرب واسعة بحيث تلهمنا أن نبحث نمونا وازدهارنا في العلاقات الطيبة معهم ولا في العلاقات المتوترة العدائية. فان العدو يحاول أن يدفع هذه العلاقات إلى الخصام والعداء وهذا ما يجب أن نرفضه نحن كإيرانيين.
فمن الخطأ أن يمارس العرب العداء مع إيران لأن العلاقات الطيبة تساعدنا على النمو والتقدم لأننا نمتلك العلم والتقنية والإمكانيات الهائلة ويمكن لأشقائنا العرب أن يقوموا بنشاطات اقتصادية في إيران كما يمكننا تربية الأخصائيين والكوادر لهم ويمكنهم الاعتماد علينا في مجال التنمية والنمو وهذا يصب في مصلحة الجانبين. فنحن أيضا نريد الاستفادة من إمكانياتهم. فالأمن والاستقرار المتوفرين لنا يساعدانهم في الاستثمار لنتمتع بثماره معا.

ـ فهل تقولون بأن أرضية هذه العلاقات هي الحوار الثقافي؟
نعم كما ذكرتم فإن أرضية هذه الأمور هي الحوار الثقافي فعلينا أن نقيم علاقات جامعية وثقافية والمشاريع والمؤتمرات والاجتماعات المشتركة لأن هويتنا متقاربة. لأننا عبر التأريخ كنا جيرانا فهويتنا إسلامية.نعم صحيح أن كل بلد يحظي بقومية خاصة لكن هويتنا الإسلامية تجمع بيننا فمبادئنا المعرفية متشابهة ويمكن بسبب ذلك أن نقوم بنشاطات مشتركة.

ـ ما هو مقترحكم للبدء في الحوار الثقافي؟ فهل يجب أن نبدأ من هذه المسارات الثقافية المشتركة؟ أو تقترحون غير ذلك؟
إن مقترحي بالنسبة إلى هذا الموضوع أن ندعو أصحاب الرأي من الجانبين من إيران ومن العالم العربي ليجتمعوا ويخططوا في مجالات مختلفة. فعلى سبيل المثال ما هي السبل الكفيلة كالعلاقات الجامعية؟ أو الثقافية؟ فذلك يمكن أن يكون دراسته ضمن مؤتمر أو غير ذلك. فعلينا أن نقوم بتطبيق برامج مؤسسية؟ فعندما كنت في دمشق كان هناك مركزا باسم مركز الدراسات الإسلامية ويعود تأريخه إلى ما قبل تسعين عاما. فكما تعلمون فوضت إدارة كل من سوريا ولبنان بعد الحرب العالمية إلى فرنسا كما فوضت إدارة كل من العراق والأردن إلى إنجلترا. فكانوا يسمون هذه الفترة بفترة الكفالة ونحن نسميها بفترة الاستعمار. فقد تأسس ذلك المركز بدمشق في تلك الفترة. وكان نشيطا جدا حيث يمنح شهادات الماجستير والدكتوراه.

ـ فهل كان ذلك المركز يتابع الحوارات الثقافية؟
نعم علينا أن نستفيد في مجال الحوار الثقافي من التجارب المتوفرة كما علينا أن ندشن المؤسسات المعنية بالشؤون الثقافية والتعليمية وما يرتبط بالمكتبات لنتمكن من عرض العلوم وما يوجد لدينا ليحصل التعارف بيننا. 
هناك ملاحظة إن الفرنسييين لم يكونوا يروجون تأريخ فرنسا وفنها وثقافتها وكانوا يحاولون أداء دور إيجابي في الازدهار الثقافي كما نحن لابد لنا من ذلك. علينا أن نلعب دورا ايجابيا في التعريف بالثقافة العربية وعلينا الحديث عن فن عمارتهم والانطباعات التي أضفت علينا منهم في هذا المجال. علينا أن نوفر المجال لدراسة الطلاب العرب في مثل هذه المراكز والمؤسسات وكما نوفر التفرغ العلمي للأساتذة العرب والحصول على الشهادات لهم أو نقدم منح دراسية وفي مجال البحوث المتعلقة ببلدانهم وفي مختلف المواضيع.
فهذا يحتاج إلى التطبيق أكثر من مجرد الحديث. مع الأسف هناك نقص شديد في تطبيق كثير من أحاديثنا وهذا بسبب ضعف الإدارة للموضوع. فعلى سبيل المثال لو منحنا حوالى مئة منحة دراسية في مختلف المجالات فهي تدل على الاهتمام بالموضوع.

ـ اي مجتمع تختارونه للحوار الثقافي؟ وأي شريحة  عمریة واجتماعية؟ والفريق المختار لهذا الحوار؟
إن المجتمع المعني بالحوار له نطاق واسع لم ينحصر بالقطاع الجامعي فحسب. و ذلک ضمن القضايا الهامة السياحة والرحلات السياحية للعرب باتجاه إيران ومن إيران باتجاه العالم العربي. ضمن جملة نماذج لها الرحلات الكشافية للطلاب وأن ننسق هذه الرحلات من كلا الجانبين من التجول والزيارة في أرجاء إيران للطلاب وحتى التلاميذ يؤثران إيجابيا على تكوين رؤيتهم. وكذلك الطلاب الإيرانيون أن يزوروا تلك البلدان.

ـ فهل ترون شريحة الشباب كالمجتمع المعني بالحوار؟
فالشباب كنموذج لهذا الأمر وإني أرى المجال أوسع من ذلك فهذا الأمر ليس باتجاه واحد فإذا أردنا ان نوسع علاقاتنا مع العرب فهناك جوانب مختلفة لهذا الموضوع وهذا يحتاج إلى خطة تفصيلية. هناك عقود من الزمن قاموا بتعكير العلاقات الإيرانية ـ العربية وسببوا استياء الرؤية بين الجانبين. وأشعلوا فتيل التهويل الإيراني والخلافات الطائفية بين السنة والشيعة. وهناك توتير العلاقات. فعلينا إزالة هذه التوترات والرؤي السلبية. فعلى سبيل المثال من جملة المجالات التي تساعد في تطبيع العلاقات وتوطيدها والصداقة وبتطبيق برامج منوعة للفرق الوافدة إلينا وإقامة زيارات تفقدية لمختلف المدن الإيرانية تؤثر في هذا الأمر. فعلاقاتنا الطيبة مع هذه البلدان جزء من المصالح الوطنية.
ومن الأفضل أن تستغل هذه الفرص في مجال الاقتصاد. فهؤلاء العرب يستثمرون مئات الملايين من رؤوس أموالهم إلى مناطق أخرى ولماذا لا يستثمرونها في إيران فمن الجدير أن يعقدوا صفقات تجارية مع الشركات الإيرانية.
فعندنا تقدم هائل في مجال التقنية. فمشكلتنا الإدارة ولا غيرها. فكان من المقرر أن نحصل على نمو أكثر لأن رصيده متوفر عندنا. فهل تجدون بلدا يملك هذا العدد الهائل من الطلاب؟ فلنا أربعة ملايين وسبعمائة ألف طالب. وفي بداية الثورة الإسلامية كان لنا مأتي ألف طالب ونحن نتمكن اليوم من صناعة كثيرا من بضاعاتنا لكننا عجزنا عن استغلال قابلياتنا.

ـ في الحقيقة أنتم ترون أن التحديات من الجانبين وعدم التقارب والحوار بينهما يمنع من الاستفادة من القابليات للجانبين فهل هذا رأيكم؟
نعم، هناك مبادرات مشتركة يمكن أن يسبب التقارب بين الجانبين وهذا يحتاج إلى مقدمة وهي توفير التفاهم بيننا وبين الدول العربية. وهذا نحتاج إليه وهم يحتاجون إليه ويمكن ذلك بالاستفادة من الفرص المتاحة في مجال الرياضة والنشاطات الاقتصادية والجامعية والسياحة والمؤسسات المشتركة.

ـ وأنتم في مجال تحسين العلاقات تعتبرون الأولوية للعلاقات السياسية أم الثقافية؟
علينا أولا أن نخوض في المفاوضات لنحصل على خطاب مشترك شامل .فعلينا أن نفكر في المصالح المشتركة. وهذا ما يكلفنا لتخطيط البرامج المعنية بمصالح الجانبين. وعلينا أن نتحلى بالنوايا الصادقة. هناك كلام معروف يقول: النية الحسنة في السلام والصبر والتجلد في الهزيمة والكرامة في الانتصار. وعلينا نحن أن نراعي الكرامة وحسن النية في علاقاتنا بعيدا عن التآمر.

ـ فحسب رأيكم علينا أولا التفاهم السياسي ومن ثم الحوار الثقافي؟ فأيهما يحظي بأولوية؟
يمكن أن يجري الحوار الثقافي في كل وقت لكن وبدون التفاهم الشامل لا يوجد له أثر يذكر وليس بمعنى أنه فارغ من كل تأثیر.
فعلينا التخطيط في جميع المجالات الاقتصادية والرياضية و... . فالعداء الحاصل بيننا لا يمكن إزالته بشكل آلي بأن نصدر أحكاما للسلام بيننا. فمنذ ثلاثين عاما قد حصلت رواية سلبية تجاه إيران بين الشخصيات والجامعيين وحتى الصغار وكما نفس الرؤية حصلت بيننا تجاهكم. فعلينا التخطيط الهادف لإزالة هذه الرؤية ويمكن من خلاله استبدال العداء إلى الصداقة.
فإذا بذلنا جهدا بنيات صادقة وحسن النوايا لا شك أننا سننجح. وليس التقارب بمعنى التخلي عن المبادئ حيث أننا نعرض عن مذهبنا أو قيم ثورتنا. فيمكن لنا تبني العلاقات مع الحفاظ على مبادئنا.

ـ بماذا تحتاج هذه الحوارات التي تتابعها رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية من الأرضيات في كلا الجانبين؟
أولا لابد من أن يتم إتفاق شامل واستراتيجي بينهما. والمقصود من هذا الاتفاق أن يكون على المدى البعيد حيث يبين رؤيتنا ونظرتنا الواسعة بالنسبة إليهم كجيران لنا. وهل هذه الرؤية تؤدي إلى العداء أم إلى الصداقة؟ نحن نطالب بالثاني ونعلن عن استعدادنا لتقديم البرامج المشتركة وفي مختلف المجالات. هذه هي النظرة الشاملة والتي نحتاج إليها كركيزة أساسية للعلاقات مع العرب.
ـ هل تختلف جوهرة الحوارات الثقافية بيننا وبين العرب عن الحوار مع الآخرين؟ ما هي الملامح المشتركة والمختلفة لها قياسا إلى الحوار مع سائر البلدان؟
لدينا قواسم مشتركة كثيرة مع العرب فاشتراكنا في الدين الإسلامي أولهما وأهمهما .كما لنا علاقات تأريخية وثقافية وعلمية.
فكما تعلمون أن الكثير من أئمة المذاهب الإسلامية من أهل السنة هم إيرانيون كما أن أصحاب الجوامع الحديثية الستة من الإيرانيين.
وفي مجال قواعد اللغة لنا شخصية مثل سيبويه. فمن الواضح أن دور الإيرانيين في ازدهار الثقافة العربية وليست الثقافة الإسلامية فحسب واسع جدا. فلنا هذه العلاقات التأريخية فصاحب التأريخ الطبري هو إيراني وكتابه ربما أهم كتاب لتأريخ العالم الإسلامي. لقد شاركنا في اجتماع بحضور سماحة القائد وكنا أعضاء المجلس العلمي الأعلى وصرحت في ذلك الاجتماع بأن لنا الإيرانيين دورا في انطلاق وازدهار وسمو الحضارة الإسلامية وهذا ليس أمرا جزئيا. لأننا وحتى قبل الإسلام كنا موحدين ووجدنا الإسلام متناسقا مع رؤيتنا الكونية واكتشفنا بكل كياننا وأدينا دورا بناءا في هذا المجال. فالسبب الرئيس لاعتناق الشعب الإيراني الإسلام ولعب دور فاعل في طريق ازدهاره هو الاشتراك في طريق التوحيد بينهم.

ـ فأسلوب ونمط الحوار الإيراني العربي يختلف عن النمط المستخدم في حوارنا مع الأوروبيين والأفارقة؟
أحسنت، نعم لا توجد مشكلة بيننا وبينهم كالمسيحيين لأننا نعترف بالديانة المسيحية كديانة سماوية ونحترم مبادئهم وحقوقهم. لكنهم ما كانوا يعترفون بحقوق لنا. ولم يعترفوا بالإسلام كدين سماوي فكل من اعتنق الإسلام هو كافر في رؤيتهم.
فالإسلام يتعامل بعقلية راقية في هذا المجال حيث أنه يعترف بشريعة موسى وعيسى كديانات سماوية ويحترم أتباعهما فالمسلمون وخلافا لما يرتكبه ويدعيه داعش يمكن أن يلعبوا دورا إيجابيا في الحوارات العالمية.

ـ كيف ترون مستقبل الحوارات الثقافية والرؤية المستقبلية لها؟
برأيي في الحوار الثقافي بيننا وبين العرب القاعدة الأساسية هي أن نوسع علاقاتنا بالحوار الثقافي وعندما نعبر عن الحوار الثقافي يمعنى أن نخطط بشكل تطبيقي والعمل المؤسسي على المدى القصير والطويل وأن نفكر ونخطط. لأن مصالحنا رهن العلاقات الثقافية. والعلاقات الثقافية رصيد وجوهرة المودة والصداقة وحسن النوايا. يتم التقارب بين الشعبين نفسيا وفكريا إذا تم التفاهم والوعي المشترك بالنسبة إلى ما لديهم من الإمكانيات. وأن نعرف مدى التأثير المتبادل على كلا الجانبين.
فعبر التأريخ وحاليا يتحقق الخطاب البناء بيننا وبين العرب وهذه العلاقات كونت هذه الحضارة. ولماذا لا نعود إلى الماضي لنعيد العلاقات والصلات ونعرفها ونفعلها وننزهها.
فإذا كانت لدينا هذه العلاقات لابد من معرفتها والعودة إليها ومن ثم نقوم بدعمها.
****
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت |
Guest (PortalGuest)


Powered By : Sigma ITID