عبدی پور
الدکتور حسن عبدی پور غياب الفكر الفلسفي وتأثير ذلك على النشاطات الثقافية غياب الفكر الفلسفي وتأثير ذلك على النشاطات الثقافية
نعيش في عالم يشهد تطورات متلاحقة و مدهشة في ميادينه العلمية و التقنية٬ غيّرت وجه هذا العالم بشكل كلي٬ و كأنّه حصل «انقطاع تاريخي» بين حاضر البشر و ماضيهم٬ و انفصلت فيه مرحلتين تاريخيتين إحداها عن الأخرى٬ و تركت صدعاً عميقاً يصعب أحياناً رتقه. بحيث أصبح الماضي بالنسبة للمعاصرين غريباً٬ و الحاضر بالنسبة لكبار السن غير معقول.  فصار الماضي غير مفهوم و العصر الراهن يمتلك خصوصيات جديدة تماماً لا ترتبط إلى الماضي بصلة.
إحدى هذه الخصوصيات اكتساب النشاطات الثقافية لوناً آخر٬ و تغيّر الظروف على نحوٍ لا يربطها بالماضي أيّ رابط٬ وك أنها لم تولد من رَحِمِه. لقد سعت الحكومات عبر التاريخ إلى تغيير ثقافات مجتمعاتها من خلال إدخال عناصر جديدة في تلك الثقافات تلائم أهوائها٬ لكنّها فشلت على أرض الواقع٬ و أحد الأسباب المهمة لذلك الفشل عدم تكيّف تلك العناصر مع الكليّانية الثقافية للمجتمع٬ و هو ما برهن عليه علماء الاجتماع في عصرنا٬ حيث يقولون بأنّ ثقافة كل مجتمع مرتبطة بتاريخه ارتباطاً وثيقاً. فالثقافة بحسب رأيهم عبارة عن «مجموعة من الخصوصيات السلوكية و العقدية الاكتسابية لأعضاء المجتمع». أي إنّ أحد الشروط المهمة جداً في هذا التعريف و الذي يميّز الثقافة عن غيرها هو صفة «الاكتسابية»٬ و التي تعني أنّ السلوكيات و العقائد التي تتألف منها الثقافة يتم تلقينها من قبل فئة معينة٬ بينما تقوم فئة أخرى بتعلّمها و اكتسابها. و يطلق علماء الاجتماع على هذا الأسلوب مصطلح «التنشئة الاجتماعية» (Socialization). و يعتقد هؤلاء العلماء أنّه لا يمكن نشر كل خصوصية ثقافية في المجتمع عبر أسلوب التنشئة الاجتماعية لتصبح جزءاً لا يتجزأ من خصوصياته الثقافية الخاصة به ما لم تكن منسجمة انسجاماً تاماً مع الكليانية التاريخية لوجود ذلك المجتمع. و السؤال المطروح هنا: ما هي العناصر و الخصوصيات التي يمكن أن تنسجم مع مجموع المقومات الثقافية للمجتمع؟ الجواب هو٬ المحاكاة التاريخية للخصوصيات الثقافية و التي لا يمكن لعملية التنشئة الاجتماعية أن تتم من دونها. و لا نقصد بهذه المحاكاة مجردّ التسلسل التاريخي للحوادث في بلد ما٬ بل الكليانية الوجودية للشعب و الأمة التي تتبلور عبر حِقَب طويلة٬ و هذه الكليانية التاريخية دليل على الانسجام بين العناصر الثقافية لذلك الشعب. و لا نعني بهذه المحاكاة بين الخصوصيات الثقافية الظواهر و العلائم الثقافية فحسب٬ و إنّما هي كلمة مفتاحية عامة تشمل العديد من المفاهيم أهمها مفهوم الفلسفة.
و لا يخفى على أهل العلم أنّ هناك وشائج بين ثقافة المجتمع و فلسفته لا تنفصم. و ما ينطبق على الثقافة ينطبق على الفلسفة سواء بسواء. فعندما نقول ثقافة المجتمع متعالية٬ نعني أيضاً أنّ فلسفته متعالية٬ و العكس بالعكس٬ إذا قلنا ثفافة المجتمع مبتذلة فذلك يعني أنّ فلسفته أيضاً مبتذلة. فما هي الأسباب التي تقف وراء هذا التلاحم بين المفهومين؟
الجواب هو٬ أنّ بين المفهومين علاقة توليدية٬ فأحدهما يلعب دور المولّد و الأم بالنسبة للمفهوم الثاني. و طبعاً تلعب الفلسفة دور المولّد في هذه العلاقة حيث تقوم بتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع و تقدّم النموذج الذي يطبّقه المجتمع في سلوكياته و الذي نطلق عليه اسم الثقافة.
يقوم بنيان أيّ مجتمع على الفلسفة و هي تشكّل الإطار الذي يحيط بصورة الثقافة. فالثقافة تتأطر بهذا الإطار و على حسب شكله. بيد أنّ الرسالة المهمة التي تتضمنها هذه الكلمة هي أنّ العلاقة بين الفلسفة و الثقافة ليست أبدية. بل ربما أصاب هذه العلاقة الضعف و الانقطاع على أثر حوادث الزمان و القضايا المختلفة.
و خير مثال على ذلك الأوضاع الراهنة لمجتمعاتنا الإسلامية و التي لم يسبق لها مثيل٬ حيث انقطعت ثقافات هذه المجتمعات عن ماضيها٬ لتحلّ محلّها الثقافة الغربية٬ إذ نلاحظ انتشار أسلوب الحياة الغربية في جميع مناحي الحياة٬ و في المقابل انسحاب القيم و المعايير التقليدية٬ فابتعدت نتيجة لذلك آمال و طموحات الشباب عن آمال الآباء و الأجداد٬ الأمر الذي يفسّر عُسْر الفهم الذي يسود العلاقة بين الجيلين. و قد انسحبت هذه التغييرات الحداثوية على جميع مرافق المجتمع من شعر و قصة و مسرح و سينما و موسيقى و سائر المجالات الفنية٬ و بالتالي تحديث الثقافة في البلدان الإسلامية٬ و هو تحديث كلّف أثمان باهضة و سبّب معضلات عديدة٬ منها٬ أزمة الهوية التي يعاني منها شبابنا و بناتنا٬ و الانقطاع بين الجيل السابق و الجيل الحالي٬ و النزوع نحو المظاهر الغربية٬ و شيوع الأنانية و العنف و غير ذلك.
و إذا تأمّلنا هذه الأوضاع سوف نجد بأنّه بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية٬ فإنّ العامل الرئيسي وراء هذه المعضلات٬ هو الابتعاد عن الجذور الفلسفية الإسلامية باعتبارها السند الفكري للمجتمعات الإسلامية.
1.    فالابتعاد عن الفلسفة الإسلامية فتح الطريق أمام نفوذ الفلسفات الأجنبية التي لا تربطها علاقة سليمة بالكليانية الشاملة للمجتمع الإسلامي.
2.    الابتعاد عن الفلسفة الإسلامية دفع إلى حالة من الابتذال في النشاطات الثقافية.
3.    الابتعاد عن الفلسفة الإسلامية دفع إلى عدم تناغم النشاطات الثقافية مع العناصر الفكرية الأخرى في المجتمع الإسلامي.
4.    الابتعاد عن الفلسفة الإسلامية٬ جعل النشاطات الثقافية مضرّة و ذات إشكالية.
يعتبر الفكر الإسلامي و الفلسفة الإسلامية بمثابة أعمدة الحضارة الإسلامية٬ و تجمع هذه الفلسفة بين العقل و النقل٬ و هو ما يتجلّى بوضوح في الفلسفة المتعالية لصدر الدين الشيرازي. كما أنّ الرؤية الكونية الإسلامية تنهل من الفلسفة الإسلامية٬ فتاريخياً٬ ارتبطت العناصر الرئيسية في المجتمعات الإسلامية بالفلسفة الفكرية لهذه المجتمعات. أما اليوم فنلاحظ أنّ  الارتباط بين الفلسفة و سائر العناصر الاجتماعية و بضمنها الفلسفة ضعيف جداً٬ حتى أنّه يمكن القول أنّ ارتباط الثقافة الحديثة في المجتمعات الإسلامية بالفلسفة الغربية أقوى بكثير من ارتباطها بالفلسفة الإسلامية٬ تراث الآباء و الأجداد. 
و الحل برأينا يكمن في ضرورة أن يولي القائمون على الثقافة في البلاد الإسلامية أهمية أكبر للفلسفة الإسلامية٬ و أن يستعينوا بها في النشاطات الثقافية٬ و هذا الأمر يستوجب عدداً من الأمور هي:
1.    الابتعاد عن تسطيح الثقافة٬ و العودة إلى الجذور الفلسفية في كل نشاط ثقافي.
2.    تعليم الفلسفة الإسلامية في المجتمع بلغة سهلة و مفهومة. و إعطاء الأولوية في ذلك للقائمين على الثقافة بمختلف المستويات٬ و كذلك طلاب الجامعات و التلاميذ. 
3.    الاستعانة بأساليب حديثة في تعليم الفلسفة٬ و اجتناب الأسلوب المدرسي. و لغة الفن قد تكون مفيدة جداً في هذا المجال.
4.    الاستعانة بتجارب البلدان الإسلامية في هذا المجال و زيادة التواصل الفلسفي و تعميقه.
5.    عقد الندوات الفكرية على المستويين المحلي و الدولي٬ و دراسة آليات جديدة لابتكار مظاهر ثقافية جديدة للفلسفة الإسلامية.      
أشكركم جزيل الشكر على حسن الاستماع
منبع: دبیرخانه مجمع اندیشمندان ایران و جهان عرب
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت |
Guest (PortalGuest)


Powered By : Sigma ITID