اسلام و اعتدال هذه المقالة بصدد دراسة مکانة الاعتدال فی الإسلام. تبدأ المقالة ببیان مقدّمة لتبیین المسألة. ثمّ تستمرّ الدراسة فی
فصلین: الأول إشارة إلی اتهام الإسلام بالتطرّف والتشدّد والدواعی الکامنة خلف هذا الاتهام. والثانی دراسة منزلة الاعتدال
فی الآیات والأحادیث، وستبیّن أنّ الإسلام قد اهتمّ بمسألة الاعتدال اهتماماً بالغ اً. وفی النهایة تجیب عن بعض الإشکالیات
المطروحة فی المقام.
المفردات الرئیسیة
الإسلام- الاعتدال- التطرّف- الإفراط والتفریط- الجهاد- الحدود- الإرهاب

التمهید

إحدی خصائص هذا العصر والتی من أهمّها هی استخفاف الألفاظ و تفریغها عن معانیها. فنستطیع أن نسمّی هذا العصر
بعصر المحاولة الأکثریة لفصل الکلمات عن حقائقها بالدواعی الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة، الأمر الذی أدّی بدوره
إلی حلول المشاکل فی المجتمعات المعاصرة.
وقد ذبحت فی هذه الخطّة مفردات أنیقة وانسلخت عن معانیها بمعنی الکلمة؛ کالحریّة وحقوق الإنسان وکرامته والعدالة
والأخوّة والسّلم وعشرات الألفاظ الأخری.
ففی الواقع لم یستطع الإنسان فی أیّ زمان کما استطاع الیوم أن یظلم ویجور علی الأقلام والألسنة وذالک بفضل وسائل
الإعلام والتقنیات الحدیثة. ومن ثمّ استطاع أن یمنع حشداً کبیراً من أبناء نوعه من أبسط الحقوق. نری الیوم أنّ أصحاب
القوّة والمال یستخدمون شعار حقوق البشر فی سبیل سلب الحدّ الأعلی من حقوق البشر. ویهتکون حرمات الناس
ویسحقون کرامتهم ثمّ یهتفون بالکرامة الذاتیّة للبشر. لیس هذا إلّا لأنّهم عرفوا أنّ هدم هذه القیم المتعالیة المنبثقة من
الفطرة والتی یشترک فیها الجمیع لا یمکن إلّا برفعها والهتاف بها بأعلی صوت. نعم، إنّ ما تنادی به ضمائر الناس
ویدعو إلیه العقل خیر أداة لخدعتهم واستغلال طاقاتهم وإمکانیاتهم. واکتسب الإنسان المعاصر براعةً واختصاصاً عالیاً
فی هذا المجال. یکفینا أن نعلم أنّه وبفضل الإعلام المتطوّر یمکن أن تُستخدم مفردة ویُراد منها عکس معنی المفردة تماماً.
وعندنا نماذج عینیّة متعددة من هذه الواقع المرّ . فنری الیوم فی ظلّ هذه الإبداعیّة!! أنّ الجمهوریة الإسلامیة- وهی تنادی
بالعدالة العالمیة وحمایة المظلومین ولها القدح المُعَلّی فی نضال الظلم الدولی- تُتّهم عند الرأی العام بتأیید الإرهاب والحرب
والعنف وعدائها لحقوق الإنسان وکرامته وهی تحاول الهیمنة علی خارج حدودها والکثیرون یتلقّونها بالقبول. وفی
المقابل تظهر أمریکا- وهی تجلّی الشیطان فی جمیع الرذائل والمعاصی- وکأنّها أکبر مؤید لحقوق الإنسان والتی تنشر
العدالة والسلم والدیمقراطیة للبلدان الفاقدة لها ویُتلقّی أیضاً بالقبول. هذه الخطّة تعتبر حزب الله فی لبنان والحماس فی
فلسطین وهما یدافعان عن النفس والعرض والأرض أمام العدوان، إرهابیین، وأما إسرائیل والجمیع یعرفها، سلطة مؤیدة
للسلام ومعادیة للحرب والعنف ولیس اعتداؤها علی الشعوب الإسلامیة إلّا دفاعاً عن النفس.
إنسان الیوم جعل دور الله سبحانه فی حیاته ضئیلا وسار إلی علمنة الحیاة ومن هنا أصبح میزاناً للحسن والسیئ، بمعنی
أنّ الحسن ما یلائم إرادته والسیئ بخلافه. ثمّ عرّف الإنسان بالإنسان الغربیّ والإنسان الغربی عبارة عن مجموعة من
أصحاب القوّة والثروة اکتسبوا ما یتمیّزون به فی النظام الرأسمالیّة الفاسدة. فأصبح هؤلاء الملأ یمیّزون بین الطیّب
والخبیث والجیّد والردئ. أمّا الآخرون فلا یُعتدّ بهم أبداً حتّی فی الدفاع عن أنفسهم. فالمعیار فی تمییز الإرهابی عن غیره
ومؤیّد الصلح والسلم عن معارضه لیس إلّا هؤلاء القلیلون المحتلّون المقاعد الرئیسیة فی المنظّمات الإقلیمیة والدولیة.
علی سبیل المثال لو أنّ أحداً ألقی القنبلة الذّرّیة علی مدینة وقتل عشرات الآلاف فی کم دقیقة أو استهدف أحد الطائرة
المدنیة وأسقطها وقتل جمیع الرکّاب البالغ عددهم 009 شخصاً، وکان ذلک فی سبیل مصالحهم، لا یعتبر هؤلاء الجناة
إرهابیین ومعارضی السلم العالمی، بل من مؤیّدی الصلح والسلام ویُعاملون بالترحیب والتقدیر. وویل لمن سقط من عین
رعایتهم، فإنّه إرهابی ومعاند لحقوق الإنسان وکرامته ولو فعل ما فعل فی سبیل تطهیر نفسه.
أحد هذه المفردات الذی له الحظّ الوافر فی هذه الصفحة السوداء، الاعتدال. ماأجمل هذه الکلمة للعیون وما أجلّها فی
القلوب! من لا یعشقها ولا یریدها؟ الجمیع یهتفون بالاعتدال، لکنّ الکلام کلّه فی معناها. هنا تظهر المشکلة وتتعقّد
المسألة. فنری الجمیع یفسّرونه حسب رؤیتهم أو حسب ما تشتهیه أهوائهم وأنفسهم، ثمّ یحکمون علی من لا یسیر علی
ذاک المنهج بالتطرّف.
فالأدیان السماویّة أیضاً شملتهم هذه القاعدة، فحُ کم علیها بالتطرّف أو بالاعتدال حسب الرؤی أو الدواعی. وقد وُ جّ ه هذا
العنوان-التطرّف- إلی الإسلام أکثر من غیره من الدیانات، فوصل الأمر إلی أنّ البعض یعتبر الإسلام دین العنف والتطرّف
والإرهاب وضدّ السّ لم والسماحة والمحبة. فینبغی لنا أن ندرس علاقة الإسلام بالإفراط والتطرّف ومنزلة الاعتدال فیه کی
تتّضح حقیقة الأمر.
الفصل الأول: الإسلام، الإفراط والتطرّف؟؟
أحد المفردات التی یعتبر الیوم هنا وهناک من خصائص الإسلام، التشدّد والرادیکالیة. فالإعلان الغربی الیوم یدّعی أنّ
التطرّف بتجلّیاته الفردیة والاجتماعیة لا مُفرز له إلّا الإسلام. هذه الرؤیة تعتبر المعتنقین بالإسلام متطرّفین یقومون
بالأعمال اللاإنسانیة تمسکاً بمبادئهم الدینیة. ویقولون إنّ الإسلام خیر أرضیّة لوحدة الدین والعنف والإرهاب. یبدو أنّ
توجیه التطرّف إلی الإسلام ینشأ من الخلاف الموجود بین الإیدئولوجیة الإسلامیة والحضارة الحدیثة، أکثر ممّا یتأثر
بالتعالیم الموجودة فی هذا الدین، حیث إنّ الحضارة الحدیثة تسعی لبثّ الأصول المقبولة لدیها فی مجال الإنسانیات إلی
جمیع المجتمعات وإزالة الأفکار المناقضة لها. فهذه الحضارة جعلت اللیبرالیة والنِسویّة والدیمقراطیة و...-کلها بتعاریفها
الغربیة- أصولاً ثابتة للحیاة الإنسانیة. وهی نفسها معیار للاعتدال والوسطیة. فبالنتیجة لو أنّ الإسلام لم یقبل الحریة
المطلقة وحتی فی ساحة الدین ولم ی حذف کثیر من الأحکام المتعلقة بالحدود من تشریعاته، فهو متطرّف. وکذا لو أنّ
الإسلام لم یعترف بمساواة حقوق الرجل والمرأة بمفهومه الغربی. وأیضاً لو أنّ التشریعات المتعلقة بالجهاد والقتال لم
تُحذف وکذا... وکذا... ففی جمیع هذه الصور، فالإسلام خارج عن حدود الوسطیة ولا مفرّ له إلّا الرجوع إلی المفاهیم
المقترحة من الغرب.
الفصل الثانی: ماذا یقول الإسلام؟
دراسة الآیات والاحادیث تبیّن لنا أنّ الإسلام بنی تعالیمه علی الاعتدال الکامل بحیث یمکن القول أنّ المرجع فی جمیع
قضایاه الأخلاقیة والفقهیة، هو الاعتدال. وقد استطاع الإسلام بهذه الإستراتیجیّة الناجحة أن ینسّق بین التکوین والتشریع
وبالتالی نجح فی إیصال الإنسان إلی غایته فی حیاته وسعادته. فاستراتیجی ة الإسلام، إستراتیجیة بعیدة عن طرفی الإفراط
والتفریط. ولا بأس بالإشارة إلی بعض المحاور التی تتعلّق بالمسألة استعانة بالآیات والأحادیث.
وینبغی أن نذکّر قبل ذلک أنّ الوسطیّة فی الإسلام تقابل الانحراف والزیغ، فالوسطیّة تعنی الطریق المستقیم والصحیح
غیر المعوجّ. فالذی وقع فی الطریق المستقیم واهتدی إلیه، قد یسرع فی حرکته وقد یبطئ فیها، فلاضیر فیهما بل یُرجّح
الإسراع هنا، لأنّه أوصل إلی الغایة.
ثم نقول یمکن دراسة النصوص المتعلقة بالموضوع علی نحوین:
الأول: أن تستخرج النصوص المشتملة علی المفردات المؤدّیة معنی الاعتدال والوسطیّة.
الثانی: التّأمّل فی تعالیم الإسلام فی الأبعاد المختلفة لنری بعد ذلک هل إنّ الإسلام بنیت تعالیمه علی الوسطیة أم لا؟
فنحن نتطرّق إلی المسألة فی مقامین:
الأوّل: دراسة المجموعة الأولی من النصوص تهدینا إلی النقاط التالیة:
-9 ایجاد نظام التکوین و التشریع علی اساس الاعتدال
إیدئولوجیّة الإسلام تؤکّد علی أنّ النظام الکونی فی تکوینه وتشریعه قائم علی أساس الوسطیة التّامّة من دون زیغ
واعوجاج وانحراف إلی الأطراف. فسُمّی هذا النظام بالنظام الأحسن وقد ابتعد عن أیّ نوع من الفتور والخلل. قال الله
تعالی:
وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ یَطیرُ بِجَناحَیْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ «
 یُحْشَرُونَ 9
1 -سورة انعام، 83
یعتقد العلامة الطباطبایی فی بیان المراد من الکتاب فی الآیة أنّ الکتاب إمّا هو اللوح المحفوظ، وهو الذي یسمیه الله
سبحانه في موارد من كلامه كتاب اً مكتوب اً فیه كل شيء مما كان وما یكون وما هو كائن، فیکون المعنى أن هذه النظامات
الأممیة المماثلة لنظام الإنسانیة كان من الواجب في عنایة الله سبحانه أن یبني علیها خلقة الأنواع الحیوانیة فلا یعود
خلقها عبث اً ولا یذهب وجودها سدىً ولا تكون هذه الأنواع بمقدار ما لها من لیاقة القبول ممنوعة من موهبة الكمال. وإمّا
المقصود منه هو القرآن الكریم و قد سمّ اه الله كتاب اً في مواضع من كلامه، فیکون المعنى أن القرآن المجید لما كان كتاب
هدایة یهدي إلى صراط مستقیم على أساس بیان حقائق المعارف التي لا غنى عن بیانها في الإرشاد إلى صریح الحق
وَ نَزَّلْنا « : ومحض الحقیقة لم یفرط فیه في بیان كل ما یتوقف على معرفته سعادة الناس في دنیاهم وآخرتهم كما قال تعالى
 عَلَیْكَ الْكِتابَ تِبْیاناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ 9
ثمّ یقول العلامة إنّ من الممكن أن یشار في الآیة إلى كلا المعنیین فیراد في الكتاب مطلق الكتاب ویكون المعنى أن الله
سبحانه لا یفرط فیما یكتب من شيء في كتاب التكوین وفي كتابه الذي هو كلامه الموحى إلى الناس. 0
» یا أَیُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِیمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ « : یقول السید بن قطب فی تفسیر قوله تعالی 4
إن خلق الإنسان على هذه الصورة الجمیلة السویة المعتدلة، الكاملة الشكل والوظیفة، أمر یستحق التدبر «
الطویل، والحب لربه الكریم، الذي أكرمه بهذه الخلقة. فقد كان قادر اً أن یركبه في أیة صورة أخرى یشاؤها.
فاختار له هذه الصورة السویة المعتدلة الجمیلة. وإن الإنسان لمخلوق جمیل التكوین، سوي الخلقة، معتدل
التصمیم، وإن الجمال والسواء والاعتدال لتبدو في تكوینه الجسدي، وفي تكوینه العقلي، وفي تكوینه الروحي
سواء، وهي تتناسق في كیانه في جمال واستواء! وهناك مؤلفات كاملة في وصف كمال التكوین الإنساني
. العضوي ودقته وإحكامه 3
ونجد فی القرآن آیات متعددة تؤکّد علی هذه الحقیقة کقوله تعالی:
ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَیْنِ یَنْقَلِبْ إِلَیْكَ الْبَصَرُ «
» خاسِئاً وَهُوَ حَسیرٌ 5
» صُنْعَ اللهَِّ الَّذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ ء « 6
» كِتابٌ أُحْكِمَتْ آیاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكیمٍ خَبیرٍ « 7
» وَعَلَى اللهَِّ قَصْدُ السَّبیلِ وَمِنْها جائِر « 0
-0 الأمر بالاعتدال الشامل والنهی عن جمیع أنحاء الإسراف
إنّ الله تعالی یکلّف الإنسان بالوسطیة الشاملة. قال تعالی:
» وَ اقْصِدْ في مَشْیِك « 0
1 -سورة النحل، 38
2 - الميزان في تفسير القرآن، ج 7، ص: 28
8 7- -سورة الانفطار، 6
4 -سید بن قطب بن إبراهیم، فی ظلال القرآن، ج 6، ص 8343
5 4- -سورة الملک، 8
6 -سورة النمل، 33
7 -سورة هود، 1
3 -سورة النحل، 8
8 -سورة لقمان، 18
فإنّ المقصود من المشی فی الآیة هو الدرب الذی یسیر علیه الإنسان فی جمیع مجالات حیاته. یقول العلامه الطباطبایی
فی تبیین الآیة:
»، وَ اقْصِدْ فِي مَشْیِكَ - فإنه كنایة عن أخذ وسط الاعتدال في مسیر الحیاة -« 9
وفی آیة أخری:
» وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفین « 0
والأحادیث المأثورة تعیّن حدود الإسراف المنهیّ عنه. فقد سئل الإمام الصادق)ع( عن أدنی الإسراف. فقال)ع(:
» ابْتِذَالُكَ ثَوْبَ صَوْنِكَ وَ إهْرَاقُكَ فَضْلَ إِنَائِكَ وَ أكْلُكَ التَّمْ رَ وَرَمْیَكَ النَّوَى هَاهُنَا وَ هَاهُنَا « 4
-4 الوسطیة الشاملة من خصائص عباد الرحمن
إنّ الاعتدال واجتناب الافراط والتفریط من أهمّ خصائص عباد الرحمن. فالجزء الأخیر من سورة الفرقان یعدّ خصائص
عباد الرحمن ویذکر من جملتها أن سیرتهم فی الإنفاق الاعتدال والوسطیة.
» وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذین.... وَ الَّذینَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ یُسْرِفُوا وَ لَمْ یَقْتُرُوا وَ كانَ بَیْنَ ذلِكَ قَوام اً « 3
یقول السید قطب فی تفسیرهذه الآیة:
وهذه سمة الإسلام التي یحققها في حیاة الأفراد والجماعات ویتجه إلیها في التربیة والتشریع، یقیم بناءه كله «
على التوازن والاعتدال. والمسلم- مع اعتراف الإسلام بالملكیة الفردیة المقیدة- لیس حر اً في إنفاق أمواله
الخاصة كما یشاء- كما هو الحال في النظام الرأسمالي، وعند الأمم التي لا یحكم التشریع الإلهي حیاتها في كل
میدان. إنما هو مقید بالتوسط في الأمرین الإسراف والتقتیر. فالإسراف مفسدة للنفس والمال والمجتمع، والتقتیر
مثله حبس للمال عن انتفاع صاحبه به وانتفاع الجماعة من حوله، فالمال أداة اجتماعیة لتحقیق خدمات
اجتماعیة. والإسراف والتقتیر یحدثان اختلالا في المحیط الاجتماعي والمجال الاقتصادي، وحبس الأموال یحدث
أزمات ومثله إطلاقها بغیر حساب. والإسلام وهو ینظم هذا الجانب من الحیاة یبدأ به من نفس الفرد، فیجعل
»- الاعتدال سمة من سمات الإیمان: -وَكانَ بَیْنَ ذلِكَ قَوام اً 5
تلاحظون أنّ الإسلام لا یستثنی الإنفاق- وهو أعلی القیم الدینیة- من هذه القاعدة العامة، فیلزم أن تتصدّر جمیع ساحات
الدین.
-3 المسرفون خارجون عن دائرة الهدایة الإلهیة. قال سبحانه:
» إِنَّ اللهََّ لا یَهْدي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ « 6
» كَذلِكَ یُضِلُّ اللهَُّ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ « 7
-5 الإسراف مصدر المعاصی والقبائح
التأمل فی ما ذکرنا یبیّن أن الإفراط والخروج عن الوسط یسبّب سائر المعاصی والرذائل. والقرآن یؤکد علی هذه الحقیقة:
» قُلْ یا عِبادِيَ الَّذینَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهَّ « 0
1 -المیزان فی تفسیر القرآن، ج 5، ص 072
0 -سورة الاعراف، 81
8 -کلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 4، ص 56
4 -سورة فرقان، 67
5 -.في ظلال القرآن، ج 5، ص 9552
6 -سورة غافر، 03
7 -سورة غافر، 84
3 سورة زمر، 58
یقول العلامة الطباطبایی فی تبیین الآیة:
الإسراف تجاوز الحد في كل فعل یفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق » الَّذِینَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ « : و قوله «
أشهر، وكان الفعل مضمن اً معنى الجنایة أو ما یقرب منها ولذا عدي بعلى، والإسراف على النفس هو التعدي
». علیها باقتراف الذنب أعم من الشرك وسائر الذنوب الكبیرة والصغیرة على ما یعطیه السیاق 9
من جانب آخر نشاهد أنّ القرآن عندما یشیر إلی حیاة فرعون- وهو مجمع الرذائل والسیئات- یسمه بسمتین: العلو فی
الأرض والإسراف.
» وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفینَ « 0
ومن هنا عدّ الخروج عن حدود الاعتدال من سمات الجاهل. یقول الإمام علی)ع(:
» لَا تَرَى الْجَاهِلَ إِلَّا مُفْرِطاً أَوْ مُفَرِّط اً « 4
وهذا هو الموجب لاستغفار أهل الإیمان من جمیع أنواع الإسراف، کما حکی الله تعالی عنهم:
» وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا في أَمْرِنا « 3
-6 النهی عن تبعیة المسرفین
» وَ لا تُطیعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفینَ الَّذینَ یُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لا یُصْلِحُون « 5
وفی وصف المسرفین بالإفساد فی الأرض إشارة إلى علة الحكم الحقیقیة؛ وذلك أن الكون على ما بین أجزائه من التضاد
والتزاحم مؤلف تألیف اً خاص ا یتلاءم معه أجزاؤه بعضها مع بعض في النتائج والآثار، ثم الفرد من الإنسان بما له من القوى
والأدوات المختلفة المتضادة مفطور على تعدیل أفعاله وأعماله بحیث تنال كل قوة من قواه حظها المقدر لها وقد جهز بعقل
یمیز بین الخیر والشر ویعطي كل ذي حق حقه. فالكون یسیر بالنظام الجاري فیه إلى غایات صالحة مقصودة وهو بما بین
أجزائه من الارتباط التام یخط لكل من أجزائه سبیلا خاص اً یسیر فیها بأعمال خاصة من غیر أن یمیل عن حاق وسطها إلى
یمین أو یسار أو ینحرف بإفراط أو تفریط، فإن في المیل والانحراف إفساد اً للنظام المرسوم، ویتبعه إفساد غایته وغایة
الكل، ومن الضروري أن خروج بعض الأجزاء عن خطه المخطوط له وإفساد النظم المفروض له ولغیره یستعقب منازعة
بقیة الأجزاء له، فإن استطاعت أن تقیمه وترده إلى وسط الاعتدال فهو وإلا أفنته وعفت آثاره حفظ ا لصلاح الكون واستبقاء
لقوامه. 6
-7 إخوان الشیاطین
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكینَ وَابْنَ السَّبیلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذیر اً إِنَّ الْمُبَذِّرینَ كانُوا إِخْوانَ الشَّیاطینِ وَكانَ الشَّیْطانُ «
» لِرَبِّهِ كَفُور اً 7
یقول مؤلف مجمع البحرین فی بیان الآیة:
قوله تعالى: - إِنَّ الْمُبَذِّرِینَ كانُوا إِخْوانَ الشَّیاطِینِ - هو من التبذیر في النفقة والإسراف فیها و تفریقها في غیر «
ما أحل الله تعالى، وقد فرق بین التبذیر والإسراف في أن التبذیر الإنفاق فیما لا ینبغي، والإسراف الصرف زیادة
». على ما ینبغي، والأخوة هنا للمشاكلة 0
-0 أمّة الإسلام، أمّة الوسطیّة.
1 -المیزان فی تفسیر القرآن، ج 17 ، ص 078
0 -سورة یونس، 38
8 -نهج البلاغه، حکمت 72
4 -سورة آل عمران، 147
5 150- -سورة شعرا، 151
6 -المیزان فی تفسیر القرآن، ج 15 ، ص 826
7 07- -سورة اسراء، 06
3 -طریحی، فخرالدین، مجمع البحرین، ج 8، ص 017
» وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَیَكُونَ الرَّسُولُ عَلَیْكُمْ شَهید اً « 9
نتابع بیان وسطیة الإسلام بعبارة من السید قطب، حیث یقول:
إنها الأمة الوسط التي تشهد على الناس جمیع اً، فتقیم بینهم العدل والقسط وتضع لهم الموازین والقیم وتبدي «
فیهم رأیها فیكون هو الرأي المعتمد وتزن قیمهم وتصوراتهم وتقالیدهم وشعاراتهم فتفصل في أمرها، وتقول:
هذا حق منها وهذا باطل. لا التي تتلق ى من الناس تصوراتها وقیمها وموازینها. وهي شهیدة على الناس، وفي
مقام الحكم العدل بینهم ... وإنها للأمة الوسط بكل معاني الوسط سواء من الوساطة بمعنى الحسن و الفضل، أو
». من الوسط بمعنى الاعتدال و القصد، أو من الوسط بمعناه المادي الحسي 0
الثانی: نظرة إلی تعالیم الإسلام
التّأمّل فی تعالیم الإسلام تبیّن بوضوح أنّ الرکیزة فیها هی القصد والعدل وأن لاعلاقة بینها وبین جانبی الإفراط والتفریط.
والآن نحاول تقدیم نماذج من تعالیم الإسلام لإیضاح هذه الحقیقة.
-9 الوسطیة فی التکلیف ونفی التکلیف فوق الطاعة وکذا العسر والحرج منه. قال سبحانه:
» لا یُكَلِّفُ اللهَُّ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها « 4
» ما یُریدُ اللهَُّ لِیَجْعَلَ عَلَیْكُمْ مِنْ حَرَجٍ « 3
» یُریدُ اللهَُّ بِكُمُ الْیُسْرَ وَلا یُریدُ بِكُمُ الْعُسْر « 5
یقول مؤلف تفسیر الأمثل فی هذا المجال:
الوسع( لغة تعني القدرة والإستیعاب، وعلیه فإنّ الآیة تؤیّد الحقیقة المنطقیّة القائلة أنّ التكالیف والفرائض («
الإلهیّة لاتتجاوز طاقة الأفراد إطلاقا، لذلك یمكن القول بأنّ كلّ الأحكام یمكن تقییدها وتفسیرها بهذه الآیة حیث
تتحدّد في إطار قدرة الإنسان، و من البدیهي أنّ المشرّع الحكیم والعادل لا یمكن أن یضع قانون اً على نحو آخر.
كما أنّ الآیة تؤكّد أنّ الأحكام الشرعیّة لا تنفصل أبد اً عن أحكام العقل والحكمة، بل هي مواكبة معها في كلّ
». المراحل 6
-0 الاعتدال فی تعامل الإنسان بالدنیا والآخرة
الإسلام ینظر إلی الدنیا والآخرة بنظرة عینیة تطابق الواقع والحقیقة. فلا هو یحصر الحیاة فی الدنیا ویغفل عن الآخرة کما
هو دأب من لایؤمن بالآخرة.
» فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ یُرِدْ إِلاَّ الْحَیاةَ الدُّنْیا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْم « 7
ولا هو یدعو إلی الرهبانیة ورفض الدنیا رفض اً کاملاً کما فعل بعض النصاری. والقرآن یعتبر هذا الأمر بدعة ابتدعوها لا
حکماً نازلاً من عندالله سبحانه.
فسبیل الإسلام هو الطریق المستقیم وهو الطریق الوسط. فهو یعطی کلّاً من الدنیا والآخرة ما لهما بلا إفراط وتفریط.
فالدنیا فی إیدئولوجیة الإسلام تعتبر طریقاً وسبیلاً إلی الآخرة ولا یصحّ فصلها عنها لأنّها لا غایة لها إلا الآخرة. فالغور
فی الدنیا ونسیان الآخرة یعنی الاشتغال بالطریق ونسیان الغایة والهدف وهو یؤدّی إلی الهلاک والبوار.
-4 الاعتدال فی الخوف و الرجاء
یقول الإمام الصادق)ع(:
كَانَ أَبِي یَقُولُ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا ]وَ[ فِي قَلْبِهِ نُورَانِ نُورُ خِیفَةٍ وَ نُورُ رَجَاءٍ لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ یَزِدْ عَلَى «
» هَذَا وَ لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ یَزِدْ عَلَى هَذَا 0
یقول العلامة الطباطبایی فی تفسیر الآیة 56 سورة الأعراف:
العبادة عن محض الخوف ربما ساق الإنسان إلى الیأس والقنوط فدعاه إلى ترك العبادة، وقد شوهد ذلك كثیرا، «
و العبادة عن محض الطمع ربما قاد إلى استرسال الوقاحة وزوال زي العبودیة فدعاه إلى ترك العبادة، وقد شوهد
1 -سورة بقره، 148
0 - في ظلال القرآن، ج 1، ص: 139
8 -سورة بقره، 036
4 -سورة مائده، 6
5 -سورة بقره، 135
6 -مکارم الشیرازی، ناصر، التفسیر الأمثل، ج 0، ص 867
7 82- -سورة نجم، 08
3 -الکافی، ج 0، ص 63
لیصلح كل من » وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَع اً « : أیضا كثیر اً، فجمع سبحانه بینهما ودعا إلى الدعاء باستعمالهما معا فقال
الصفتین ما یمكن أن تفسده الأخرى، وفي ذلك وقوع في مجرى الناموس العام الجاري في العالم أعني ناموس
» الجذب والدفع. وقد سمى الله سبحانه هذا الاعتدال في العبادة والتجنب عن إفساد الأرض بعد إصلاحها إحسان اً 9
-3 الاعتدال فی الفرح والحزن والرخاء والشدّة
إنّ من خصائص أغلبیة الناس، افتقاد التوازن النفسی والروحی عند ما یصیبهم من الشدة والرخاء؛ بمعنی أنّ الإنسان
عندما یُنعّم، یفرح ویمرح ویختال وعندما یفوته شیئ من الدنیا، یحزن وییأس ویسیء الظن بالله تعالی. وهذا من أکبر
المخاطر التی تهدد سعادة الإنسان. فالقرآن یشیر إلی هذه الحقیقة فی نفس الإنسان ثم یعالجها بتنبیهه بذکر الله تعالی الذی
بیده أزمة الأمور کلها وأنّه لایعطی ولایأخذ إلّا لحکمة تقتضیهما:
ما أَصابَ مِنْ مُصیبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا في أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ في كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهَِّ یَسیرٌ لِكَیْ لا تَأْسَوْا «
» عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُم 0
وقال:
» إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَ إِذا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوع اً إلّا المُصَ لّین « 4
فلاینبغی أن ییأس ویجزع عند الابتلاء ولا أن یمرح ویمنع عندما أوتی متاع الدنیا، فالطریق الوسط هو التوازن الروحی
واطمئنان النفس الحاصلان من الإیمان بالله تعالی. یقول الإمام علی )ع( عندما یصف المتّقین:
» نُزّلَت أنفُسُهُم مِنهُم فِی البَلاء کَالّتی نُزّلَت فِی الرّخاء « 3
ویقول)ع( کذلک:
» فی المَکارِهِ صَبورٌ وَفی الرّخاء شَکورٌ « 5
-5 الاعتدال فی التعاطی مع الآخرین
قال الله سبحانه:
لا یَنْهاكُمُ اللهَُّ عَنِ الَّذینَ لَمْ یُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِیارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللهََّ یُحِبُّ «
» الْمُقْسِطینَ 6
وفی موضع آخر:
یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامینَ لِلهَِّ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا یَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ «
» لِلتَّقْوى 7
فالإسلام لا یهدف فی تشریعاته إلّا إلی الهدایة الأکثریة لجمیع الناس ولا یؤثر العداء والبغضاء والشنآن أن یخرج من
حدود العدل والإنصاف والقسط، بل یأمر دائماً بالسیر فی حدود العدل والإنصاف مع الجمیع حتی من کفر أو أظهر العداء
لنا. هکذا یصف الإمام علی)ع( أهل التقوی حین یقول:
» لایَحیفُ عَلی مَن یُبغِضُ وَلایَأثَمُ فیمَن یُحِبّ « 0
وهناک نماذج أخری مما یبیّن اعتدال الإسلام ووسطیّته بمعنی الکلمة ونکتفی بهذا القدر، فإنّه واف لما قصدناه فی هذه
المقالة.
حصیلة البحث
هذه نماذج یسیرة من منظومة التعالیم الدینیة المبتنیة علی الاعتدال الشامل واستیفاء المسألة یتطلب مجالاً واسعاً خارجاً
عن حدود هذه المقالة.
فتبین من جمیع ما ذکرنا أن الاعتدال حاکم علی جمیع المعارف الإسلامیة. وکما أن الإسلام بنی جمیع تعالیمه علی الاعتدال
الشامل، یأمر الإنسان أیضاً بالسیر علی هذا النهج المستقیم بلا اعتداء وتعدّ.
1 -المیزان فی تفسیر القرآن، ج 3، ص 162
0 08- -سورة حدید، 00
8 01-02- -سورة معارج، 18
4 -نهج البلاغه، خ 188
5 -نفس المصدر
6 -سورة ممتحنه، 3
7 -سورة مائده، 3
3 -نهج البلاغه، خ 188
سؤال:
هل ظاهرة الجهاد والحدود و... ممّا هی من تشریعات الإسلام، من تجلیات التطرف والإفراط فی الإسلام؟
الإجابة:
لایصح، فصل جزء من مجموعة السنن الدینیة والنظرة الأُحادیة البعد إلیه ثم الحکم علیه بالتطرف والتشدد، بل یلزم أن
ننظر إلی کل جزء، فی المنظومة الدینیة المشتملة علی الأجزاء الموصولة بعضها بالبعض. فلابد من ملاحظة علاقة هذا
الجزء بسایر الأجزاء وکذا المصالح والغایات المترتبة علیه، ثم الحکم علیه بما ینبغی.
نذکر کمثال مسألة الجهاد الذی حثّ علیه القرآن بکلّ اهتمام. وهو أکثر ما یضع الإسلام فی موضع الاتهام بالعنف والتطرف
و... وقد یطلق علیه الإرهاب الدینی.
التأمل فی الموضوع یبین لنا أنّ الجهاد الذی یدعو إلیه الإسلام، من أعلی تعالیمه منزلة وأکثرها فائدة. سنری أنه یختلف
اختلافاً جذریاً من الحروب التی أحدثها الإنسان طیلة الزمان بین القبائل والشعوب والبلدان. نری إنه لا علاقة بین الجهاد
الإسلامی وبین الاعتداء والتعدی وسفک الدماء والهیمنة علی الآخرین وما شابه ذالک. وهذه الأمور نشاهدها بکثافة فی
النزاعات والحروب. فمن هذا المنطلق لا نری الإسلام یأمر بالاعتداء وسفک الدماء وإبادة الآخرین وإهلاک الحرث والنسل
أبداً. فکیف یتهم هذا الدین بالعنف والتطرف واللاأخلاقیة و...؟ نعم فیما یتوقف استیفاء حق للإنسانیة علی القتال، أذن
فیه بشروطه وفی إطار المعاییر الإنسانیة والدینیة ولا یسمح لأحد تعدی هذه الأطر إطلاق اً.
قال السید بن قطب فی تبیین الجهاد فی الإسلام:
لقد جاءت هذه العقیدة في صورتها الأخیرة التي جاء بها الإسلام لتكون قاعدة للحیاة البشریة في الأرض من «
بعدها، و لتكون منهج اً عام اً للبشریة جمیعها و لتقوم الأمة المسلمة بقیادة البشریة في طریق اللهّ وفق هذا
المنهج. و من ثم كان من حق البشریة أن تبلغ إلیها الدعوة إلى هذا المنهج الإلهي الشامل، و ألا تقف عقبة أو
سلطة في وجه التبلیغ بأي حال من الأحوال. ثم كان من حق البشریة كذلك أن یترك الناس بعد وصول الدعوة
إلیهم أحرار اً في اعتناق هذا الدین لا تصدهم عن اعتناقه عقبة أو سلطة. فإذا أبى فریق منهم أن یعتنقه بعد
البیان، لم یكن له أن یصد الدعوة عن المضي في طریقها. وكان علیه أن یعطي من العهود ما یكفل لها الحریة
والاطمئنان وما یضمن للجماعة المسلمة المضي في طریق التبلیغ بلا عدوان ... فإذا اعتنقها من هداهم اللهّ إلیها
كان من حقهم ألا یفتنوا عنها بأي وسیلة من وسائل الفتنة. لا بالأذى ولا بالإغراء. ولا بإقامة أوضاع من شأنها
صد الناس عن الهدى وتعویقهم عن الاستجابة. وكان من واجب الجماعة المسلمة أن تدفع عنهم بالقوة من
یتعرض لهم بالأذى والفتنة. ضمان اً لحریة العقیدة، ... وینشأ عن تلك الحقوق الثلاثة واجب آخر على الجماعة
المسلمة وهو أن تحطم كل قوة تعترض طریق الدعوة وإبلاغها للناس في حریة، أو تهدد حریة اعتناق العقیدة
وتفتن الناس عنها. وأن تظل تجاهد حتى تصبح الفتنة للمؤمنین باللهّ غیر ممكنة لقوة في الأرض، ویكون الدین
للهّ .. لا بمعنى إكراه الناس على الإیمان ولكن بمعنى استعلاء دین اللهّ في الأرض، بحیث لا یخشى أن یدخل فیه
من یرید الدخول ولا یخاف قوة في الأرض تصده عن دین اللهّ أن یبلغه، وأن یستجیب له، وأن یبقى علیه. وبحیث
لا یكون في الأرض وضع أو نظام یحجب نور اللهّ وهداه عن أهله ویضلهم عن سبیل اللهّ. بأیة وسیلة وبأیة أداة.
». وفي حدود هذه المبادئ العامة كان الجهاد في الإسلام 9
ونحکی عبارة عنه فی بیان الحدود التی تنفّذ عند الجریمة فی المجتمع الإسلامی:
والمجتمع المسلم یقیم حیاته كلها على منهج اللهّ وشریعته وینظم شؤونه وارتباطاته وعلاقاته على أسس ذلك «
المنهج وعلى أحكام هذه الشریعة .. ومن ثم یكفل لكل فرد- كما یكفل للجماعة- كل عناصر العدالة والكفایة
والاستقرار والطمأنینة، ویكف عنه كل عوامل الاستفزاز والإثارة، وكل عوامل الكبت والقمع، وكل عوامل الظلم
والاعتداء، وكل عوامل الحاجة والضرورة. وكذلك یصبح الاعتداء- في مثل هذا المجتمع الفاضل العادل المتوازن
المتكافل- على النفس والحیاة، أو على النظام العام، أو على الملكیة الفردیة جریمة بشعة منكرة، مجردة عن
البواعث المبررة- أو المخففة- بصفة عامة .. وهذا یفسر التشدد ضد الجریمة والمجرمین بعد تهیئة الظروف
المساعدة على الاستقامة عند الأسویاء من الناس وتنحیة البواعث على الجریمة من حیاة الفرد وحیاة الجماعة
.. و إلى جانب هذا كله، ومع هذا كله یكفل النظام الإسلامي للمجرم المعتدي كل الضمانات لسلامة التحقیق والحكم
ویدرأ عنه الحدود بالشبهات ویفتح له كذلك باب التوبة التي تسقط الجریمة في حساب الدنیا في بعض الحالات،
». وتسقطها في حساب الآخرة في كل الحالات 0
1 -فی ظلال القرآن، ج 1، ص 136
0 -فی ظلال القرآن، ج 0، ص 378
فلایقصد تنفیذ الحدود فی المجتمع إلّا إلی قرار المجتمع وأمنه وإعداده لینال الکلّ إلی ما یستحقّه من کمالات مادیة أو
روحیّة.
فالجهاد الإسلامی والحدود الإسلامیّة تختلف جذریّاً عن غیرها من الحروب والنزاعات أو القوانین التی نشأت من الفکر
الإنسانی القاصر. فهی رحمة عامة للمجتمعات الإنسانیّة عند ملاحظة جمیع آثارها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین
المصادر
-9 القرآن الکریم
-0 نهج البلاغه
-4 سید بن قطب بن ابراهیم، فی ظلال القرآن، نشر دارالشرق، بیروت-القاهره، 9390 ق
-3 شیخ الحر العاملی، وسائل الشیعة، نشر مؤسسة آل البیت، قم، 9390 ق
-5 طریحی، فخر الدین، مجمع البحرین، نشر مرتضوی، تهران، 9475 ش
-6 طباطبایی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ت سید محمد باقر الموسوی الهمدانی، نشر جماعة المدرسین
الحوزة العلمیة قم، 9473 ش
-7 فیض کاشانی، ملا محسن، نشر مکتب الإعلام الإسلامی، قم، 9390 ق
-0 کلینی، محمد بن یعقوب، نشر دار الکتب الاسلامیة، تهران، 9465 ش
-0 مکارم شیرازی، ناصر، تفسیر الأمثل، نشر دار الکتب الاسلامیة، تهران، 9473 ش
فايلها
الإسلام والاعتدال.pdf 227.07 KB
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت |
Guest (PortalGuest)


مجری سایت : شرکت سیگما